عرض مشاركة مفردة
  #45  
قديم 12-11-2005, 05:12 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(5)



زيادة حجم المسكوت عنه تؤدي الى الانحراف

تصوروا أن غريبا اضطر الى العيش في بقعة ما ، وكانت درجة اضطراره تمنعه من ترك المكان الذي حل به .. و رأى أن في الحي الذي يسكن فيه رجل غير فاضل ، يحترمه أهل الحي مضطرين .. وكان هذا الغريب على درجة عالية من الأخلاق ، ويدرك تماما أن هذا الرجل غير فاضل و أن أهل الحي يتعاملوا معه بابتذال ونفاق .. ماذا سيكون أمام هذا الغريب ؟

انه سيفكر مليا و لا يجد أمامه سبيلا الا أن يبتسم كاذبا أمام الرجل غير الفاضل ، وهذه أول خطوات الانحراف و الابتعاد عن المحور الرئيس في منظومة الأخلاق التي تسيره .. و تتطور الأمور شيئا فشيئا وقد يحس مضطرا بوجوب دعوة هذا الرجل الى بيته .. و كون غير الفاضل لا يعير اهتماما لعناصر القاعدة الخلقية ، فانه قد يسأل أسئلة لا تليق بزائر ، أو قد يترك عينيه تتفحصان محرمات البيت في النهاية ..

عندما يتحول المواطنون العرب في أوطانهم الى غرباء ، فان سلوكهم سيكون في كل أحياء أوطانهم كسلوك الغريب ، فان أراد أن يحصل على وظيفة فانه يريق ماء وجهه وان أراد أن يحصل على ترخيص لمحل أو بناء أو يراجع دائرة أمنية ، فانه سيكذب و يتوسل و يترقق لمن يجده في تلك (الأحياء !) .. و اذا ما مرت أموره بسلام في تلك المراجعات ، فانه سيتحول الى ناصح و خبير يعلم من سيمر بالخطوات التي مر بها ، طرائق و مهارات التذلل ..

و اذا حضر فرحا أو مأتما ، أو جلسة عامة فانه لن يكون خبيرا بمن يجلس في تلك الاجتماعات ( وهذا طبيعي) ، لكنه سيكون خبيرا في حبس لسانه عن قول الحق ، توجسا من أن أحد الجالسين سيكون مخبرا أو عنصرا ينقل ما سيقوله الى جهات قد تؤذيه .. فيهز رأسه لمنافق للسلطات قد يذكر محاسن التطبيع مع الكيان الصهيوني ، أو حكمة القيادة السياسية في التعامل مع المسألة الفلانية .. وهو يدرك أن هذه الحكمة المزعومة ما هي الا التسليم بعبثية الوقوف أمام أعداء الأمة ..

ينهض المدعوون للمناسبة ، وقد استمعوا لصوت القوة الطافية على السطح في البلاد ، وينقل الناقلون أخبار ذلك اللقاء لمسئوليهم بأن الأمور ممتازة !

كما ينهض من كان الاحتقان و الشعور بالبؤس من واقعنا العربي قد ملأ صدره ، ولكنه عندما تتكرر مثل تلك اللقاءات و ما يجري بها ، فان إحساسا غريبا يجتاح كيانه ، بأنه ليس غريبا فقط ، بل أنه عبارة عن ذرة غبار من أصل ثلاثمائة مليون ذرة غبار مثله !

كل هذا لازدياد حجم المسكوت عنه بين الناس .. والذي يقود الى سيادة قيم غريبة عن أمتنا عن ديننا عن حقيقتنا .. لو علم هذا الساكت أنه يمثل الأكثرية وأن المتكلمين هم الأقلية وهم الغرباء ، لكان موقفه مختلفا ، ومن يدري فلعله يعلم أنه من الأكثرية ، وأن الناطقين هم الأقلية ، لكنه يدرك أيضا أن هؤلاء الأكثرية يحتاجون الى مادة لاصقة (إسمنتية ) تربطهم ببعض !
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس