عرض مشاركة مفردة
  #46  
قديم 13-11-2005, 04:32 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المنظومة الأخلاقية العربية

(6)


مفهوم المصلحة جعل القاعدة الخلقية نصوصا غير فاعلة

المصلحة والصالح هما مصطلحان غير ثابتين المعالم ، يدلان على المنفعة التي تعود للمعني بهما سواء كان فرد أو فئة أو شعب أو قطر أو أمة ..

وتتمدد حدود المصلحة مع تمدد حدود المعرفة حول مصالح الآخرين ، فعندما كانت وسائط النقل و الإعلام محدودة ، كانت حدود المصلحة ترتبط بالبقعة التي يعيش بها الفرد ، مطلعا على قائمة حاجات من يعيش قربه ، فيتكيف بحدود مصلحته مع تلك المعرفة عن مصالح الآخرين ..

وعندما أصبح العالم الواسع وكأنه بقعة صغيرة معروفة الحدود ، فقد تعرف الفرد كما تعرفت الشعوب على مصالح الأفراد والشعوب ومن ثم الدول كمعبر عن مصالح تلك الشعوب ..

وبرز مصطلح المصلحة العامة كتعبير عن حاجة المجموع العام من الأفراد ، و أخذ من يدعي بتمثيل تلك المصلحة العامة ، وهم كثر سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة ، يستخدمون عناصر المصطلح نفسه ، كمسطرة لقياس سلوك الآخرين .. أو يبررون سلوكهم و يربطون حكمته الخفية بالمصلحة العامة .

وعندما يود من يريد الهجوم على فرد أو فئة ، فانه يبرز سلوكها العام وكأنه يخدم مصلحة خاصة ضيقة تعود للفرد أو الفئة .. وهو عندما يسوق وقائع هجومه ، يريد أن يوصل برسالته أن هذا الفرد أو الفئة ، ترجح مصالحها الخاصة على المصلحة العامة . وان هذا الخطاب له دافع تعبوي يراد منه في النهاية تصفية أو إضعاف من يقصد بهذا الخطاب .

لا يخلو أي عمل عام يراد من عنوانه العريض خدمة المصلحة العامة ، لا يخلو من دوافع تصب بالمصلحة الخاصة ، ويبقى هذا مشروعا أخلاقيا اذا ما كان الدافع الخاص أقصر أو أصغر من الدافع العام . فالخدمة المتفانية للوطن بحرص ، قد تقود لترقية من يقوم بها الى منصب أفضل ( وهي مصلحة خاصة) فلا بأس .. وكذلك لا تخلو طاعة الله في الالتزام بأوامره و تطبيقها من مصلحة خاصة ، وهي المكافئة بالتوفيق بالدنيا و دخول الجنة في الآخرة ..

لكن عندما تتطاول المصلحة الخاصة لتعلو فوق المصلحة العامة فان المسميات هنا ستختلف ، فيصبح الفساد والانحراف هما الاسمين اللازمين لمثل تلك الحالة. وعندها تشيع مبررات التقليد و الإقتداء بالسلوك لتعم المجتمع بشكل عام .

اذا سادت أجواء الفساد والانحراف في المجتمع ، لا يعود التذكير بعناصر القاعدة الخلقية له أي أهمية تذكر ، ويصبح التمرد عليه سهلا .. وهو يكون شبيه بتشجيع فريق كرة قدم غير مدرب ، وأفراده تم انتقاءهم بطريقة المحاباة وليس لكفاءتهم ، وانه مهما وقف الجمهور ورائهم مصفقا و مشجعا ، فان طاقاتهم ( اللياقة ) ستكون محدودة ، وانهم سيخسرون مباراتهم .. ولن يشجعهم الجمهور بعد الخسارة !

تبرز هنا مصلحة البلاد ، واستخدام المخزون لعناصر القاعدة الخلقية العربية في صياغة خطاب التعامل عالميا . اننا عندما نخاطب الأمريكي أو الأسترالي أو كوفي عنان عن عدم أحقية الصهاينة في فلسطين ، منطلقين بخطابنا من حقائق تاريخية ، فان ذلك لن يترك لديهم أي أثر . فكل هؤلاء لا يقيمون للأصل الجغرافي أي وزن ، لأنهم كلهم مهاجرين !

ان المصلحة العامة والعليا عند شعوب الأرض ، لها مساطرها المختلفة عن مسطرتنا ، انها مصالح مرتبطة بالقوة ، لا بالمنطق و حقائق التاريخ .. وقد أدرك أجدادنا تلك المسألة التي عزز مفهومها كتاب الله عز وجل ( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..) .. من هنا عندما تخلف ملك الروم عن دفع ما أملته عليه قوة الدولة زمن الرشيد خاطبه قائلا : ( من هرون الرشيد الى كلب الروم) ان الذراع القوي يصون المصلحة التي تكون بيئة صالحة لضمان استمرارية نمو القيم الأخلاقية و تطورها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس