عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 28-11-2006, 02:46 AM
الشاطري الشاطري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 127
إفتراضي

الغرور

يقف الواحد منا فيكتب كلمة ويقول عبارة ويُلقي بدرهم فيظن أنه نصر الإسلام وأهله !!
يُطلق أحدنا رصاصة ، ويشترك في غارة ، ويحمل على سرية فيظن أنه فعل وفعل !!
يخطب أحدنا خطبة ، ويكتب كتاباً ، ويصنع درساً فيظن أنه استحق رحمة الله !!

يقول الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه "لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ، ولا شربتم شرابا على شهوة ، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم الى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل" ..

وأبو ذر يقول "وددت أني لم أخلق"

وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتي على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} جعل يرددها ويبكى حتي أصبح !!

وأمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح يحكي ما تمنّى "وددت أني كبش فذبحني أهلى وأكلوا لحمي وحسوا مرقى"

وكان الفاروق عمر بن الخطاب يقول لحذيفة رضي الله عنهما "أنشدك الله سمانى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم" (يعني في المنافقين) فيقول حذيفة: "لا ، ولا أزكى بعدك أحدا" ..

وقدم سعد بن أبي وقاص على سلمان الفارسي - رضي الله عنهما - يعوده ، قال : فبكى ، فقال سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك ، فقال : ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهداً قال : " لتكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب " وحولي هذه الأساود .. قال : وإنما حوله إجانة وجفنة ومطهرة" !!

وهذا أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ رضي الله عنه يبكي بكاء شديدا فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون . !!

وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً ، فقيل له : ما بكاؤك ؟ فقال : لا أدري على ما أقدم ، أعلى رضا أم على سخط ؟ .

وقال سعد بن الأخرم : كنت أمشي مع ابن مسعود فمَّر بالحدَّادين وقد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي .

قال تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} (الحديد : 16) .. قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين. (رواه مسلم) ، وإذا قرأت اليوم على أحدهم هذه الآية أزبد وأرعد وظن أنك تشتمه !!

هذا هو حال الجيل الأول : جيل النُّخبة ، جيل الفضل ، جيل الأصحاب الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، القرن الأول الذي هو خير القرون .. كان أحدهم يخاف على نفسه النفاق ويود أن لم تلده أمه ، وقد عملوا ما عملوا ، وتحملوا في سبيل الله ما تحملوا ، وأحدنا اليوم يشارك في مظاهرة ، أو يحفظ متناً ، أو يُلقي فضل ماله في سلة الصدقات ، أو يطبع ورقة أو يوزّع شريطاً ، أو يُطلق رصاصة ، أو يُلقي بكلمات على الناس ويضمن بعدها لنفسه الفردوس الأعلى بلا حساب !!

لقد ضمن أحدنا الإيمان وأبعد عن حساباته النفاق الذي كان هاجس أمثال عمر بن الخطاب ومقلق نومه ومنغص حياته !! لقد سمع حذيفة رضي الله عنه رجلا يقول "اللهم أهلك المنافقين" فقال "يا ابن أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك" ، وهذا في زمن الصحابة ، وقال ابن أبي مليكة "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل" ..

عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مررتُ ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحِلس البالي من خشية الله تعالى" (حسنه الألباني في صحيح الجامع) .

وبلَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : "عُرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً" فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين" (مسلم) .. والخنين : هو البكاء مع غنّة .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل : "ما لي لا أرى ميكائيل ضاحكاً قط ؟ "قال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار" (حسنه الألباني في صحيح الترغيب)

فلنضحك ولنلعب ولنمني أنفسنا ونغرر بها فإنا إلى الله راجعون ، وأمامه موقوفون ، وعن أعمالنا مسؤولون ، فالأحمق المغفل من رضي بعلمه وعمله وأمِن مكر الله وتمنى على الله الأماني .. فإنا لله وإنا إليه راجعون ..

كم صلى الصحابة وكم صاموا ، وكم جاهدوا وكم صبروا وكم تحملوا ، وكم عادوا في سبيل الله من أهليهم وكم قتلوا ، وكم أهريق من دمائهم وكم تقطع من أجسادهم ، ثم انظروا حالهم رضي الله عنهم وأرضاهم ..

لا تعجبوا من قول الصحابة "اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى" ، فمقام رضى الله لا يُدرك بالأماني ، وإنما يعرف قدر هذا المقام من باع نفسه وماله لله وتعلق به ونبذ ما سواه ، وهذا مقام العارفين المؤمنين الصادقين الذين لم يأمنوا مكر الله لحظة ولم يتكلوا على أعمالهم طرفة عين فطرحوا أنفسهم على عتبات أمره يبتغون فضله خائفين وجلين مشفقين أن تُردّ البيعة لفساد البضاعة ، هذا مع عدم القنوت من رحمة الله والطمع في واسع عطائه ومنّه وكرمه ، فالمؤمن في حياته بين رغبة ورهبة وبين خوف وطمع لا يستقر له قرار ولا يهدأ له بال في سجن الدنيا حتى يدخل بكلتا رجليه الجنة ، وقد روي عن صدّيق الأمة أنه قال : "لو كانت لي رجل داخل الجنة ورجل خارجها ما أمِنتُ مكر الله" ..

وهذه المرتبة من الخوف والطمع لا تتأتى إلا لأصحاب الأعمال العظام ، وهم كالتاجر الذي غلب عليه البخل الشديد وله أموال كثيرة يخاف ضياعها في أي لحظة ، فهؤلاء يخافون أن يأتي الله على أعمالهم يوم القيامة فيجعلها هباء منثورا ، ولا يتّكلّون إلا على رحمة الله وسعة فضله سبحانه وتعالى ، لعلمهم بأن أعمالهم ما هي إلا وسيلة ، وأن نعمة من نِعم الله عليهم تفضل جميع ما عملوا ..

رحم الله عطاء السليمي : قال له أحدهم : ما هذا الحزن !! فقال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ، وعلى جسر جهنم طريقي ، لا أدري ما يُصنَع بي .

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا تجعلنا ممن يأمنون مكرك ويتمنَّون عليك الأماني : يا سميع يا قريب يا مجيب الدعاء ..

والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..


كتبه
الفقير إلى عفو ربه
حسين بن محمود
19 محرم 1427هـ
__________________
ضجت نجوم الليل من حسراتي
وشكى الفرات إلي من عبراتي
يا إخوة الإسلام يا أهل النهى
في الأرض يا من تسمعون شكاتي
يا إخوة الإسلام دونكم اللظى
مازال يحرق دجلتي وفراتي
ما ذنب أرملة تكفكف دمعها
ودموع أبناء لها وبناتي
أواه من جور الحصار ومن يد
تغتالني وتنام فوق رفاتي
انفخ ياوزغ فلن تعلو قدرك