عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 05-06-2003, 03:10 PM
*اليشمـــك* *اليشمـــك* غير متصل
عـــابرة سبيـــل
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2002
المشاركات: 2,220
إفتراضي

تساءلت في نفسي .. :

أي واقع إجتماعي سيتشكل ، عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ، والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟

هل يمكن أن يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري .. وموضي ..؟

من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان .. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا عن دوره ..؟

من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز) .. في ظل الغياب القسري للأب ..؟

من (الطرف) الآخر الذي (تخلى) عن دوره ..

فسقط مثل هؤلاء (الضحايا) ..؟

فتح الباب ، وأطل طفل لا يتجاوز التاسعة . حسب توصيف موضي ، هذا شقيقها محمد . هناك بنت تكبره .. نوف ، أصغر من موضي ، في الصف السادس الابتدائي .. وأصغر منه بنت في الصف الأول .. أظن أن إسمها إبتسام ، ثم عبد الاله في حدود الخامسة .

سألته :
- اين الوالدة ..؟
- من أنت ؟
- مشرف إجتماعي .. من الجمعية الخيرية ..

غاب قليلا ثم عاد .. وسحب الباب خلفه ، وأبقاه نصف مفتوح ، ثم قال :

- الوالدة خلف الباب ..

ألقيت عليها السلام ، وذكرت لها أنني عضو في مجموعة خيرية ، تقوم بحصر الأسر المحتاجة ، من خلال التعاون مع بعض المعلمات ، ليتم ترتيب شيئا لها ، يساعدها في مواجهة تكاليف الحياة ..

كان يوم سبت ، أخبرتها أن هذه الزيارة استقصائية ، لمعرفة أوضاع الأسرة بالتفصيل ، وأنه سيعقبها زيارات أخرى ..

طلبت مني الدخول إلى غرفة تفتح على الممر المؤدي إلى داخل المنزل ، يبدو أنها (المجلس) المعد لإستقبال الضيوف.

جلست على فرش (موكيت) متآكل .. قد ذهب لونه . كان هناك مسندتان للظهر .. أو ثلاث .. ولا شئ غير ذلك ..

في السقف يوجد مروحة عتيقة ، ولمبة (فلورسنت) 2. شمعة ، أطرافها معتمة لطول الاستخدام . على الجدران المدهونة ، بلون أبيض مطفي ، يوجد خربشات أطفال .. لفت نظري أحدها ، يقول : "الدهر يومان .. يوم لك ، ويوم عليك" ..

ثم رسمة لقلب ، قد إخترقه سهم ، وينزف ، وقد كتب تحته :

" أحبك لو تكون ظالم" ..

لاحظت أن مثل هذه (الشعارات) مشترك (ثقافي) ، بين الاغنياء والفقراء ..

لكن .. كيف يفهم كل فريق (اليومين) .. اليوم الذي له .. واليوم الذي عليه ..؟

،
،
،

ما هو مفهوم كل طرف للحب .. وكيف هو مفهوم الظلم في الحب .. وفي غيره ، عند كل منهما ..؟

كيف فهمت موضي (الحب) .. لما سألتني إن كنت افعل الذي أفعله من أجلها .. لأني أحبها ..

وتبرعت بالتفسير ، على ضوء ما تعتقد أنه القانون السائد ، الذي يحكم العلاقات بين الناس

.. فقالت :

"الشخص لا يخدم شخصا آخر إلا إذا كان يحبه .. أو ينتظر منه شيئا .. مقابل ما يقدمه له" ..

موضي علمت يقينا أنني لا أنتظر منها (شيئا) .. مثل ذلك الذي كان يريده منها صاحب السيارة ..

وهي غير متأكدة أنني أحبها .. لروحها .. وذاتها .. إذ هي .. رغم صغر سنها ، تدرك ، أن حبا من هذا النوع ، لا يمكن أن يتخلق في إتصال هاتفي .. أو لقاء عابر ..

لذلك .. هي عاجزة أن تفسر موقفي منها .. لأنها غير قادرة على أن تبني علاقة بين متغيرين ...

"الخدمة .. مقابل .. ماذا ..؟ "

وهو ما دأب المعطى الثقافي السائد ، على تقديمهما ضمن (تراتيبية) معينة ..

عندما أخذت مكاني في المجلس ، جلست هي خارجة ، في الممر ، عند الباب ، تسمعني ، ولا أراها . سألتها بالتفصيل عن أحوالهم المادية ومصاريفهم اليومية والشهرية ..

عرفت منها أن زوجها مسجون في قضية مخدرات ، وأن محكوميته طويلة ، وأنهم منذ سنتين تقريبا لم يروه .. لأسباب لم تذكرها .

لا أقارب لصيقين لهم في الرياض .. أهلها .. وأهل زوجها يعيشون في مناطق بعيدة .. وليسوا بأحسن حال منهم ..

أنتهى اللقاء .. ووعدتها بزيارة قريبة ..

،
،
،

كنت قبل أن آتيهم ، مررت على محل لبيع الوجبات السريعة ، وأشتريت لهم فطائر (هامبورقر) ومشروبات غازية .. وتعمدت أن يكون عدد الفطائر غير مطابق لعددهم .. حتى لا تشك بأن لدي معلومات سابقة عنهم .

كانت فرحة الأطفال لا توصف .. بكيت في داخلي ، وأنا أراهم يتقافزون فرحا .. ويردد عبدالإلة الصغير : "زي اللي في التلفزيون" ..

عالم لا يرونه إلا في التلفزيون .. وحياة أخرى .. بعضها تافة وسخيف .. ونمارسها نحن بعشوائية ، وتلقائية .. لا يسمعون عنها إلا في التلفزيون ..

إنها (قصة) التلفزيون ..

قصة (الاكسسوارات) ، و (الصاحب) ..

و (الحياة) التي لا تنال .. إلا بأثمان باهضة أدناها الكرامة .. وأحدها الشرف ..

وأحيانا كثيرة .. لا تنال ..

مررت مساء الاثنين في زيارة سريعة ، وأنزلت اغراضا ، استشفيت من لقائي الأول أن هناك حاجة ماسة لها .. اشتريت كذلك وجبات (هامبرقر) ..

في هذه المرة لفت نظري شيئا ..


يتبع
__________________






الرد مع إقتباس