عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 08-05-2004, 03:34 AM
عدنان حافظ عدنان حافظ غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2002
المشاركات: 91
إفتراضي

تستهدف الولايات المتحدة من هذه الحرب تدمير الهوية الإسلامية للمنطقة واستبدالها بالثقافة الأمريكية، وتسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلي السيطرة علي الثروة الاقتصادية للبلاد حتي تغطي فشلها في أفغانستان، كما تستهدف احتلال المنطقة من خلال مزيد من الحرب والاضطراب لحماية أمن إسرائيل والقضاء علي الانتفاضة الفلسطينية . لقد حجب الإجماع الإسلامي التام ما بين هذه الفئات المختلفة من تباينات. السؤال الذي طرحه بعض الإسلاميين يتعلق بما إذا كانت الحكومة السعودية وعلماء المؤسسة الدينية الرسمية علي استعداد لإصدار فتوي تؤيد الجهاد في العراق بما يعيد للأذهان موقفهم خلال حرب تحرير أفغانستان من الاتحاد السوفييتي. وكثيراً ما يلجأ الإسلاميون المتشددون، والذين عادة ما يعملون في الخفاء أو من المنفي، إلي كشف التناقضات ما بين الموقف السعودي الرسمي وعلماء المؤسسة الدينية الرسمية والذين لم يقدم أي منهم علي الدعوة علانية إلي الجهاد في العراق. ويري أحد السعوديين من منتسبي حزب التحرير بأن الغزو الأمريكي للعراق سوف يجر الولايات المتحدة إلي قلب العالم العربي مما سيؤدي في نهاية المطاف إلي مقاومة شرسة من قبل الإسلاميين ومن ثم إلي طرد الأمريكيين من المنطقة . وأشار إلي أن استمرار المقاومة المسلحة في العراق بعد أسر صدام حسين يشير إلي أن الإسلاميين هم الذين يقودون المسيرة في هذه الحرب.
بعض اللبراليين السعوديين الذين انتقدوا الولايات المتحدة وخاصة إثر الهجمات التي شنتها وسائل الإعلام فيها علي المملكة العربية السعودية بعد الحادي عشر من سبتمبر كانوا في البداية مترددين في تأييد الحرب علانية، ولكنهم أثنوا عليها بعد وقوع صدام حسين في الأسر. أحد الكتاب السعوديين كان قد كتب باللغة الإنكليزية واصفاً الولايات المتحدة الأمريكية بـ روما الجديدة ولكن بعد القبض علي صدام وظهوره أسيراً علي شاشات التلفزيون كتب نفس الكاتب قائلاً: لمرة واحدة أظهرت أمريكا إرادتها في فعل شيء ما، ويملي عليها الواجب الأخلاقي ألا تتوقف عند المحطة الأولي علي الطريق. فالغالبية العظمي منا سئموا حتي السقم سفك الدماء، ولئن كان الرئيس بوش مخطئاً في كل شيء آخر إلا أنه أصاب في هذه. فهل لديه الشجاعة لأن ينهي المهمة؟ أتساءل . وكذلك عبر ليبراليون سعوديون آخرون عن تقديرهم للدور الأمريكي في العراق، رغم أنهم حاولوا في كتاباتهم التعبير عن موقف محايد، ومثال ذلك عبد الرحمن الراشد محرر صحيفة الشرق الأوسط اليومية (التي استقال منها عام 2003) والذي كتب 56 مقالاً حول الحرب علي مدي فترة ستة شهور (من ديسمبر 2002 إلي مايو 2003)، وكان الأكثر نقداً لنظام البعث وصدام حسين.
وتشير دراسة تحليلية للصحافة السعودية الرسمية ما بين كانون الاول (ديسمبر) 2002 وايار (مايو) 2003 بأن 90 بالمئة من المقالات التي نشرت خلال فترة ثلاثة شهور قبل أن تبدأ الحرب كانت تؤيد الشعب العراقي ضد العدوان الخارجي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بينما كانت 73 بالمئة من المقالات موجهة ضد صدام حسين ونظام البعث. واحد وتسعون بالمئة من المقالات التي نشـــرت في صحيفة يومية واحدة هي الشرق الأوسط كانت في غاية السلبية في تقييمها لصدام حسين وحزب البعث. وبشكل عام كانت 90 بالمئة من المقالات مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية وكانت نسبتها مئة بالمئة في المجلات الأسبوعية (المجلة، اليمامة، إقرأ). وحينما بدأت الحرب كانت 98 بالمئة من المقالات في صحيفة واحدة (اليوم) تتبني نفساً إيجابياً تجاه العراق. كما بلغت الآراء السلبية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مستوي عالياً جداً وصل 95 بالمئة في بعض المطبوعات.

حرب محيرة لا تشبهها حرب

حتي يتسني للمرء فهم الارتباك ـ وقد يقول البعض التناقض ـ في المواقف السعودية الرسمية تجاه الحرب في العراق فثمة حاجة لتقييم اللحظة التاريخية المحلية للمملكة العربية السعودية دولة ومجتمعاً علي السواء. طالما اعتبرت المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر البلدان استقراراً في المنطقة وواحدة من أكثر الأنظمة الملكية ثباتاً وتماسكاً في وجه العواصف العاتية التي تهب علي المنطقة، ولكن ها هي تلج القرن الحادي والعشرين بمشاكل محلية لا تخفي علي أحد، يفاقم من حدتها الموقف الأمريكي المعادي علانية لها، والذي لم يقتصر علي انتقاد أفراد في العائلة الملكية الحاكمة بل امتد ليشمل البناء السياسي وانعدام الشفافية في التعامل الاقتصادي، والبرامج التعليمية، والمنهاج الديني، والتقاليد الاجتماعية والثقافية، وانعدام الحرية الدينية، والطريقة التي تعامل بها الأقليات والنساء. رافق ذلك النقد اتهامات علنية بخصوص دعم الإرهاب وعلاقات الأمراء بمنظمة خيرية وضعت علي قائمة المنظمات ذات الصلة بالقاعدة، كما رافقه رفع قضية قانونية ضد عدد من كبار الأمراء من قبل عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وكذلك طرد عدد من السعوديين الذين كانوا يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية من واشنطن، وسجن ما يزيد عن مئة سعودي في معتقل غوانتينامو باي. يضاف إلي هذه الظروف والأحوال حقيقة أن هذه الحرب ليست كغيرها من المواجهات العسكرية في المنطقة، أي مثل حرب الخليج 1990 ـ 1991، الأمر الذي يعني أن المملكة العربية السعودية تواجه تحدياً حقيقياً. فلو أن الحكومة دعمت بشكل كلي الحرب الأمريكية علي العراق مثلما فعلت دولة الكويت علي سبيل المثال فإنها تخاطر باتخاذ موقف يتناقض مع توجهات الشعب الذي فقد صبره بشكل متزايد ليس فقط تجاه السياسات الأمريكية ولكن أيضــــاً تجاه قيادته هو التي يراها كثير من السعوديين فاسدة، جائرة، وفاقدة للحكمة السياسية، وخاضعة تماماً للنفوذ الأمــــريكي. ولو أن الحكومة بالمقابل رفضت الحرب بشكل علني فإنها تجازف بذلك بزيادة غضب إدارة أمريكية منتقدة بل ومخاصمة للنـــــظام السعودي الذي أصبح في الفترة الأخيرة مرتبطاً في أذهان العــديدين من كبار الشخصيات والباحثين والإعلاميين في الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الإرهاب وبانتهاك حقوق الإنسان وبانعدام الحرية الدينية. ما من شك في أن تلك الحيرة هي أفضل تفسير للتصريحات المتناقضة الصادرة عن الحكومة السعودية ما قبل الحرب وما بعدها.
منذ توقف العمليات العسكرية الأمريكية في العراق بشكل رسمي في ايار (مايو) 2003، وهي الخطوة التي ثبت أنها نقطة مهدت لانطلاق المقاومة العراقية ضد قوات التحالف، عكس الموقف السعودي رغبة في التعايش مع الاحتلال في العراق علي أمل أن يكون ذلك الاحتلال قصيراً وبذلك تتمكن المملكة من تحقيق أكبر كم من المكاسب بسبب حياديتها تجاه الوضع في العراق. لقد خشيت المؤسسة الرسمية في المملكة العربية السعودية عدداً من العواقب منها حدوث موجة من عدم الاستقرار بسبب المطالب بإحداث إصلاح داخلي، وكذلك تقوية وضع السكان الشيعة في المنطقة الشرقية وازدياد المطالب بضمان الحرية الدينية والحقوق المتساوية، وازدياد الهجمات الإرهابية إضافة إلي استمرار الحرب الهادئة مع نشطاء القاعدة والمتعاطفين معها، والذين سيحفزهم علي ذلك ليس الشكايات المحلية فحسب بل وأيضاً انعدام كفاءة النظام السعودي في إدارة الأزمة العراقية. ولسوء حظ الحكومة السعودية تحققت كل المخاوف. فاللبراليون والإسلاميون السعوديون كثفوا من نشاطاتهم وطالبوا بإصلاحات أوسع وأكبر. وفي نيسان (ابريل) 2003 أصدر شيعة السعودية التماساً طالبوا فيه بإصلاح وضعهم كأقلية. وأخيراً، وقع هجومان إرهابيان كبيران، واحد في ايار (مايو) والأخر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، واستهدفا مجمعات سكنية يقطنها مقيمون أجانب وعرب، ناهيك عن الحرب الهادئة المستمرة بين قوات الأمن ومن يشتبه في انتمائهم إلي القاعدة في كل واحدة من مدن المملكة تقريباً، واكتشاف أسلحة مخبأة وعدة خلايا الأمر الذي دفع المملكة العربية السعودية إلي نشر أسماء ستة وعشرين شخصاً وصفوا بأنهم أكثر المطلوبين للعدالة من الإرهابيين خصصت جوائز مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلي اعتقالهم.
كانت حرب الخليج في 1990 ـ 1991 بالنسبة للمملكة العربية السعودية حدثاً كبيراً تمخض عن عواقب غير مرغوب فيها للحكومة تمثلت في بلورة معارضة إسلامية جريئة وعلنية، وفي تسييس المواطنين، وفي بدء المصاعب الاقتصادية الخطيرة والتي تصادفت مع نضح قوي المعارضة السعودية وأكدت ارتباك الحكومة في التعامل مع الأحداث في وقت لم تستطع فيه المملكة العربية السعودية حتي التعامل مع الأمور علي أساس كونها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية. آمل أن يكون هذا الشرح للعلاقة التاريخية والمعاصرة ما بين المملكة العربية السعودية والعراق قد بين لماذا لا تسمع حتي الآن صيحات أطفال الفلوجة في الرياض. ومع ذلك فإن أكثر ما يهدد الحكومة في الرياض اليوم هي الصيحات المتعالية للأطفال الذين يموت آباؤهم بشكل يومي علي شوارع الرياض وعلي الطرق السريعة التي تربط المدن الكبيرة بحجة الحرب علي الإرهاب. ولعل صيحات أطفال الفلــوجة وأطفال الرياض تتداخل فتصبح واحدة.
كاتبة من السعودية