عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 16-09-2006, 11:01 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

ولعل أبراز السمات التي اتسم بها أدبه هي صوفيته التي ما تناول ناقد روايته إلا أشار إليها ، وأرى إصراراً عند بعض النقّاد السودانيين أنّ سبب هذه الصوفية عائد إلى نشأة الطيب صالح في القرية ومهما قيل في أسبابها ، فإنّها بارزة في الرواية توحي بأجواء شرقية فيها السحر والخيال والصوفية . هذه أتاحت للروائي القدرة العجيبة في نزع الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال .. الحلم والواقع ، والشخصيات منسوجة بشكل لا حدود له ، وممزوجة بعوالم واسعة ومواقف متعددة .. وتتداخل جميعها بين الواقع والحلم والصوفية المكثفة .
ويخالطك شكل في أن المرافعة والمحكمة حدثت فعلاً ويبدو أنها من خيال البطل ، وهي جزء من الـ flah lsack )) في تركيبة الرواية عند الطيب صالح .
ويعتمد الروائي في عرض الأحداث (( طريقتي السينما .. المألوفتين : عرض أحداث مختلفة في أمكنة مختلفة وزمان واحد ، وطريقة الرجوع بالأحداث في لقطات متسلسلة ، وهو جريء في قطع المشهد ، والانتقال إلى مشهد آخر ، بالتمهيد حيناً ودون تمهيد حيناً آخر ))
والطيب صالح لا يحفل بالترتيب الزمني ، إذ يدمج الحاضر بالماضي ويجمع الأزمنة الثلاثة في لحظة واحدة تحت تأثير تكنيك خاص إعتمده في الرواية ، وهو التذكر وتداعي الأفكار .. ولا يعطينا الروائي كل شيء بل يترك فسحة للمتلقي ليسهم في الرواية بإضافة أفكاره من خلال التخيّل ، وتأثير الفكرة وإلحاحها عليه ، وعلى هذا الأساس اعتمد تكتكياً خاصاً يتكيء فيه على ومضات ساطعة مرة أو خافتة مرة أخرى ، وقد تكون الومضة كشهاب يطول احتراقه ، أو لمعه بارقة ، وتتكرر الومضات من جديد في الرواية باستخدام (( تيار الوعي )) ولكن بلمعان جديد أو إضافات أخر تأخذ أبعاداً جديدة .. (( لغز الموت هذا هو الذي يلقى بطله على جو الرواية فتصبح مع المؤلف كأننا نسير في سرداب مظلم يضيء مصباحه اليدوي في أيّ مكان شاء ، فنرى قطعة من الاحداث ثّم يعاودنا الظلام والضياع ..))
والراوي هو الذي يروي الرواية مرة ، ومرة مصطفى سعيد ، مع عدم إلتزام التسلسل الزمني والمكاني في سرد الحوادث ونمو الشخصيات ، وتتداخل المواقف تحت تأثير التذكر وتداعي الأفكار بمزج الخرافة بالحقيقة والواقع بالأسطورة .
ومهما قيل في أنّ تكنيك الرواية تجريبي ، وأنه لا يعتمد أسلوب الأداء التقليدي الذي يعتمد على نمو الحدث والشخصية بطريقة تطودية ، وتتماسك تماسكاً عضوياً ، وأنه يعتمد في بعض فصول الرواية على (( تيار الوعي )) . فهي رواية تعتمد على التداعي واجترار الذكريات مع إتكاد الروائي على المنولوج الداخلي ليضفي على الرواية مزيداًمن الغموض والجمال .
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس