عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 15-07-2003, 11:01 AM
kimkam kimkam غير متصل
فنان مبتديء
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,476
إفتراضي

تدخين المعلمات والطالبات

سعد عطية الغامدي*


نشـرت صحيفة الاقتصادية بيانات عن نسب للمدخنات من السعوديات في قطاعات مختلفة من التعليم حيث ذكرت أن النسبة هي (50%) بين المعلمات و(35%) بين طالبات الثانوية و(27%) بين طالبات المرحلة المتوسطة، وهي نسبة عالية جداً حتى وفقاً للمقاييس العالمية في أعداد المدخنين والمدخنات.
ويـزول العجب في ارتفاع النسبة بين الطالبات المدخنات ذلك أن القدوة والأسوة والتأثير السلبي أو الإيجابي يفعل فعله في النفوس ويؤتي ثمرته في السلوك، فإذا تبين أن (50%) من المعلمات مدخنات فلابد أن ينتقل ذلك الفعل إلى الطالبات إما رغبة في التقليد من الطالبات، أو رغبة في التوريط من المعلمات، إذ إن الذي يقع في سلوك خاطئ يود لو يتبعه أكبر عدد ممكن من الناس حتى لا يكون هو وحده موضع النقد والتأنيب والهجوم.
أمـا أن النسبة مرتفعة فإنني أتذكر قبل عقدين من الزمان حيث كانـت ظاهرة التدخين بين طالبات الجامعة بالرياض تثار بين حين وآخر وتصل بعض الحالات إلى لجان التأديب وكانت الفكرة في حد ذاتها غير مقبولة من كثير من قطاعات الجامعة وكثير من أسر الطالبات إلى الدرجة التي بات كثير من الطالبات يخشين من ردة فعل أسرهن إذا ما علموا أن هنالك تدخينـاً في المكان الذي يتلقين تعليمهن فيه، ولكنها كانت حالات شبه معزولة لا تشكل ظاهرة ولا ترقى إلى مستوى النسب الإحصائية.
أمـا أن الظاهرة خطيرة ومخيفة مهما كانت النسبة -على أنها تبدو مرتفعة جداً- فلأن مضار التدخين ومخاطره لم تعد خافية أو مجهولة بخلاف ما كان عليه الحال قبل العقدين وفي الفترة المذكورة، حيث إن القضايا في المحاكم والالتزامات الكبرى لشركات إنتاج السجائر، والأبحاث والتحذيرات التي بدأت تظهر بشكل مستفيض، كل تلك تدعو الإنسان إلى التساؤل عن السر الذي يدفع بكثير من طبقة يتوقع فيها قدر من المحافظة أو التردد في اتباع هذا السلوك الذي يفترض أن يكون الجانب النسائي أكثر تردداً وحرصـاً على عدم الوقوع فيه أمام مغرياته وتأثيراته متى ما عرفت أخطاره وأضراره.
لا شـك أن المساحات التي فتحت على حياتنا الاجتماعية كانت واسعة ومتتابعة وملونة بحيث أصابت الكثيرين والكثيرات بزوغان نظر وشلل ذهـن وتداخل في الحكم على الألوان، وأصبح الواحد أو الواحدة يقبـل ما يقبل دون أن يعطي نفسه فرصة تفكير أو مساحة من معرفة العواقب والنتائج تجعل من تقييم السلوك وآثاره ونتائجه شأناً يومياً أمام نوافذ الإنترنت وقنوات الفضاء وضغوط الحياة التي تقلل كثيراً من فرص التفكير والتحليل والمقارنة.
لـو لم تكن النسب تمس عاملات في حقل التربية والتعليم لهان الأمـر ولكان مما ينظر إليه على أنه مشكلة اجتماعية تستحق أن يقف الناس عندها طويلاً باحثين عن أسباب التغلب عليها والخروج منها، أما أن تطال وبهذه النسب العالية قطاعاً من أهم قطاعات المجتمع لما يتوقع منهن من إسهام في بناء إيجابي للمجتمع وتأثير فاعل في نفوس بناته على النحو الذي يحقق بعداً اجتماعياً قوياً، فالمعلمة التي تمارس هذه العادة التي يحاط بها الكثير من الظلال الدينية والاجتماعية والاقتصادية والصحية دون التنبه إلى هذه الأمور ودون اكتراث ينم عن حس قريب وإحساس متجاوب إنما تشكل مرضاً خطيراً يحتاج إلى التعرف إلى كيف أصيب به هؤلاء القائمات على أمر التوجيه والتعليم والإرشاد.
والدراسة المشار إليها في الموضوع المنشور لم تشر إلى أية بيانات تفصيلية لمكونات الأرقام الرئيسة مما يساعد على فهم آثار القيم الاجتماعية التي تتعزز أصلاً بمدى التدين إذ كان من المناسب الإشارة إلى مناطق من المملكة في الشمال والجنوب يفترض فيها نسبة أدنى بكثير وذلك للمحافظة الدينية والتماسك الاجتماعي الذي يسهم في ضبط كثير من أوجه السلوك وأنواع الفعل.
الهيئـات المختلفة التي تمثل أفراداً ومؤسسات في إقامة الدعاوى على شركات السجائر تمثل واحداً من مصادر الثقافة الصحية في شأن التدخين وكان يجب الإطلاع على حيثيات الأحكام وعلى الحالات التي أودى بها التدخين فحصلت على تعويضات أو حصل أقاربها على شيء من ذلك بما يعزز من قناعة الساعين إلى إقامة منتديات تثقيفية ووقائية تسهم في منع هذه الشركات من اصطياد عناصر جديدة كالحالة التي نعيشها من خلال ما أورده التقرير عن المعلمات.
هـذا الجانب - النسوي - في الموضوع يحتاج من أجل أن تكتمل الصورة إلى ملصقين آخرين أحدهما إقبال القاصرين على التدخين ممن هم دون الثامنة عشرة في ظل غياب ضوابط صارمة في التعامل مع هذه السلعة القاتلة، والآخر ارتفاع نسبة النيكوتين في السجائر التي تصدر إلى المنطقة هنا من أجل حصول إدمان أسرع وأقوى يجبر الإنسان على الولوج في هذا السلوك والاستمرار فيه وإن حاول الخروج فإنه يجد صعوبة بالغة في ذلك.
هـذه الظاهرة تستحق الوقوف عندها ودراستها على نحو يحدد بداياتها وأسباب انتشارها والسيطرة عليها، فإنها بحد ذاتها مؤشر على حجم التحولات الكبرى في القيم والسلوك والتماسك الاجتماعي، من قبل أن يأتي يوم يصبح التدخين بين المعلمات والموجهات والمشرفات وطالباتهن أمراً مقبولاً ويشكل الحد الأدنى من المشكلات التي تلتهم المجتمع وقد يكون متأخراً جداً حينئذ مجرد الحديث عن ظاهرة قاتلة.


* كاتب سعودي
________________________

جريدة الوطن , يوم الاثنين ,14/5/1424 الموافق 14/7/2003

http://www.alwatan.com.sa/daily/2003.../writers10.htm
__________________

kimkam