عرض مشاركة مفردة
  #30  
قديم 16-02-2007, 10:18 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

10ـ اجتياح الكويت وما رافقها ..


لو اكتشف العلماء أنه قبل مئات السنين كان هناك محطات تلفزيونية وإذاعية، وأحضروا بعض الأشرطة وعرضوها على المشاهدين في هذه الأيام .. وكان من بين تلك الأشرطة ما يسجل نشاط يوسف بن تاشفين عندما ذهب الى الأندلس وأجبر بالسيف بعد الإقناع أمراء الطوائف السبع وثلاثين على التوحد في دولة قوية. أو عرض العلماء ما تناقلته إذاعات و محطات تلفزة (الأتابكة)*1 التي اجتاحها صلاح الدين الأيوبي، قبل توجهه لتحرير القدس من الصليبيين..

لو حدث هذا، فإننا سنسمع أصواتً ترمي ابن تاشفين أو صلاح الدين بأسوأ الأوصاف، فستصفهما بالقتلة والسفاحين و ربما تعطيهما أكثر من ذلك. ولكن بعد المسافة بيننا وبين هذين البطلين، جعل تلك الأصوات تموت والى الأبد وتبقى أصوات الخلود في نبل عملهما ..

في حياتنا اليومية نذكر كأناس اعتياديين أو مثقفين أو حتى رجال حكم، ما يحدث للأمة من ويلات، وعندما نريد أن نعيد أسباب تلك الويلات لأصولها، فإننا سرعان من نتذكر (وعد بلفور) و اتفاقية (سايكس ـ بيكو) كأصلين هامين بنيت عليهما عوامل تداعي قوة الأمة.

لكن عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على قطريتنا، وما يرتبط بها من مصالح فئوية وأسرية، فإننا سرعان ما نستخدم هذين الأصلين كأساس للاحتكام عليهما في تقييم ما يجري.

كلنا يعلم أن كثيرا من الدول العربية، كان تأسيسها عبارة عن صفقات بين الدول التي كانت مستعمرة لأراضيها وبين أسر كان لها نفوذ اجتماعي قبل خروج المستعمرين من البلاد، وقد قوي شأن تلك الأسر التي اعتمدت اقتصاد الريع الآتي من مشاركة الدول الاستعمارية في استخراج ثروات البلاد، فاستخدمت جزءا من أموال البلاد لإلهاء مواطنيها ببعض منه، في حين استمرأت وضع حكمها الذي جلب لها مجدا مريحا دون عناء ودون مشقة، واستطاعت تطويع الكثير من أبناء بلادها في القبول بهذا الوضع الذي كان يبدو لهؤلاء الأبناء بأنهم في حال أفضل من غيرهم من أبناء أمتهم، وعبأت بخطابها اليومي أبناء تلك الدول بأن هناك من يحسدهم على (وضعهم!) .. بل وخوفتهم من أشقائهم بأنهم طامعون بثرواتهم ..

هذه الحاضنة أو الأرضية تصلح لتأسيس تفسير الموقف الشعبي العربي تجاه دخول القوات العراقية للكويت، فلذلك كنا نرى التفاف جماهيري واسع حول الموقف العراقي من أقصى المغرب العربي الى كل أرض العرب ( عدا الخليج العربي) .. بالمقابل فإن الموقف الرسمي احتكم لمصلحة كل دولة ومكان وقوفها، وغُلفت كل المواقف بالاحتكام الى القانون الدولي، الذي لم تُخف حكومات العراق ـ كلها ـ في القرن العشرين عدم رضاها عنه فيما يخص الكويت .. سواء من العهد الملكي ومرورا بالعهد القاسمي وانتهاء بالعهد البعثي ..

كانت حكومات الخليج تنظر للعراق نظرة مختلطة، فهي ترى فيه دولة سند قوية تصنع حالة توازن فيما بين العرب وبين الفُرس في تلك المنطقة، فترتاح لتلك النقطة، وترى فيه مصدرا لهواجس الخوف من نمطية النظام الذي يؤمم وينهي الأمية ويخطو خطوات واسعة للالتحاق بركب الدول المتقدمة، وهنا سيصبح مصدرا لمقارنة أبناء تلك الدول، والذين لم يكونوا بعيدين عن الروح الوطنية والتشارك بالهم العربي، ففي الجزيرة والخليج آلاف المفكرين والأدباء والإعلاميين الذين يتبنوا خطابا مشابها لما هو عليه في مختلف المناطق العربية، بل بالعكس كان منهم وبالذات من الكويت نفسها من كان يكتب بألم لما تخبئ الدوائر الإمبريالية للعراق، بعد حكاية (المدفع العملاق)*2، وقد ارتاحت منهم دولهم بعض الشيء بعد دخول الجيش العراقي للكويت..

كما أن استقلالية الرأي عند حكومات تلك المنطقة، لم تكن ـ ولن تكن ـ مطلقة، بل ستكون قريبة من البوصلة الغربية، التي تدخل مصالح الكيان الصهيوني في اعتباراتها، وهنا علينا أن نعترف أن دول المنطقة لم يكن يعنيها مصلحة الكيان الصهيوني، ولكن تلك المصلحة تعني أصدقاء الكيان الصهيوني وحلفاؤه، الذين هم حلفاء لحكومات تلك الدول.

ما هي قصة دخول القوات العراقية للكويت وهل الحرب كانت مع الكويت أم مع أمريكا؟

عندما أحست الإمبريالية الأمريكية، باقتراب أفول نجم الاتحاد السوفييتي، كما أحس بذلك العالم كله ومن بينه العراق (طبعا)، الذي نصح قائده صدام حسين العرب بدعم الاتحاد السوفييتي ونقل قسم من الأموال العربية المودعة في الغرب لتدعيم موقفه، حرصا على التوازن العالمي، ولأن الاتحاد السوفييتي بأقل الأوصاف هو أقل خطورة من الغرب.. وهي حقيقة تاريخية يعرفها العرب منذ العهد القيصري عندما دعم قيصر روسيا (محمد علي باشا) في قدراته لتصنيع الأسلحة و وتكوين جيشه الضخم (540ألف جندي) الذي كاد أن يقيم به إمبراطورية قوية تخلف الرجل المريض (الدولة العثمانية).. لولا أن الغرب الذي كان يتربص باقتسام تلك الدولة، أحبط مخططات محمد علي، وفكك جيشه وقلص عدده الى 12 ألف جندي..

في هذه الظروف أي باقتراب أفول نجم الاتحاد السوفييتي، صعدت الولايات المتحدة ولا زالت، من ترتيب وضعيتها كقطب وحيد في العالم، وابتدعت طريقة وضعت بعد دراسات مطولة، في تسويق مستقبلها. فكانت تعتمد سماسرة من جنسيات مختلفة كالمارق و المجدف (سلمان رشدي) في كتابه السخيف الذي يهاجم فيه رسول الله صلوات الله عليه، وياباني (متمسح ـ أصبح مسيحيا) اسمه (فوكوياما) و صيني خارج عن طوع قيادته، أو بولندي منشق أو عربي (ذائح) لخدمة مخططاتها .. وكانت تلك أرخص وأسلم طريقة للتبشير بالنظام العالمي الجديد ..

فيما يخص الكويت، كانت الولايات المتحدة بعد تأميم نفط العراق، واستخدام العرب (جزئيا) للنفط كسلاح، قد وضعت مسودات خططها في احتلال الساحل الشرقي للجزيرة العربية (منذ عهد كارتر) ووضعت خططا لاحتلال العراق، وأخذت تتحين الفرص. وقد نتبع تلك المساهمة بملف آخر عن تلك الخطط، وعن سبب تسمية تلك الحرب كما أطلق عليها الرئيس صدام حسين اسم (أم المعارك).

فكانت تراقب الوضع في الحرب العراقية الإيرانية، وتبتهج في إطالة الحرب لإنهاك الدولتين المتحاربتين، بل تسعى لإطالة أمد الحرب، ولكن بعد خروج العراق منتصرا (في حساب قيم السوق العسكري والاستراتيجي)، كيفت خططها للتخلص من نظام الحكم في العراق. وعلمت أن العراق قد خرج بمديونية بلغت حوالي (70) مليار دولار، فأوكلت لمحبيها أن يلعبوا بسعر برميل النفط ليهبط من 35 دولار عام 1985 الى 7 دولارات عام 1990. وهذا الأمر سيجعل كل مردود العراق لا يغطي فوائد الدين، فيضطر لتسديد الدائنين من جذور البلاد الاقتصادية وأهمها مؤسسات النفط نفسها، فيعود بذلك النفط لمغتصبيه السابقين الذين أغاظهم تأميمه .. وهنا ستصب تلك الخطوة في إحكام القبضة على اقتصاديات العالم وتخدم مشروع (النظام العالمي الجديد) (الأمريكي)..

سنسوق في المرة القادمة محضرين (كاملين) لاجتماع الرئيس صدام حسين مع الرئيس حسني مبارك الذي كان يتوسط في إنهاء الأزمة مع الكويتيين الذين توكلوا بتخفيض سعر النفط مع دولة خليجية أخرى، ولكن الكويتيين كانوا قد استغلوا انشغال العراق بالحرب مع إيران وتوسعوا في استخراج نفط (الرميلة)، كما سنقدم محضر اجتماع الرئيس صدام حسين مع الآنسة (غلاسبي) سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، لنترك لمن يهتم في استنباط حقائق ما جرى ويربطه بما يجري.

المراجع:
1ـ الأتابكة: دويلات بالعشرات كانت تستقل بإدارة شئونها عن الدولة العباسية في عصر ضعفها الذي نجم عنه الغزو الصليبي و المغولي.
2ـ جريدة القبس الكويتية في عدد 2/5/1990 تنشر على ثلاث صفحات، سيناريوهات العدوان على العراق.
__________________
ابن حوران