عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 22-02-2003, 06:42 AM
بصمة أمل بصمة أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2002
المشاركات: 56
إفتراضي

والشيء العجيب أن العزلة الأمريكية تطورت إلى المرحلة التي وصلت إلى أن جزءا كبيرا من الشعب الأمريكي نفسه أصبح معارضا للحرب ضد العراق فأصبحت الإدارة الأمريكية في عزلة شديدة .. وصار العالم كله تقريبا ضد هذه الحرب في مقابل مجموعة عصابة البيت الأبيض كما يحلو للشيخ أسامة تسميتهم بها .. مع التابع البريطاني الذي لحق به اسم الكلب ..

عموما قضية العراق إذا نظرت إليها وفق الصورة السابقة التي شرحتها لك في بداية المقال لعلمت أنها هدية إلهية للمجاهدين .. أعني أن الغطرسة الأمريكية والتكبر في الأرض برز بشدة في قضية العراق وصارت الدنيا كلها تقريبا متعجبة من هذا الإصرار الأمريكي الغريب على حرب العراق .. ومعظم شعوب العالم صارت تعتقد بوضوح شديد أن هذه حرب لا مبرر لها إطلاقا سوى غطرسة القوة والتجبر في الأرض .. والنفط ..

يضاف إلى ذلك مسألة مهمة وهي أن عصابة البيت الأبيض تنظر للحرب في العراق من منطلق حتمية انتصارهم وبلغ غرور القوة بهم إلى أن مثل رامسفيلد حدد موعدا لنهاية الحرب .. فهم واثقون تماما من انتصارهم ، واثقون إلى الحد الذي يجعلهم يتحدثون عن هذه الحرب وكأنها لعبة من ألعاب الكمبيوتر التي تقوم فيها بقتل الأعداء وهم يتفرجون عليك ..

تماما مثلما تصور فرعون أن انتصاره على موسى حتمي لا جدال فيه ..

في الجهة المقابلة لهذه الثقة الأمريكية المطلقة بالنصر يقف بقية العالم محذرا من أن هذه الحرب ستكون حربا كارثية وأنه لا يمكن التنبؤ إطلاقا بما يمكن أن تجره على العالم من آثار .. ولذا وقفت أوربا العاقلة ضد هذه الحرب بشدة .. الأوربيون أكثر عقلا وأكثر خبرة تاريخية في الشرق الأوسط من الأمريكيين ويعتقدون أن هذه الحرب مؤكد أنها ستخرج عن السيطرة .. وأن الشرق الأوسط عبارة عن خزان وقود مشحون بمشاعر الغضب والكراهية ضدهم وأن هذه الحرب ستكون مثل عود الثقاب الذي يفجر المنطقة برمتها ويتسبب في كارثة تحل بالعالم الغربي نفسه لأن نفط العالم كله تقريبا يتجمع في هذه المنطقة ..

ولذا فإن وجهة نظر الأوربيين أن يتم حسم المسألة العراقية بطريقة سلمية بدون حرب مع الحصول على المكاسب التي يفترض بالغرب أن يحصل عليها .. ولذا جاءت مبادرة ألمانيا وفرنسا في الإطار الذي يعطي الغرب الحق في التحكم بثرواتنا أيضا ..

بمعنى آخر أن الأوربيين لا يعارضون الحرب من أجل مبدأ أخلاقي بقدر ما يعارضونها لسببين :
الأول أن الأوربيين يخافون كثيرا من خروج الأمر عن السيطرة وهم يدركون جيدا أن الكاوبوي الأمريكي أحمق ولا يعرف كيف يدير الأمور جيدا .. ومقتنعين تماما أنه فاشل في التعامل مع قضايا المسلمين حتى أن يوشكا فيشر عير الأمريكيين بقوله كيف تريدونني أن أدعم حربا كهذه وأنتم لم تحسموا معركتكم مع بن لادن ؟ وخوفهم طبيعي ومبرر فحالة الاحتقان في المنطقة العربية تنذر بنذر شؤم بالنسبة لهم وانهيار النظام الذي قاموا ببنائه على مدى قرن مهدد بالانهيار لحظة اندلاع الحرب .. وأكثر ما يخيفهم ألا يتمكن الأمريكيون من حسم الحرب فورا ثم تبدأ أحجار الدومينو العربية ( الحكام العرب ) بالتساقط نتيجة ثورات شعبية مثلا أو نتيجة الفوضى التي يمكن أن تنتج عن اتساع نطاق الحرب خارج العراق واندلاع مواجهات غير محسوبة أو متوقعة بالنسبة لهم .. وأكثر ما يقلقهم بالطبع تحركات المجاهدين ..

