عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 16-06-2006, 10:09 AM
B.KARIMA B.KARIMA غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: أرض الله واسعة
المشاركات: 327
إفتراضي

يأتي هذا الكلام في وقت تتصاعد فيه الهجمة على المسلمين في فلسطين والعراق, وتدمر مدن وقرى وبلدات بأكملها في غزة ونابلس وطولكرم وجنين وغيرها, وتهدم مئات البيوت على رؤوس ساكنيها في رفح, وتمطر الفلوجة بالقنابل, ويقتل العشرات في النجف والكوفة (في يوم السبت الذي شهد آخر لقاء مع العبيكان أمطرت قوات الاحتلال الأميركي الفلوجة بقصف همجي خلف عددا من القتلى والجرحى, وفي يوم الخميس الذي تلاه تجدد القصف وقتل 16 من المواطنين, وجرح آخرون). لا شك أن هذا الخطاب المتخاذل يسهم في تقوية شوكة العدو, وتشجيعه على المضي في بغيه وإرهابه, كما أنه يثبط همم المقاومين, ويفت في عضدهم. ولعل العبيكان لم يقرأ قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : " ما من امريء يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه, وينتهك فيه من حرمته, إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته".

يحذر العبيكان من مقاومة الاحتلال زاعما أن الواجب في الحالة العراقية هو السعي إلى "الاستقرار". والاستقرار يتطلب "الهدوء" كما قال, ومن ثم التسليم بالواقع الذي يريد الأميركيون فرضه على الشعب العراقي. ويجتهد العبيكان في تسويق فكرته بالحديث عن عدالة المحتل وإنسانيته وسعيه لتثبيت الأمن, وتعيينه حكومة عراقية, مشيرا إلى وجود خطة أميركية لإجراء انتخابات سياسية حرة. ولا أدري هل هذا الكلام (فتوى) دينية أم مجرد رأي سياسي يمكن أن أحكم عليه هنا بأنه قاصر ومتهافت وصادر عن ضيق أفق وضحالة في المعلومات؟ الحقيقة أن الاحتلال الأميركي لن يجد أفضل من هذا (الإعلان) لترميم صورته الذهنية المدمرة لدى كل عربي أصيل ومسلم حقيقي, بل لدى كل شريف حر في هذا الكون. وللمرء أن يتساءل: ما الفرق بين احتلال بغداد واحتلال الرياض أو القاهرة أو دمشق؟ وهل سيفتي العبيكان وقتها بأن العملاء الذين سينصبونهم في هذه العواصم شرعيون, و طاعتهم واجبة, واستئذانهم في مقاومة المحتل حق من حقوق الإمام على رعيته؟ هل سيردد مزاعمه أن شرعيتهم مستمدة من (تغلبهم) بالقوة, وانتزاعهم الحكم بالسيف, ومن صحة تولية الكافر المستصعب لهم؟ وماذا لو احتل العدو أرض المسلمين كلها الواحدة تلو الأخرى بهذه الطريقة, ونصب دمى له هنا وهناك؟

يقارن العبيكان بين ولاية يوسف(عليه السلام) وولاية الحاكم العراقي, ولا يستويان. لقد رشح يوسف نفسه لوزارة المال, وقبل ملك مصر هذا الترشيح, فولاه الأمر بعد أن عرف من كفاءته وصدقه ما يؤهله لهذا المنصب. لقد علم يوسف أنه سيصلح في الأرض, ويحسن سياسة جمع الغلات وتوزيعها, وينشر الدين الصحيح من خلال وزارته, وهو ما حدث فعلا, وأسلم الملك, الريان بن الوليد, على يدي يوسف. كيف يقارن صنيع بوش بصنيع ملك مصر؟ هل قام هذا الملك بغزو بلاد كنعان (التي فيها يعقوب وأولاده) فقتل العباد, وأظهر الفساد, ثم نصب يوسف حاكما بأمره, يفرض على الناس قيمه ورؤاه, ويمنع أن يتضمن دستور كنعان الجديد أي إشارة إلى وجوب تحكيم دينها وأخلاقها؟

يحذر العبيكان خلال لقاءاته المتكررة في (mbc) من المقاومة, بل يجرمها, وكأنها الإثم الأعظم الذي جر الويلات على المسلمين. ربما كان ابن حزم الأندلسي يرد على هذا الكلام حين قال: "لا إثم بعد الكفر أعظم من نهي عن جهاد الكفار, وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم" (المحلى : 7). وأقوال العلماء في تعين الجهاد إذا غزا العدو أرض المسلمين أشهر من أن تذكر. ينقل القرطبي عن ابن عطية قوله إن "الذي استقر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية, فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين, إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين" (تفسير القرطبي :3). ويقول ابن حزم: "إن نزل العدو بأرض المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصد مغيثا لهم" (المحلى : 7). كما ينقل إجماع العلماء على أن " دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين" (مراتب الإجماع). ويتحدث ابن تيمية عن قتال الدفع, فيصفه بأنه " واجب إجماعا, فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء أوجب بعد الإيمان من دفعه, فلا يشترط له شرط, بل يدفع بحسب الإمكان, وقد نص على ذلك العلماء, أصحابنا وغيرهم" (الفتاوى المصرية : 4). ويفصل ابن قيم الجوزية الحديث عن جهاد الدفع, فيذكر أنه " أوسع من قتال الطلب, وأعم وجوبا, ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه, فالعبد بإذن سيده وبدون إذنه, والولد بدون إذن أبويه, والغريم بدون إذن غريمه.." (الفروسية). ويقول الماوردي: " فرض الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين" (الإقناع).

هكذا يتضح أنه لا دليل شرعيا ولا عقليا يسند دعوى الشيخ العبيكان باستئذان الإمام في قتال الدفع, سيما إذا كان هذا الإمام تابعا للغزاة المعتدين, وقد صنعوه على أعينهم, وخدم استخباراتهم, وكان عميلا مخلصا لهم عبر السنين( اعترف رئيس الوزراء العراقي بعيد تعيينه أنه تقلب بين استخبارات دول أجنبية كثيرة). أي إمام يتحدث العبيكان عن استئذانه في قتال اضطرار لا يستأذن فيه خليفة يحكم بشرع الله, ويقيم علم الجهاد؟ هل يعتبر العبيكان إياد علاوي والمجموعة المنضوية تحت لوائه أئمة يهدون إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟ ينتقد عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب هذا النهج الاستسلامي التخاذلي قائلا: " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟ هذا من الفرية في الدين, والعدول عن سبيل المؤمنين, والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر, من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه", ويضيف: " كل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله, وأدى ما فرضه الله, ولا يكون الإمام إلا بالجهاد, لا أنه لا يكون الجهاد إلا بالإمام" (الدرر السنية).

يقول العبيكان إن المسلمين ضعفاء, ولا يصلح الجهاد ونحن ضعفاء, وهذا تبرير باطل, فلا مجال للانبطاح أمام العدو الغازي الذي يحرق الأخضر واليابس, ويبيد الزرع والضرع, بدعوى ضعف العدة, أو قلة العدد. إن جهاد الدفع أصلا جهاد اضطرار لا اختيار, فلا يشترط له شرط, بل يدفع بحسب الإمكان كما ذكر ابن تيمية الذي يقول أيضا: " فأما إن هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه, فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا". ويؤكد ابن القيم أنه لا يشترط في جهاد الدفع أن لا يتجاوز عدد الأعداء ضعفي المسلمين قائلا: " لا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون, فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين, فكان الجهاد واجبا عليهم لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع, لا جهاد اختيار... وجهاد الدفع يقصده كل أحد, ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعا وعقلا" (الفروسية).