عرض مشاركة مفردة
  #43  
قديم 09-11-2005, 03:47 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(3)



لكن ما هي الأخلاق و ما علاقتها بالتعامل مع الدولة ؟



تضع الجماعات أحكاما ، منها ما يأخذ شكل العرف لتكراره ومنها ما يأخذ شكل القانون ويكون في أغلب الأحيان مكتوبا و تزعم الحكومات بتنفيذه على كل من يشملهم هذا القانون .

وأحيانا تعتمد الجماعات الطبيعية كالعشائر بوضع قوانينها بالمشافهة ، وان دونت في بعض البلاد .. وتضع الجماعات الاصطناعية كالنقابات و الأحزاب والجمعيات لوائح داخلية لها تكون بمثابة قانون ..

و أحيانا تصبح العادات السائدة بين الناس بمثابة شاهد و وازع يساعد في ضبط التعاملات بين الناس ..

كل تلك الأوعية التي تحفظ النصوص المكتوبة أو المسموعة ( بالمشافهة) يصبح لها سلطة مستترة يتعامل معها المواطن بإبقاء هيبتها ، وان كان له رأي مخالف بها .. وكلها مجتمعة تسهم في صناعة ركائز القاعدة الخلقية .. لكنها نفسها ليست الأخلاق ..

ان الالتزام بدفع قيمة شيك مكتوب لصالح شخص أو شركة أو جهة ، هو حق مبني على الاستحقاق المتعارف عليه قانونيا و معاملة . لكن ان فقد الشيك من الشخص المستفيد أو الجهة المستفيدة .. وتمت مراجعة محرر الشيك ، فاعتبر المسألة عادية وقام بتحرير شيك بدلا منه ، فان تصرفه هذا هو ما يدل على خلقه .. رغم أن وضعه القانوني لا يلزمه بكتابة شيك جديد ..

إذن فالتطوع بالالتزام بعناصر القاعدة الخلقية ، بما فيها القوانين ، هو ما يطلق عليه ب ( الأخلاق ) .. وغير ذلك ، يكون الالتزام بالقوانين و الأعراف وغيرها ، ما هو الا سلوك حسن قويم ..

عناصر القاعدة الخلقية :

تعتمد القاعدة الخلقية على ثلاثة ركائز مهمة .. حيث تعتبر تلك الركائز المنابع الأقوى في تغذية نوازع الاعتبار الأخلاقي .. وهي تتغير من بلاد الى أخرى ومن أزمان الى أخرى :
1 ـ الموروث الثقافي والفكري ، الذي يحوي بينه النصوص المكتوبة والنصوص المتناقلة بين الأجيال بشكل أمثال و حكم شعبية ، و بلهجات المناطق . وهذه مع الأسف يتم التكلم بها و ترديد مفرداتها بين حين وآخر ، خصوصا عند تطابق الحدث أو الواقعة مع الحدث و الواقعة التي قيل بها المثل .

2 ـ قوانين الدولة العامة : حيث تصيغ الدولة قوانينها لضبط سير المعاملات لمواطنيها و فض الخلاف فيما بينهم اذا وقع . و عندما يحس المواطن أن ملاذ القوانين هو أكثر خدمة لوضعه ، فانه يتملص بل و يسفه أحيانا مفردات القاعدة الخلقية التي تكون منابعها تراثية ، اذا لم تخدمه الأخيرة ..

3 ـ الصحبة و تكرار سلوكها اليومي ، يصنع قيما آنية تسهم هي الأخرى في تحديد مسالك القاعدة الأخلاقية ..

لكن يبقى الأدب و الكلام الشعبي هو الناطق باسم القاعدة الأخلاقية لأي شعب .. وعندما تفحص النصوص التي تعبر عن القاعدة الخلقية .. نجد أنها نصوص متخلفة عن مواكبة التطور الحضاري .. وهذه مسؤولية الأدباء و الشعراء و الحكماء ..

فمقولة أنه لا يجب أن نسأل الضيف عن غرضه و اسمه الا بعد مرور ثلاثة أيام و ثلث من قدومه لا تتناسب مع تطور حركة الطيران والفندقة .. فلا يعقل أن نترك أعمالنا و نبقى نسامر ضيفنا ونتأمل قسمات وجهه ثلاثة أيام وثلث ( وهي المدة التي يعطى بها الجاني العطوة الأمنية في حالات القتل) .. في حين بتلك المدة يمكن أن نسافر من طوكيو الى سان فرانسيسكو ونعود !

كما أن تشبيه الوطن بالأم والأب و النفس ، لم تعد تنسجم مع سلوك معاداة الوطن ..
( بلادي وان جارت علي عزيزة ... وأهلي وان ضنوا علي كرام )
وطني لو شغلت بالخلد عنه....... نازعتني عنه بالخلد نفسي
فالمولود الذي تواظب أمه على مسح قاذوراته بصبر وحب ، والشيخ الذي يواظب أهله على خدمته في آخر أيامه بصبر ووفاء .. ليس أفضل من وطن يفتح أبواب الأمل أمام أبناءه أكثر مما يفتحها المولود ، و أعطى أبناءه أكثر مما أعطى الشيخ أهله ..
فكيف تتفق تلك النصوص مع ما يمارسه الأغلبية تجاه أوطانهم .. أين العيب ؟ هل هو في الوطن أم في القاعدة الخلقية التي لم تتهيأ لحماية الوطن ؟
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس