عرض مشاركة مفردة
  #54  
قديم 19-04-2006, 02:19 PM
عبد الرحمن السحيم عبد الرحمن السحيم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 73
إفتراضي سوف أقتصِر على الجواب لِطُول السؤال - وفّقك الله -

..

الجواب :

بارك الله فيك

هذه المسألة اخْتَلَف فيها علماء التفسير .. والذي رجّحه غير واحد هو عُموم الآية ، ونَصَر ابن كثير هذا القول ، وأنها لم تَكُن في آدم وزوجِه عليهما السلام ، بل هي في بني آدم .
وهذا التفسير هو تفسير الحسن البصري ، حيث قال : كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم .
وقال أيضا : عَنَى بهذا ذرية آدم مَن أشْرَك مِنهم بَعْدَه .
وكان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى رَزَقَهم الله أولادا فَهَوَّدُوا ونَصَّرُوا .
قال ابن كثير : وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فَسَّر الآية بذلك ، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حُمِلَتْ عليه الآية . اهـ .


فيَكون توجيه الآية على هذا : أن هذا مما ابْتُدىء به الكلام على وجه الخطاب ثم رُدّ إلى الخبر عن الغائب ، كما قيل (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) .
كما في تفسير ابن جرير .

وما نقلتيه آنِفا هو من تفسير ابن كثير ..
حيث أوْرَد ابن كثير الحديث المرفوع الذي رواه الإمام أحمد وغيره ، ثم قال ابن كثير :
هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري ، وقد وثّقه ابن معين ، ولكن قال أبو حاتم الرازي : لا يُحْتَجّ به . ولكن رواه بن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سَمُرَة مرفوعا . فالله أعلم
الثاني : أنه قد رُوي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعا .
الثالث : أن الحسن نفسه فَسَّر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سَمُرَة مرفوعا لما عَدَلَ عنه ...
فهذا يَدُلّك على أنه موقوف على الصحابي ، ويُحْتَمل أنه تَلَقَّاه مِن بعض أهل الكتاب مَن آمن منهم مثل : كعب ، أو وهب بن مُنَبِّه وغيرهما ... إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع . والله أعلم .
ثم ذَكَر ابن كثير الآثار الواردة في تفسير الآية ، ثم قال :
وهذه الآثار يظهر عليها - والله أعلم - أنها من آثار أهل الكتاب ، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا حَدَّثَكُم أهل الكتاب فلا تُصَدِّقُوهم ولا تُكَذِّبُوهم .

قال : وأما نحن فَعَلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك المشْرِكُون مِن ذُريته ، ولهذا قال الله : (فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) .

أقول : وهذا هو اللائق بِحال أبي البشر آدم عليه الصلاة والسلام .
ولأن الشِّرْك لم يَكن في زمن آدم عليه الصلاة والسلام ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فَبَعَثَ الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وذهب بعض المفسِّرين إلى أن الشِّرك وقع في الاسم وليس بالفِعْل .

والسؤال الذي أوْرَدتيه أورده بعض المفسِّرين في قصة الأكل من الشَّجَرة ، وهو : كيف اغْتَرّ آدم بإبليس ، مع أن الله أخبره أنه عدوّ له ؟

وجوابه :

أن آدم عليه الصلاة والسلام لم يَقْبَل قول إبليس ابتداء إلا بعد أن حَلَف له وأكّد ذلك ، فلما حَلَف له إبليس صَدَّقَه ، لأنه ظن أنه لا يَحْلِف أحدٌ كَذِبا . ذَكَره ابن جُزيّ في تفسيره .
فإبليس قد حَلَف بالله كاذبا ، (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) .

وهذا مثل ما جاء عن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، مِن أنه رأى رجلا يَسْرِق ، فقال له عيسى : سَرَقْتَ . قال : كلا والذي لا إله إلا هو . فقال عيسى : آمَنْتُ بالله ، وكَذّبْتُ نفسي . كما في الصحيحين .

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان : إنما كان الله سبحانه وتعالى في قَلْبِ المسيح عليه السلام أجَلّ وأعظم من أن يَحْلِف به أحَدٌ كاذبا فلما حَلَفَ له السّاِرق دار الأمر بين تُهمتِه وتُهمة بَصَرِه ، فَرَدّ التّهمة إلى بَصَرِه لما اجتهد له في اليمين ، كما ظن آدم عليه السلام صدق إبليس لما حَلَفَ له بالله عز وجل ، وقال : ما ظننت أحدًا يَحْلِف بالله تعالى كاذبا . اهـ .

والله تعالى أعلم .
__________________
الرد مع إقتباس