عرض مشاركة مفردة
  #38  
قديم 29-06-2003, 09:16 PM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



والموفّق من يوالي الله ورسوله والأهل الخاصين والعامين، محبة متصلة ممتدة تربطه برباط المودة والرحمة بمن أحبهم الله وأمر بمحبتهم.
كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فردا متفردا في التوقف في قضية التوسل والتبرك. كان همه أن يُنـزِّه جناب الألوهية عن الشرك، وأن يبرز مكانة الوحي والنبوة ويرفعها عن تقديس المشايخ. هو عندنا من عدول الأمة الذين حاولوا مجتهدين في طاعة الله أن يدفعوا عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. لكنه قال في التوسل والزيارة للقبر الكريم مقالا شَاذّاً رده عليه جمهور العلماء. ما أحسن عفا الله عنه الحفاظَ على حبل المحبة الواصل بين الله والناس عبر الشخص الكريم صلى الله عليه وسلم.
إنه يتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يتحدث عن الأموات. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي تعرض عليه أعمالنا ويدعو لنا. فارقنا جسدُه الشريف، فهو في القبر ثاوٍ لا يعتدى عليه التراب، والروح رَفرافة حاضرة يملأ نورها الخافقين. روى ابن خزيمة وصححه وابن حبان في صحيحه والحاكم وغيرهم حديث حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ورواية ابن ماجه لهذا الحديث عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي علي إلا عُرِضَتْ علي صلاته حتى يفرُغ منها". قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: "وبعد الموت، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". وأخرج البزار بسند صحيح عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "حياتي خير لكم تُحدثون ويَحْدُث لكم. ووفاتي خير لكم، تُعرض علي أعمالكم فما رأيتُ من خير حمدت الله، وما رأيتُ من شر استغفرت الله لكم".
كرِهَ الإمام مالك رحمه الله أن يقال: "زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم"، لأن كلمة قبر تتنافى مع إجلال من هو عند الله أجل وأعظم قدرا من الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون فرحين، يكفر من رد إخبارَ الله عنهم بذلك وقال إنهم أموات.
قال الحافظ: "ألْزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكَرْنا صورة ذلك. وفي شرح ذلك من الطرفين طولٌ. وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية(...). الزيارة من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال. وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب".
وأجمع الفقهاء المالكية وكثير من علماء المذاهب على استحباب التوسل بالمصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأنكر ذلك وينكره التيميون غفر الله لهم. بل ينكرون على من يذكر لفظ السيادة تمشيا مع مسألة بَشعة شذّ فيها رجل شذوذاً لم يسبقه إليه أحد كما قال الإمام التقي السبكي.
وقد جاء في مسألة التوسل حديث الضرير الذي رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي في عمل اليوم والليلة وغيرهم بسند صحيح أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني فقال: "إن شئت دعوتُ وإن شئت صبرتَ فهو خير لك". قال: فادعُهْ! قال: فأمره أن يتوضأ فيُحسن الوضوء ويدعوَ بهذا الدعاء: "اللهم إنيِ أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى. اللهم فشفعه في".
المعركة طويلة، وهناك ذرائع يجب أن تسد لكيلا تُعبَد القبور. والأرواح النائرة تهفو لجناب الروضة الشريفة ولَوْ رَغِمَ أنْفُ الشاذّين. قال التلميذ الوفيُّ لابن تيمية المتشدد، تسمع آهات الأسى من بين الكلمات: "وأهل السنة أولياء رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثته وأحباؤه الذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم، وأحبُّ إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه وهم في الأقطار النائية عنه من جيران حجرته في المدينة. والمحبون المشتاقون للكعبة والبيت الحرام يجدون قلوبهم وأرواحهم أقرب إليها من جيرانها ومَنْ حولها".
ويقول مستهام آخر: "وأرواح الكُمل إذا فارقت أجسادَها صارت كالموج المكفوف(...). ولكن النفوس التي هي دونها تلتصق بها بالهمة فتجلب منها نورا وهيأةً مناسبة للأرواح. وهي المكنى عنه بقوله عليه السلام: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام". وقد شاهدتُ ذلك ما لا أحصي في مجاورتي المدينة سنة ألف ومائة وأربع وأربعين".
ولله دَر الدكتور سعيد رمضان البوطي الذي جاء المسألة من باب رفيع. ذكر السببية التي جعلها الله في الكون، وذكر أن الله أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين في قوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). (سورة الأنبياء، الآية: 107) ثم قال: "وإذا كان (أي قانون السببية) بالنسبة للدواء والطبيب والأمطار، لا ضير فيه ولا حرج، فلأنْ يكون أيُّ ضير في ذلك بالنسبة للأنبياء كالتوسل والتبرك بهم أولى وأجدر(...). وقد امتلأ الصحابة كلهم شعورا بهذا المعنى، فلم يألوا جهدا في التوسل والتبرك بآثاره وفَضلاته(...). وقد ثبت ذلك بأحاديث ثابتة صحيحة لا يرقى إليها الظن أو الوهم(...). إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأثير له في شيء ما، لا في حياته ولا بعد موته. ومن اعتقد خلاف ذلك فهو كافر بالله ورسوله. أما مناطُ التوسّل والتبرك به فهو مُجرد تكريم من الله عز وجل له، وجَعْلُه وسيلةَ رحمةٍ للعباد. وهذا التكريم والتشريف لا ينفك شيء منه عن النبي صلى الله عليه وسلم بوفاته. بل إنه ليزداد -كما نعلم- علوا وشرفا".
قال الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني في كتاب "الغنية": "فإذا من الله تعالى بالعافية (على الحاج) وقدِمَ المدينة، فالمستحب له أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليقلْ: (...)اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك: (ولوأنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما(.(سورة النساء، الآية: 64) وإني أتيت نبيك تائبا من ذنوبي مستغفرا. فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حال حياته، فأقرَّ عنده بذنوبه، فدَعَا له نبيُّه، فغفرت له. اللهم إني أتوجه إليك بنبيك عليه سلامك نبيِّ الرحمة. يا رسول الله! إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي".
في أية خانة يضع الشاذون كلام الشيخ عبد القادر قدس الله سره، أهي استغاثة وتوسل بدْعِيَّان؟ كلا والله بل هي السنة الخالصة.
والإمام النووي رضي الله عنه قمة شامخة في الحديث والمعـرفة بالله يوصي في الباب السادس من كتابه "إيضاح المناسك" بزيارة قبر سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآداب بالغة في احترام الحضرة الشريفة وبمخاطبات وتسليمات عليه وعلى صاحبيه وضجيعيه لا تليق بمن يزور قبرا جامدا وأمواتا فائتين، بل هي مخاطبات لأفضل الأحياء من وراء حجاب الموت والنقلة عن هذه الدار الفانية.
قضية الشيخ أحمد الرفاعي في زيارته لقبر جده صلى الله عليه وسلم معروفة لا حاجة للتطويل فيها. وقد ألف السيوطي كتاب "الشرف المحتم" ليشرح للمعارضين معنى نوبة الأشباح والأرواح، وقال: "أول ما أقول أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا قطعا لما قام عندنا من الأدلة بذلك. وقام بذلك البرهان وصحت الروايات وتواترت الأخبار".
ولأئمة المسلمين العظام هُيام لا ينتهي بالجناب الشريف وبالذرية والآل. غلا في تلك المحبة قوم لم تتسع صدورهم لحب الصحب الكرام بعد الفتنة الكبرى، فرفضوا الخلفاء الراشدين، يالخَيبتهم وحِرمانهم ! وحفظ الأئمة العظام الميزان.
قال الإمام الشافعي:
آل النـبــي ذريعـتـــي وهــم إليـه وسـيلـتــي
أرْجـو بهم أُعْطَـى غـــدا بيدي اليـــمـين صحيفتـي
وقال:
إذا في مجلـس نذكُـرْ عليّــاً وسبطيـه وفــاطمة الزكيــه
يقــال: تجاوزوا يا قـوم هذا فهـــذا من حديث الرافضيـه
بَرئْــتُ إلى المهيمن من أناس يـــرون الرفض حب الفاطميّه
وقال:
إذا نحن فضّلـنـا عليـا فـإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهـل
وفضل أبى بكـر إذا ما ذكـرته رُميت بنَصب عنـد ذكريَ للفضـل
فلازلت ذا رفض ونصبٍ كلاهما بحبِّيهـما حتّى أُوَسَّـدَ في الرمــل
وقال:
يا آل بيت رسـول اللـه حبكم فـرض من الله في القـرآن أنــزله
يكفيكم من عظيـم الفخر أنكم مـن لم يصـل عليكم لا صـلاة له
وقلت:
آل النبـي بحــبـكـــم قد طاب عَـرْفُ ســـريرتي
أنتــم سُـلالــة أحمــد هــادي الأنـام ذخـيرتـي
أرجـو شفــاعته غـــدا لكـبـيرتـي وصـغـيرتـي
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.

2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.

3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.

4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.

و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.

6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان