عرض مشاركة مفردة
  #47  
قديم 15-11-2005, 07:53 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية عند العرب

(7)



سلوك رجال الأمن و أثره في خدش القاعدة الخلقية


بدءا نحن نعلم جيدا تعطش أبناء العرب للسلطة و خوفهم منها بنفس الوقت ، هذا الشعور المركب تخلل في نفوس أبناء الأمة منذ ألف عام على الأقل ، أي منذ أن انتزعت السلطة من العرق العربي وذهبت الى عروق أخرى ..

فأصبح التعطش للسلطة مقرون بالتعطش للإستهلاك .. حيث كانت الأخرى مرهونة بما يبقى للمواطن من بعد أن ينتزع منه ما ينتزع ويتبقى له القليل ، حتى أصبح حلم التنعم بالغذاء الجيد أو الملبس الجيد أو المسكن الجيد قريب من الحلم في أن يصبح المرء حاكما أو رجلا في الحكم له أهميته !

الأمن و رجاله وظيفة ممتدة في أعماق التاريخ ، وهي غير الجيش و رجاله ، و قد تفنن العرب بالعصر الحديث ، باستنباط الدوائر الأمنية فهناك دول أو مشاريع دول بها حوالي عشر دوائر أمنية ، لا تنسيق بينها ، وهناك أجهزة مخابرات تصل الى خمسة أجهزة في دولة أعداد ملايين مواطنيها لا تصل الى أعداد تلك الأجهزة ..

نحن نعلم أن جهاز العيون قد نشأ منذ عهد الأمويين ، وهو حق لكل دولة أو قوة ( الإرادة الراهنة ) التي تحكم أي بلد , ولسنا بصدد مناقشة هذه الأحقية في الوقت الحاضر ، لكننا حاولنا ذكر ذلك لربط تصور دور هذه الأجهزة ، بالجانب الأخلاقي و التأثير به ..

إن تصنيف هذه الأجهزة بين نظم الحكم في معظم أنحاء العالم ، هو أجهزة تنفيذية ، وهو اسم يدل على مدى الحرية التي تترك لمثل تلك الأجهزة لتزاول نشاطها بالطريقة التي ترغبها .. و ستجد دائما عند المسائلة منفذا تبرر به ما يسمى بالتجاوزات .. و ستجد أيضا من يغطي عليها أخطائها الى حين ..

نستطيع القول بأن حالة الحكم الحديث في البلاد العربية ، هي حالة مستجدة ليس لها ماض متواصل ، بحيث تهتدي لوضع أكثر ملائمة لتثبت بها أركان حكمها و ترضي بها شعوبها ..

و نظم الحكم كانت في الفترات السابقة ، تنقسم الى قسمين ، إما أنظمة طموحة تهيئ نفسها لصناعة حكم وطني ، لا يرتبط بالأجنبي ، الا بقدر ما تملي عليه فنون السياسة الوطنية . و نظم حكم لا تجد بدا من الارتباط بالأجنبي لقلة حيلتها و معرفتها بعدم القدرة على أن تصبح وطنية . وكلا النمطين كانا لديهما إشكالية في شرعية أنظمتها مع قطاعات لا يستهان بها من المواطنين .

و في جميع الأحوال حتى في عصر الرسل عليهم السلام ، كان هناك معارضين .. فمن يسميه طرف بأنه ذكي و ملهم ، تجد له في الطرف المقابل من يطلق عليه لقب الخبيث و اللئيم .. ومن يسميه طرف بأنه شجاع ، سيكون هناك طرف يسميه متهور و قليل الدراية ..

كلا النمطين سيوكلان لأجهزتهما بأن تمنع نشاط المعارضين .. وهنا ستنفجر عقد و عطش الماضي عند رجال الأمن ليتلذذوا و يتمتعوا بالتعامل مع من يلاحقونهم حتى لو كانوا لا يزالون على ضفاف دوائر الشك ..

وهذا التلذذ لا نشاهده فقط فيمن يلاحقون الخصوم السياسيين ، بل نلاحظه عند شرطي المرور ، ففي حين يمكن أن يؤدي مهامه بلطف عندما يقول للسائق الذي سيخالفه بأنه متأسف اذ انه سيضطر لمخالفته لأنه متجاوز السرعة المسموح بها ، أو أنه يقود سيارة قد تسبب الأذى للآخرين .. لكنه يفضل أن يصر أحد عينيه و يرمي السائق بنظراته الحاقدة ، ويسأله أسئلة لا تليق في مثل تلك المواقف ، حتى يقوم السائق بالترجي و التودد والتذلل .. وبقدر ما يوفق السائق باختيار الألفاظ الودودة بقدر ما يفلح بالإفلات من المخالفة .. و أحيانا لا بد من رشوة لاختصار المسافة .. وهذا كله مناف للأخلاق ..

أو قد نجدها عند ( خباز ) من الأهالي و ليس حكوميا .. اذا كان قد فتح مخبزه يوم الجمعة أو في غياب غيره من الخبازين عن العمل ، اذ يصرخ على المواطنين و يجبرهم على الاصطفاف بالدور .. مستغلا حاجتهم .. أو نجدها عند سائق تاكسي في حالة ندرة المواصلات ، يبقى يطوف حول المسافرين متمتعا بمناداتهم له ، وهو يحرك يديه بعدم الرغبة بالذهاب الى أي مشوار ..

كل ذلك نابع من التعطش للسلطة عند مختلف أصناف المواطنين .. سواء كانوا في الحكم أو خارجه ، وما على المواطن الذي يتعرض الى مثل تلك النوبات التلذذية الا ان يتكيف و ينافق ليخلص من شرورها ..

لو عدنا لرجال الأمن فانهم ان شتموا أو ضربوا أو عذبوا أو خدشوا كرامة مواطن ، وكل هذا محتمل ووارد .. فانهم على أعدادهم و أعداد المرات التي يقومون بعملهم على النحو السيئ ، فانهم سيجيرون كل تلك الممارسات على من في الحكم ، حتى لو كان قديسا .. وسيدفعون المواطنين الى الكذب و النفاق والرشوة و أحيانا الوشاية بغيرهم و أحيانا الانحلال الخلقي الكامل .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس