عرض مشاركة مفردة
  #49  
قديم 18-11-2005, 04:50 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(9)


النظام التعليمي و أثره في خلخلة القاعدة الخلقية :

لو عدنا الى عصر الزهو العربي ، لوجدنا هناك علاقة صميمية وعضوية بين المعلم و التلميذ .. فكلما كان يتم الحديث عن أي مبدع بأي مجال ، بالفقه ، بعلم الكلام بالفلك بالطب الخ .. كان يذكر الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم ذلك المبدع ، فكانت الأمة أمة واحدة متماسكة زمانيا و معرفيا .. فتزداد أهمية المبدع بذكر شيوخه ، ويضاف لشيوخه على أرصدتهم من الأهمية حتى لو كانوا أموات ، ما يحقق ذلك المبدع من أعمال ..

هكذا كان التعليم ، يقترن بالتربية ويقترن بمفردات الحضارة .. فكانت أعلامه ولا زالت تتمتع بمجد نابع من ما يلقوا من قراء و مستفيدين .. فكان المعلم من زاوية أخرى يصلح أن يكون مثالا أعلى للتلاميذ ، وكون طبيعة معارفنا ـ نحن العرب ـ شمولية ، وليست تخصصية ، فكانت تذكر أخلاق و شجاعة و دقة وذكاء المعلم ، فتكتمل معها صورة نموذج المثل الأعلى ، مما يصون أركان القاعدة الخلقية من خلال هذا المسار .

جرى في القرن العشرين تنويع في مشارب العلم و المعرفة ، وتدرجت معها كياسة و حصافة و مكانة المعلم من الجيد الى الأسوأ ـ مع الأسف ـ . فبينما بقيت هيبة المعلم كمثل أعلى شاخصة لأواسط سبعينات القرن الماضي ، لكنها تسارعت بتدهورها بشكل ملفت للنظر ..

فبينما عاد الخريجون من أقطار الدنيا المختلفة ، الى بلادهم العربية ، وعاد معهم ما التقطوه من مسلكيات ، كانوا يدعون لالتزام بها ، حتى وان لم يصرحوا بذلك ، و أحيانا يصرحون من خلال ذكرهم بمقارناتهم لواقعنا وواقع البلاد التي تخرجوا منها .. وعندما يحظى أحدهم بإفتتان الطلبة بعلمه ، فقد يفتتنوا بمسلكه الذي لن يكون بالضرورة متطابقا مع قدرته العلمية .. فيتم اكتساب مسلكيات تنساب من خلال الخريجين الجدد الى أجيال المدارس ثم الى أترابهم و أهاليهم .

لقد طرأ تغير اقتصادي مهم في أواسط السبعينات ، انعكس على صورة المعلم والتعليم بشكل عام ، فقد انتشرت مهن وحرف تكسب أصحابها عشرات أضعاف ما يكسب المعلم أو المتعلم ، مما جعل صورة المثل الأعلى لدى المعلم تهتز لدرجة الانهيار .. و جعل التمسك بالتعليم لدى الطلبة أو ذويهم ، ليس بالمسألة التي تحتل مكانة متقدمة كما كانت قبلها .. فبات الالتزام بالدوام و الاستماع لتأنيب وتوجيه المعلم ( الجانب التربوي) ، ليس ملزما كثيرا لدى الطالب ، لا بل أحيانا يتعدى الطلاب على معلميهم ..

كما أن هذا الإحساس بغياب الأهمية ، قد تغلغل في نفوس المعلمين أنفسهم ، إذ أخذ المعلم يقارن وضعه الاقتصادي بوضع زملاءه الفاشلين الذين لم يستطيعوا تكملة دراستهم لتدني قدرتهم على المواصلة ، فيجدهم في وضع مادي أفضل .. فيبدأ بصراع مع القيم المحفوظة في عناصر القاعدة الخلقية ، وقيم عصر الفوضى ، فأحيانا يلجأ للدروس الخصوصية ، حيث يحجب كفاءته عن طلاب الصف ليجرهم الى الدروس الخصوصية ، و أحيانا ينجح من لا يستحق مقابل هدية ( رشوة) ، و أحيانا يسرب الأسئلة ، أو يتيح بامتحانات الوزارة لغش بعض الطلبة ..

ان هذا الانحراف ، سيدفع بعناصر فاسدة لتعلو مراتب علمية ومهنية و إدارية لو ضبطت العملية التربوية و التعليمية والتزمت الدوائر المختصة بعناصر القاعدة الخلقية ، لمنعت شرورهم من النيل من المجتمع ..

ان هذا الوضع يذكرني برؤية اليابانيين عندما سئلوا عن سر نهوضهم السريع فأجابوا اننا نهتم بالمعلم فنمنحه ( هيبة القاضي و سلطة الضابط و راتب الوزير) .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس