عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 08-01-2004, 12:22 AM
ساري111 ساري111 غير متصل
S.A.R.Y 111
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2003
الإقامة: sary111
المشاركات: 491
إفتراضي

(10)
ثانياً : هو أيضاً صعبٌ من حيث طبيعة الموضوع، فهو موضوع متشابكٌ ومعقَّدٌ إلى حدٍّ بعيدٍ ، إذ أنَّ الحديث مثلاً عن موت شخص أمرٌ سهلٌ، لكنَّ الحديث عن تراجع كيانٍ بأكمله وهو كيانٌ ضخمٌ هائلٌ ليس بالأمر اليسير !
ليس سقوط الحضارة أو الدولة كسقوط فردٍ مثلاً أو تغير حكومة يتمُّ من خلال يومٍ أو شهرٍ أو سنة ! السقوط عمليةٌ بطيئةٌ ، وأسباب القوَّةِ الموجودةِ في القوى الغربية لا تزول كلُّها دفعةً واحدة ، منها ما يظلُّ يقاوم عواملَ الضعف ويصمدُ لفترةٍ طويلة ، وقد يتوقَّف الهبوط أحياناً و قد يحدث ارتفاعٌ طفيفٌ، فهم أشبه ما يكونون بإنسانٍ ينزل من جبلٍ بقوَّةٍ ، وأحياناً يتوقَّفُ ، وأحياناً يستطيع أن يصعدَ خطواتٍ إلى أعلى، لكنَّ المؤشِّرَ النهائيَّ يدلُّ على سقوطٍ وتراجعٍ مستمر .
و لذلك فإنَّ فرداً عادياً قد يصعب عليه متابعةَ ذلك بشكلٍ جيِّد ، وأن يربطَ الأحداثَ بعضها ببعض ، ويفهم منه تلك التي لا تمسُّ الموضوع بشكلٍ مباشر .
الكثيرون لا يهتمون إلا بالأحداث التي تعنيهم بصفةٍ شخصيَّة ، فهو يعنيه مثلاً ارتفاع الراتب أو العملة وانخفاضها ، ومشكلاتٌ تتعلَّق بحياته اليوميَّة ، أمَّا القضايا العامَّة فلا تعنيه أبداً إلا بقدر ما تمسُّ مصالحه الذاتية، ولهذا الكثيرون لا يفهمون هذا الموضوع أو لا يتعاطفون معه أو لا يدركونه أو لا يشعرون بالحاجة إلى طَرْقِه .
أضرب لك مثالاً ، حرب الخليج مثلاً أنت مِمِّن عاشها وتابعَهَا أولاً بأوَّل ، لحظةً بلحظة، بتفاصيلها ومخاوفها ومفاجآتها وأخبارها ، وربَّما كنتَ باستمرارٍ تُصغي إلى المذياع بقلقٍ وانفعالٍ ، فهذا الوضع جعلك تتصوَّرُ تلك الحربَ وحجمَها بشكلٍ واضحٍ وقوَيٍّ، لكن لا يُقارن ما عشته أنت بما يمكن أن يكونَ لدى شخصٍ آَخَرٍ مَرَّ عليه هذا الأمرُ كحَدَثٍ تاريخيٍّ مهمٍّ أو غير مهمٍّ لا يعنيه إلى حدٍّ بعيد .
فأولادُك الصِّغار مثلاً لن يحتفظوا بهذه الحرب وتاريخِها وآثارِها كما تتصورُ وتدركُ أنت .
مثالٌ آخرٌ ، أحياناً حين نتكلَّمُ نحن عن بعض الأوضاع نقول : أحداثٌ لم يشهد لها التاريخُ مثيلاً ، حينما نتحدَّثُ عن الصومال مثلاً أو البوسنة أو أيِّ وضعٍ آخر ، نقول هذه أشياءُ لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، نعم هي أحداثٌ بشعةٌ ومفجعةٌ ومروعةٌ ومدمرةٌ وفوق ما يطيقه البشر أو يتحملونه، ولكنَّه مع ذلك لا يمكن أن نجزمَ بأنَّه لم يشهد لها التاريخُ مثيلاً ، لكنَّنا نجزم بأنَّنا نحن لم نَرَ لها مثيلاً ، ولم نعش أحداثاً بحجم هذه الأحداث في ترويعها وقسوتها وشدَّتِها وشراستِها ، أما التاريخ فربَّما شهد أفظع بكثيرٍ منها سواءً فيما يتعلَّق بأحداثٍ وقعت على المسلمين أو على غيرهم من الأممِ والشعوب .