السبب الثاني بالطبع : هو خوفهم من الاختناق الاقتصادي الذي يمكن أن يسببه لهم وقوع كل نفط الشرق الأوسط بيد الأمريكيين ولذا هم يصارعون بشدة ضد أي محاولة أمريكية للاستحواذ على كامل القصعة النفطية العراقية ومبادرة فرنسا وألمانيا دلت على ذلك ..

نتج عن هذا التناقض بين أوربا وأمريكا نتيجة خطيرة للغاية على مستقبلهم .. وهي أنه لأول مرة يحصل صراع بين اللصوص على اقتسام الغنيمة .. والمضحك جدا أنهم مختلفون الآن على اقتسام الغنيمة قبل سرقتها ..

والذي يلوح في الأفق بعد كل هذا التناقض بين أوربا وأمريكا أن أمريكا ماضية في حربها وأوربا ستقعد متفرجة .. وسيصلون إلى المرحلة التي تتمنى فيها أوربا أن تؤدب أمريكا حقا على يد أي قوة كانت .. وربما يتجاوز الأمر مسألة التمني إلى مسألة الفعل ومحاولة افساد السرقة على أمريكا وهذا ما أتمناه أنا ..

غير أن هناك مؤشرا حضاريا مهما للغاية يظهر بجلاء نتيجة صراع اللصوص .. وهذا المؤشر الحضاري عندما أتخيله أشعر بنشوة غير عادية .. وأدعو بسببه بظهر الغيب للشيخ أسامة بن لادن .. هذا المؤشر سأتحدث عنه لاحقا لكن قبل ذلك أريد الإشارة إلى أن معظم المحللين الغربيين من عسكريين وغيرهم ينظرون للحرب من منظور واحد ولا يهتمون إطلاقا بأمور أخرى وعدم اهتمامهم بها ليس لأنها ليست مهمة وإنما لأن غرور القوة التي يملكونها وهاجس الأمل والأمنيات يدفعهم إلى التفكير باتجاه أن النصر حليفهم تماما ولن يجدوا أي مقاومة ..

وأول تلك الأمور التي يغفلونها ولا يريدون النظر إليها أبدا مسألة .. ماذا سيحدث في أمريكا لو أن بن لادن ضرب ضربة ثانية داخل أمريكا ..
هل تصدقون من بيت عشرات بل مئات المقالات .. لم أجد أي شيء في الميديا الأمريكية يتحدث عن كيف ستواجه أمريكا الموقف لو حصلت ضربة لبن لادن داخل أمريكا ؟ والأمر الآخر الذي لا يريدون حتى مجرد التفكير فيه .. ماذا سيكون الموقف لو حصلت الضربة في خضم الحرب وبعد بدئها في العراق ؟؟؟

الأمريكيون لا يريدون التفكير أبدا في هذه المسألة ليس لأنها لن تحصل أو مستحيلة بل لأنها تشكل كابوسا نفسيا بالنسبة لهم ولذا هم يهربون منها ، يهربون حتى من مجرد الحديث عنها .. ولا يريدون أبدا التفكير فيها .. عقلهم الجمعي يريد أن يتناسى هذه النقطة ويمحوها تماما من ذاكرته ، فهم يتعاملون مع أنفسهم من باب التفاؤل وعدم التفكير في المخاطر التي يمكن أن تواجههم وأولها مخاطر القاعدة وما يمكن أن تتسبب به ضربتها الثانية ..

بالنسبة لنا كمسلمين فإن قضية ضربة القاعدة الثانية والثالثة والرابعة مسألة لا تحتاج إلى اقتناع لأنها أصلا قضية واقعية والكتائب التي أوكلت إليها مهمة ضرب أمريكا الضربة الثانية وكتائب الضربات المساندة للضربة الكبرى كلها قد اتخذت مواقعها ، ولم يبق عليها سوى التنفيذ ولم يبق على المسلمين سوى الدعاء ..

