الموضوع: لله ثم للتاريخ
عرض مشاركة مفردة
  #37  
قديم 04-09-2006, 11:10 AM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

-44-

ارجعوا الى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليه رستم حتى يدفنه وجنده في خندق القادسية وينكل به وبكم من بعد ، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور . ثم قال :

من أشرفكم ؟ فقال عاصم بن عمرو وافتات ليأخذ التراب أنا أشرفهم ، أنا سيد هؤلاء فحملنيه ، فقال : أكذلك ؟.

قالوا : نعم . فحمله على عنقه فخرج به من الديوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ثم انجذب في السير ليأتوا به سعدا وسبقهم عاصم فمر قديس فطواه وقال بشروا الأمير بالظفر ، ظفرنا ان شاء الله تعالى ، ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر . فقال :

ابشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم ، وتفاءلوا بذلك أخذ بلادهم . ثم لم يزل أمر الصحابة يزداد في كل يوم علوا وشرفا ورفعة ، وينحط أمر الفرس ذلا وسفلا ووهنا"2" .

ومن خلال حوار النعمان بن مقرن والمغيرة بن شعبة من جهة ويزدجرد من جهة ثانية تتكشف لنا العقلية التي يفكر بها الفرس :
انهم قساة بغاة يستخفون بغيرهم من الأمم . فالعرب ليسوا أكثر من شعب خلق لخدمة الفرس ، ويتحدث يزدجرد باسم قومه فيقول :
( قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ، ولا تغزوكم فارس ) .


(2) البداية والنهاية لابن كثير ، ج 7 ، ص 41 .

-45-

من العار على أهل فارس أن يفكروا أو يجهزوا أنفسهم لغزو العرب ، فأهل الضواحي ند للعرب ، ولا يستحقون أكثر من هذا الإعداد .

ويقول أيضا :
(و لا تطمعون أن تقوموا لهم ) .

إن مجرد وقوف العربي أمام الفارسي تعظيما وتبجيلا .. هذا الوقوف بحد ذاته تكريم للعربي _ هكذا يرى يزدجرد _ .

أما الرسالة والرسول والوحى فهي أمور لا تستحق من يزدجرد مجرد التفكير ، وكل ما يراه أن العرب جياع عراة ومن الممكن أن يجود عليهم بقليل من الطعام واللباس ، بل إن يزدجرد مستعد أن يكرمهم أكثر وينتدب ملكا فارسيا يرعى شؤون العرب . غريبة هذه العقلية التي يفكر بها يزدجرد !!. إن العرب عنده لا يستحقون أن يختار لهم ملكا ليستعمرهم ويتحكم برقابهم وأموالهم وأرضهم .

وعندما رفض رسل سعد بن أبي وقاص عروض يزدجرد أوكل لقائده رستم مهمة دفن المسلمين في خندق القادسية .
وهذه هي العقلية التي يفكر بها الفرس !!
دحض فريه
يقف اعداء الاسلام من المستشرقين والمستغربين أمام الانتصار الذي حققه المسلمون على الفرس وقفة استغراب ودهشة ، ويجهدون أنفسهم في البحث عن تعليل يفقد هذا الانتصار روعته ، وبعد طول تفكير قالوا :


-46-

كانت بلاد فارس قد دب فيها الهرم وتفشت فيها أمراض الشيخوخة عند ظهور الاسلام ، ومن سنن التاريخ أن تتغلب الدولة الفتية القوية الناشئة على الدولة الهرمة الضعيفة المنهارة.

وهذا القول مرفوض جملة وتفصيلا للأسباب التالية :
كان كسرى أنو شروان قبل عقود قليلة قد جدد فتوة الدولة الفارسية ، وبعث فيها روح القوة والشباب ، وقضى على المزدكية ، وأجرى الاصلاحات مالية وادارية وعسكرية .. ثم جاء كسرى بن هرمز فتبوأت دولة فارس في عهده قمة المجد ، ودانت لها معظم بلدان العالم .

وفي الثالثة عشر من الهجرة اجتمع رستم والفيرزان واتفقا على تنصيب يزدجرد _ وهو من أولاد كسرى _ وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، واستوثقت المماليك له ، واجتمعوا عليه ، وفرحوا به ، واستفحل أمره فيهم ، وقويت شوكتهم به "3" .

أما قائد جيش الفرس رستم فلقد كانت تضرب الأمثال بقوته ودهائه ، وهو من أندر قواد الفرس ، وكان يتولى قيادة جيش هو في عدده وعدته أضعاف الجيش الاسلامي .

وكانت حروب المسلمين مع الفرس شاقة جدا . لقد دامت أكثر من سبع سنين ، كان المسلمون خلالها يفتحون الأمصار ويعقدون معهم المعاهدات ثم ينقضونها ، فأهل الحيرة العرب نقضوا عهدهم ثلاث مرات ، ونقض عرب الأنبار عهودهم مرات ووقفوا الى جانب الفرس .


(3) البداية والنهاية ، ج 7 ، ص 30 .

-47-

فالمسلمون اذن كانوا يقاتلون الفرس والعرب معا "4" .. واستشهد من المسلمين في معاركهم مع الفرس أكثر من عشرين ألف قتيل ، وشهد خالد بن الوليد بخبرة وشجاعة الجندي الفارسي فقال :

( لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت قوما كقوم لقيتهم من أهل فارس ، وما لقيت من أهل فارس قوما كأهل أليس "5" ) .

لقد كان المسلمون يخشون قتال أهل فارس ، ويختارون قتال العرب أو الرومان عن الفرس الذين امتازوا بقوة السيطرة ، وشدة القتال :
( لما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء أصبح عمر فندب الناس وحثهم على قتال أهل العراق ، وحرضهم ورغبهم في الثواب على ذلك ، فلم يقم أحد ، لأن الناس كانوا يكرهون الفرس لقوة سطوتهم ، وشدة قتالهم . ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد ، وتكلم المثنى بن حارثة فأحسن ، وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يد خالد من معظم أرض العراق ، وما لهم من الأموال والأملاك والأمتعة والزاد ، فلم يقم أحد في اليوم الثالث فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين أبو عبيدة بن مسعود الثقفي ثم تتابع الناس في الاجابة "6" ) .
أفبعد حرب دامت سبع سنين ، واستشهد فيها عشرون ألفا من المسلمين وبعد شهادة


(4) انظركتاب حركة الفتح الاسلامي في القرن الأول للدكتور شكرى فيصل
(5) تاريخ الطبري ، ج 1-4 ، ص 2048 .
(6) البداية والنهاية لابن كثير ، ج 7 ، ص 26 .


-48-

خالد بن الوليد رضي الله عنه بقوة الفرس وشجاعتهم ، ورواية ابن كثير التي تدل على كراهية المسلمين لقتال الفرس ، أفبعد هذا كله هل يبقى مجال ليقول قائل : ان فارس كانت في حالة احتضار !! .

ليس هناك من هرم ولا شيخوخة بل ان المسلمين قاتلوا وهم يتمنون إحدى الحسنين : النصر أو الشهادة . ولقد صبروا وصابروا رغم طول الطريق وغدر عرب العراق واستبسال الفرس ، وسألوا الله النصر صادقين متجردين ، فاستجاب الله سبحانه وتعالى لهم ، ونصرهم على أعدائهم الذين هزموا في القادسية ثم في نهاوند والمدائن ، ودخل قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص قصر كسرى وهو يتلو قوله تعالى :

( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ، ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك واورثناها قوما آخرين ) .

وأرسل سعد كل ما في قصر كسرى من نفائس الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. وأخذ عمر رضي الله عنه يقلب هذه النفائس في المسجد النبوي وهو يردد :
إن قوما أدوا هذا لأمناء !! .

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

لقد عففت فعففت رعيتك ، ولو رتعت لرتعت ثم قسم عمر ذلك في المسلمين ، فأصاب عليا قطعة من البساط فباعها بعشرين ألفا .



-49-

وذكر البيهقي والشافعي رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب ألقى بسواري كسرى الى سراقة بن مالك بن جعشم وقال له :

قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك أعرابي من بني مدلج"1" .. ثم قسم عمر الغنائم على المسلمين بعد أن خطبهم وبين لهم أن ملك كسرى ضاع بظلمه وجوره ، وأن العدل أساس الملك وسر بقائه وديمومته .

وبهذه الأخلاق فتح المسلمون بلاد فارس ، وورثوا ايوان كسرى ، وصارت الشمس لا تغيب عن الولايات الاسلامية .