لكن بشكل عامّ، فالأحداثُ التي يعيشها الإنسانُ يراها بعينه ويسمعها بأذنه، يتأثَّرُ بها وينفعلُ لها أكثر من غيرها ويتجاوب معها أكثر وأكثر .
المهمُّ أنَّ الموضوعَ واسعٌ جداً ومتداخل، وكما وعدت أنَّه سوف يتمُّ إن شاء الله تقديمَ أجزاءٍ منه في مناسباتٍ قادمة ، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بالتفاصيل الإخبارية والأحداث والتقارير العلمية .
جانبٌ ثالثٌ من صعوبة الموضوع أيضاً، هو أنَّهُ عبارةٌ عن مثالٍ واحدٍ لسُنَنٍ إلهيَّةٍ حقَّتْ على الكافرين وعلى الأمم كلِّها من قبل ، و قد سبق أن عَرَضْتُ أجزاءَ من هذه السنن في محاضرة ( مَطَارقُ السُّننِ الإلهيَّة ) .
فكيف يمكن الجمع بين هذا الأمر وبين التَّحليل العلمي الذي أحياناً يكون فوق مستوى الإنسان أو فوق فهمِه وإدراكه ، وكيف الجمع بين جانبٍ ثالثٍ وهو ضرورة التبسيطِ المناسب والملائم لواقع حال جمهورِ المسلمين الذين يجتاجون إلى هذا الموضوع .
على كل حال إنَّ الأمر الذي يمكن تبسيطه و تلخيصه هو أنَّ مسألةَ تقهقرِ الغرب هي الهمُّ السائد لدى غالبية الناس ، و الشعور بذلك شعور مشترك كامنٌ في أعماق الإنسانِ الغربيِّ والشرقيِّ على حدٍّ سواء ، بل هو ظاهر يتكلم عنه الجميع .
المهمَّةُ الإسلاميَّة
هل مهمتنا إذن أن نضعَ أيدينا على خدودنا وننتظرُ سقوط أمريكا أو سقوط العالم الغربيِّ ؟
هب أنَّ أمريكا سقطَت أو أنَّ العالم سقط ، ماذا يكون لنا بعد ذلك ؟
أننتقل إلى سيِّدٍ آخرٍ ، لنستفيد من أوروبا أو من اليابان أو من غيرها ، و نسلِّم لها أنفسنا وقلوبنا وعقولنا واقتصادنا ودولنا وسياستنا وأممنا ؟
كلا ! إنَّه ليس مشروعاً أن يقفَ النَّاس في الانتظار ، فإنَّ المطلوبَ من كلِّ إنسانٍ و من الأمَّة بشكلٍ عامٍّ أن تعتبر هذا أمراً مستقبليَّاً و أن تسعى إلى أن تخطِّطَ لحاضرها ومستقبلها .
و لا يمكن أن نرضى بأن يخرجَ المسلمون من بين فكَّي حيوانٍ مفترِسٍ ليقعوا في فكَّي مفترسٍ آخر ، وقد تسقط أمريكا أو يسقط الغرب ومع ذلك تظلُّ قيمهم وأخلاقياتهم وتظلُّ جميعُ بضائعهم العلمية والفكرية والعقلية والأخلاقية ، سائدةً بين المسلمين بسبب غياب الدعوة والفراغ من الدين والخلوِّ من العقيدة الصحيحة والفقر من التوحيد، وعدم وجود أخلاقياتٍ في بلاد المسلمين .
إذن فالحلُّ الذي ينتظر المسلمين يمكن تلخيصَه في كلمة واحدة فقط هي : الجهاد !
__________________

تـوقن أم لا تـوقن .. لايعـنيني
مـن يـدريـنـي
أن لـسانـك يـلهـج باسم الله
وقـلـبـك يــرقـص للشيطان !!