فهذا العامل يتعامل معه الغرب بطريقة غير مفهومة نفسيا ، فبلير مثلا يقول إن ضرب القاعدة لبريطانيا مسألة حتمية ، وهذا صحيح ، لكن بغض النظر عن مقصود بلير من مثل هذا التصريح فإن تصرفاته كلها تدل على أنه لا يدرك ما يقول وحجم الخطر عليهم .. وعلى حضارتهم كلها .. والأمريكيون يدركون جيدا أنهم سيضربون ضربة أخرى تفوق 11 سبتمبر ومع ذلك سادرون في غيهم ويوجهون حرابهم إلى جهة العراق .. مما يعطيك دلالة واضحة على أن الغرب فقد القدرة على التركيز والغرب فقد القدرة على التفكير المنطقي الذي يحمي حتى مصالحه فما يقومون به في العراق وما يمكن أن يحدث بسبب العراق وما يمكن أن تمثله القاعدة من خطر كلها أمور لم يعد لها تأثير على العقل الغربي للتفكير جيدا في المخاطر التي تواجه حياته ..
فالغرب فعلا فقد القدرة على التصرف بعقل وفقدان التركيز والتشتت حتى في معرفة مصالحهم وكل ذلك بسبب بركة ضرب الشيخ أسامة لهم في 11 سبتمبر ، ومهما كانت مبررات الحرب ضد العراق فإنه من الواضح تماما أن عقل الإدارة الأمريكية توقف عن التفكير في أي شيء منطقي سوى في أنهم يريدون ضرب العراق بأي سبب ولأي مبرر المهم أن عقل الكاوبوي تجمد عند قضية إزالة صدام ..

فقدان التركيز في الحفاظ على مصالحهم الحضارية التي تضمن لهم بقاء التفوق التام في المنطقة هو أول أثر من آثار المؤشر الذي وعدتكم بالحديث عنه لاحقا وأعني بـ ( لاحقا ) الآن ..
هذا المؤشر قصدت به مقياس الارتقاء والانحدار الحضاري .. لو تابعتم جلسات اجتماع حلف الناتو بحضور رامسفيلد وبقية الأوربيين ، ثم استمعتم للملاسنات التي حصلت ، ومن قبله الردح السياسي الذي وقع بين الأمريكيين وبين الأوربيين .. لاكتشفتم الكثير ..
قم بعمل زوم للصورة .. صغر الصورة ثم اربطها بما يجري وانظر لها نظرة شمولية .. وقل لي كيف تفسر فقدان الغرب للياقة الديبلوماسية والأدب السياسي حتى وصل بهم الحال إلى تلك الملاسنات وذلك الردح أمام كاميرات التلفزيون .. ثم وصل الحال إلى أن أصبح الحلف يجتمع لأول ثلث ساعة ثم ينفض المجلس بدون اتفاق عن أي شيء .. ! هلو ! مرحبا هل نحن أمام اجتماعات قمة عربية ؟ أو اجتماع وزراء الخارجية العرب ؟
فهذا السلوك نعرفه جيدا من الرؤساء ووزراء الخارجية العرب ! ولكن أن نشاهده أمامنا على الهواء مباشرة بين الذين يزعمون أنهم يتفوقون حضاريا علينا ! ولماذا ما المشكلة ؟ المشكلة خلاف حول اقتسام الغنيمة التي لم تقع في أيديهم بعد !
هذا كله يدفعني للتفكير في أن الشيخ أسامة لم يساهم فقط في إهانة وضرب أمريكا بل هو يساهم مساهمة فعلية مباشرة في الانحدار الحضاري بالنسبة للحضارة الغربية .. فنحن نراهم الآن يتصرفون بسلوك مشين وكأن أوربا تمثل سيدة عجوز أرستقراطية معتدة بنفسها تعتقد أنها صاحبة الحكمة ، بينما رامسفيلد وشلة البيت الأبيض يتصرفون كفتاة ليل سفيهة قذرة اللسان ( بيتش ) وفق المصطلح الأمريكي ، ثم تلتقي هاتان المرأتان في ملاسنة شوارعية وتخرج السيدة الأرستقراطية عن طورها وتتصرف الأمريكية وفق طبيعتها ثم تبدأ معركة شد الشعور أمام العالم الذي يتفرج باستمتاع .. وأنا واحد منهم طبعا ..


تابع
__________________
<CENTER> ---------------------------------