عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 10-09-2002, 01:44 AM
العقاب العقاب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 41
إفتراضي

يوجد الآن منهم في البلاد الإفريقية مئات الألوف، ولكنهم على عقيدتهم متسترين، ليسوا يرون الخروج لعدم المناسبة، ويوجد منهم أيضا هذه الطائفة الإباضية التي في عمان، ولكنهم في الحقيقة معتزلة، ولا يطبقون مذهبهم.

بعدهم خرجت القدرية، الذين ينكون القدر السابق، العلم السابق، وأول من خرج منهم غيلان القدري، وقبله معبد الجهني، ينكرون علم الله تعالى بالأشياء قبل وجودها، يقولون: لا يعلم الأشياء حتى تحدث، وهؤلاء الذين قال فيهم الشافعي: ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خُصموا، وإن جحدوه كفروا.

ثم حدثت بدعة فيهم أشد من هذه، وهي إنكار قدرة الله على الهداية والإضلال، أن الله ليس على كل شيء قدير، ولا يهدي من يشاء، ولا يضل من يشاء، وهؤلاء هم القدرية الذين أنكروا عموم القدرة، الذين قال فيهم الإمام أحمد: القدر قدرة الله، يعني من اعترف بأن الله على كل شيء قدير فقد خصم القدرية، خاصموهم بهذه الكلمة، قولوا لهم: أليس الله تعالى على كل شيء قدير؟ إذن فكيف يخرج عن قدرته أن يهدي من يشاء، ويضل من يشاء؟ وله الحكمة في ذلك.

خرج بعدهم المعتزلة في آخر حياة الحسن البصري، خرج رجل يقال له واصل بن عطاء، وادعى أن العاصي ليس بكافر ولا مسلم، بل في منزلة بينهما، واعتزل مجلس الحسن، وصار يقرر مذهبه في زاوية من المسجد، وصار الحسن إذا جاءه من يستشيره، أو رأى من أحد بدعة أشار إليهم، وقال: عند أولئك المعتزلة، أولئك المعتزلة، اعتزلنا واصل، فمن ثَم سموا معتزلة، فهذا سبب تسميتهم.

وانتشر مذهبهم إلى الآن، وطبعت لهم مؤلفات، وممن اعتنق مذهبهم القاضي عبد الجبار، صاحب الكتاب المشهور بالمغني، الذي هو من أشهر كتبهم، مطبوع في نحو أربعة عشر مجلدا، وله مؤلفات أخرى في تقرير مذهبهم.

قد ذكرنا أن مذهبهم يدور على خمسة أشياء: التوحيد الذي هو نفي الصفات، والعدل الذي هو نفي قدرة الله أو خلق الله لأفعال العباد، والمنزلة بين المنزلتين الذي هو أن العاصي ليس بمؤمن ولا كافر، وإنفاذ الوعيد الذي هو تخليد العصاة في النار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو الخروج على الأئمة، هذا مذهبهم الباطل.

وممن اعتنق مذهبهم من مشاهير اللغويين: الزمخشري صاحب التفسير المشهور بالكشاف، فإنه معتزلي، مبالغ في الاعتزال، مُضَمِّن كتابه لهذا النوع من الاعتزال.

خرجت بعدهم الجهمية، ولكن مذهبهم تفرق في هؤلاء، مذهبهم تعطيل الله تعالى من صفات الكمال، فإنهم نفوا الصفات كلها، بل بالغوا في نفيها، وجعلوها كلها مجازا، وهم الذين يحذر السلف -رحمهم الله- من الانخداع بهم.

ثم إن الجهم اجتمعت فيه ثلاث بدع عقدية: التعطيل وهو نفي الصفات، والإرجاء فهو رأس المرجئة، وهو أولهم، وهو الذي يقول: لا يضر مع الإيمان ذنب إذا كنت مؤمنا، فاعمل ما شئت من الذنوب، ويقول قائلهم: فكثر ما استطعت من الخطايا

إذا كـان القـدوم على كريم



فعندهم أن الرجاء حقِّقوه فلا يضركم إذا كنتم مؤمنين لو علمتم أكبر الذنوب، هذا المرجئة، وهو رئيسهم.

الفئة الثالثة: الجبر، وهو نوع من القدر، وهو أن الإنسان مجبور على الذنوب، وعلى المعاصي، وعلى الكفر، وليس له اختيار أبدا، وهم الذين يقول قائلهم: ألقاه في البحر مكتوفا وقال له

إيــاك إيـاك أن تبتـل بالمـاء



هؤلاء رؤوس المبتدعة، يعني الذين منهم هؤلاء الفرق الثلاثة: الجهمية، المعطلة، والمعتزلة، الذين جمعوا هذا المذهب، وكذلك المرجئة، والقدرية، والجبرية، ونحوهم.

أما الفرقتان المتأخرتان: الكرامية أتباع محمد بن كرام، عالم جليل، إلا أنه يبالغ في الإثبات، حتى يُتَّهم بنوع من التمثيل، ولكنه أقرب إلى الحق، وأقرب إلى الصواب، محمد بن كرام، إنما يعني انتقدوه لمبالغته في إثبات الصفات، يثبت أن الله جسم لا كالأجسام، وأنه، وأنه.

أما الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب فهم الذين يقرون بسبع صفات، وينكرون ما عداها، وهو الذي سلك طريقته أبو الحسن الأشعري في آخر أمره، أو في وسط أمره، وعليه الآن المذهب الشائع المنتشر الذي هو مذهب الأشاعرة، فالأشاعرة في الحقيقة على مذهب بن كلاب.

بقي طائفة لم يذكرها، يعني ذكر السالمة، والسالمة أيضا فرقة قليلة، أتباع ابن سالم، مذهبهم قريب من مذهب الكرامية أو أشد، وهو أنهم يقولون بالتشبيه، وأن الله له يد كأيدينا، ونحو ذلك.

فرقة موجودة بكثرة، ومع ذلك لم يذكرها، وهم الصوفية ، الصوفية لا شك أنهم كانوا في أول الأمر زهاد يلبسون الصوف، ولكن حدثت فيهم بدع، وأشدها بدعة القول بوحدة الوجود، وهو أن وجود الخالق عين وجود المخلوق، فكانت هذه البدعة، وهي التي ضلوا بها عن الطريق.

وعندهم بدع أخرى، ولكنها خفيفة، يعني بدعة بالنسبة إلى هذه، كبدعة الغناء، والسمع، والرقص، والتمايل، والنشيد الموحد مثلا، والذكر المقطوع كذكرهم بكلمة: هو هو، وما أشبه ذلك، وهم موجودون، والردود عليهم متوفرة، وبكل حال فهؤلاء رؤوس البدع، ورؤوس المبتدعة، يجتنبهم المسلم حتى يسلم على دينه وعرضه.