عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 20-12-2004, 11:49 PM
شوكت شوكت غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2001
المشاركات: 348
إفتراضي هوامش على مشهد <<الفتنة>> -فهمي هويدي-جريدة السفير

هوامش على مشهد <<الفتنة>>
فهمي هويدي




نخطئ كثيراً إذا ما طوينا صفحة أحداث <<الفتنة>> التي أطلت برأسها في مصر طيلة الاسبوعين الماضيين، وإذا ما تجاوزناها باعتبارها سحابة كدر وانقشعت. ذلك أنني أزعم أن تلك الأحداث بما شابها من ملابسات وما كشفت عنه من مثالب وعورات، تمثل محطة مهمة في مسيرة الوطن، يتعين الوقوف عندها ملياً، والتعامل معها بأعلى درجات الصدق والمسؤولية.
لا أحد يكاد يصدق أن مصر كلها، بطولها وعرضها وعمقها، اهتزت وتوترت طيلة أسبوعين على الأقل، بسبب شائعتين مكذوبتين، الأولى ادعت أن رجال الأمن في محافظة البحيرة اختطفوا زوجة كاهن لإدخالها في الإسلام، والثانية أن الزوجة أقامت علاقة خاصة مع رئيسها في العمل، وهو مسلم، مما أغراها بالتحول عن دينها، فاختطفها الرجل وأخفاها بعيداً عن أسرتها.
سرت الشائعتان في أوساط أقباط مصر سريان النار في الهشيم، وتلقفها نفر من أقباط الخارج، وكان لها صدى مثير اتسم بالاحتجاج والغضب، الذي عبر عن نفسه بصور شتى، تراوحت بين التظاهرات والهتافات التي شهدتها بعض الكنائس الرئيسية في القاهرة، وبين الاشتباك مع رجال الأمن ورشقهم بالحجارة، ما أدى إلى إصابة 62 ضابطاً وشرطياً ونقلهم إلى المستشفيات. لم يخل الأمر من أصداء في الخارج، تولاها المتربصون والمتصيدون الذين زادوا النار اشتعالاً، وراحوا يستثيرون الحكومة الأميركية والمنظمات الدولية، مطالبين إياهم للتدخل لإنقاذ أقباط مصر من <<القهر>> والإبادة!
وإذ تخللت التظاهرات في داخل مصر هتافات ونداءات بعضها كان جارحاً لمشاعر المسلمين، والبعض الآخر تطاول على هيبة الدولة والنظام. إلا أن ذلك فهم بحسبانه من تجليات الغضب غير المنضبط الذي استبد بالجميع، والذي أججه بعض المتعصبين والمتطرفين داخل الكنيسة وخارجها.
ولكن أكثر ما أجج المشاعر ورفع من درجة التوتر أن بطريرك الأقباط، البابا شنودة، انضم بدوره إلى الغاضبين، وامتنع عن إلقاء <<موعظة الاربعاء>> (8/12)، حين كانت الحشود التي جاءت من كل صوب بانتظاره في مقر البطريركية، لتسمع منه كلمة تهدئ الروع وتسكن الخواطر، وخرج من باب خلفي متجهاً إلى دير وادي النطرون في صحراء مصر، معلناً الاعتكاف هناك، ومعبراً عن الاحتجاج بطريقته الصامتة والصاخبة. وحين ذاع الخبر بين رواد الكنيسة المنتظرين، تضاعف الغضب وتحول عند بعض الشباب إلى ثورة جامحة انفلت عيارها على النحو الذي قدمت.
لقد اجتمعت في المشهد مختلف عناصر الإثارة. فموضوعها ليس امرأة عادية، وإنما هي زوجة كاهن من رموز الكنيسة. كما أن ما شاع عن كيفية تحولها عن دينها بدا مستفزاً، فالأمن أقحم طرفاً فيه، أو أن رئيسها المسلم أغراها، وفي المسألة اختطاف واختفاء، اتهمت فيه أجهزة الأمن بالتواطؤ والتستر. وفي غيبة المعلومات الصحيحة لما جرى، كانت كل ظروف إشعال الحريق مواتية.
الحقيقة أعلنها بيان النائب العام، الذي نشرته صحف الجمعة الماضي 17/12. وكانت مجلة <<المصور>> في عدد 16/12 قد سبقت بتجلية الأمر، وكذلك العدد الأخير من صحيفة <<الاسبوع>> (19/12). البيان الرسمي جاء قاطعاً في تكذيب الشائعتين، حيث تبين أنه لم يكن هناك إكراه ولا اختطاف ولا علاقة عاطفية أو غير عاطفية، وأن السيدة وفاء قسطنطين زوجة الكاهن، اختارت طواعية أن تدخل في الإسلام، وأن كل الضجة التي حدثت لم يكن لها ما يبررها، من التظاهرات الغاضبة إلى اعتكاف الباب شنودة في الدير.
ورغم وضوح الحقائق الأساسية للقضية إلا أن ثمة هوامش تكمل الصورة وتجلي بعضاً من جوانبها التي جرى إغفالها لسبب أو آخر، كما أن ثمة إشارات في المشهد ينبغي الوقوف عندها واستلام رسائلها.
في إطار الهوامش أضيف إلى ما ذكر المعلومات التالية، التي استقيتها من الجهات التي باشرت الموضوع من أوله إلى آخره:
 إن السيدة وفاء قسطنطين البالغة من العمر 46 عاماً، وتعمل مهندسة زراعية (متخرجة منذ عام 1980)، مشهود لها بالكفاءة العالية ودماثة الخلق والمثالية في العلاقات والتصرفات. وطوال سنوات عملها حظيت بتقدير ومحبة الجميع، كما أنها بادرت من حولها المشاعر ذاتها. وهذا ما أجمع عليه زملاؤها في العمل.
 إن فكرة تحولها إلى الإسلام خطرت لها منذ سنة ونصف على الأقل، وبدأت حين تابعت إحدى الحلقات التلفزيونية التي تحدث فيها الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في القرآن. وقد شجعها ما سمعت منه ومن غيره على التمعن في الموضوع والتوسع فيه. فقرأت كتباً عدة وسعت من معارفها وجذبتها إلى التعاليم الإسلامية، فتقدمت خطوات أبعد، حيث حفظت سبعاً من سور القرآن الطويلة، كما حفظت جزء <<عم>> كله (تلت بعضاً مما حفظته على مسامع من سألوها)، كما صامت الأيام الستة البيض، والتزمت قدر الإمكان بأداء الصلوات الخمس اليومية.
 رعت السيدة وفاء زوجها قس <<أبو المطامير>>، الذي قطعت رجله بسبب تفاقم إصابته بمرض السكر، إلى أن استقرت حالته، ووجدت أن ثمة صعوبة في الجمع بين وضعها كزوجة للكاهن، وبين اقتناعها بالتحول إلى الإسلام، فقررت أن تلتحق بأسرة مسلمة في حي السلام بالقاهرة، ارتبطت منذ أيام الدراسة بعلاقة صداقة حميمة مع إحدى بناتها. وقبل ثلاثة أشهر من مغادرتها لبيت زوجها في <<أبو المطامير>> هيأت ابنتها <<شيرين>> المتخرجة من كلية العلوم لإدارة البيت في غيابها. ودونت لها في دفتر خاص ما يتعين عليها عمله لكي لا يختل شيء في وضع البيت.
 بعدما رتبت أمر بيتها بصورة نسبية، لجأت السيدة وفاء إلى أسرة صديقتها في القاهرة، وفي اليوم الأول من الشهر الحالي ذهبت مرتدية الحجاب بصحبة صديقتها وزميلتها القديمة إلى قسم الشرطة في الحي طالبة إشهار إسلامها. وحين استمع الضابط المختص إلى قصتها، وعرف أنها زوجة لكاهن، أدرك أن للأمر حساسية خاصة، فلم يشأ أن يستمر في الإجراءات الروتينية المتبعة في مثل هذه الحالة، وأبلغ رئاسته بالموقف.
 الإجراء المتبع في هذه الحالة، الذي تنص عليه التعليمات الإدارية، ألا يتم تسجيل إشهار تغيير الدين، إلا إذا رتب للشخص المتحول جلسة أو أكثر مع بعض رجال الدين الذي ينتمي إليه، معروفة باسم جلسات <<إسداء النصيحة>>، يحاولون فيها تبصيره وإثناءه عن عزمه. وإذا ما أصر على موقفه كان له ما أراد. وبناء على ذلك تم إخطار مطران البحيرة برغبة السيدة وفاء، مع دعوته لإيفاد من يشاء لإجراء لقاء إسداء النصح لها.
 كانت تلك بداية مشكلة نشأت بين مطران البحيرة وجهاز الأمن. فقد رفض المطران فكرة عقد جلسة أو جلسات إسداء النصح، وطلب تسليم السيدة وفاء للكنيسة الارثوذكسية. في حين أن جهاز الأمن كان ملتزماً بالتعليمات الإدارية، ولم يكن مخولاً في تجاوزها. واستمر هذا التجاذب لمدة خمسة أيام، في الفترة من 3 إلى 8/12. وهي الفترة التي انتشرت فيها الشائعات واتهم جهاز الأمن بخطف السيدة والتستر عليها، كما اتهم من جانب البعض بتعمد تعويق تسليمها إلى الكنيسة، في حين أن مسؤوليه لم يفعلوا أكثر من التزامهم بالتعليمات الصادرة في الموضوع.
 في هذه الاثناء رتبت بعض قيادات الكنيسة الارثوذوكسية التظاهرة التي حدثت أثناء القداس الذي أقيم بمناسبة وفاة الزميل سعيد سنبل، وجرى استدعاء عناصر متعددة من مختلف أنحاء البلاد. وفي حضور عدد من كبار المسؤولين عبرت الحشود عن غضبها ورفعت لافتات الاحتجاج وبدا أن الموقف موشك على الانفلات أو الانفجار.
 حين نقلت هذه الصورة إلى القيادة السياسية، صدرت التعليمات بتسليم السيدة وفاء إلى الكنيسة. وتم الاتفاق على إيداعها في بيت بضاحية عين شمس بالقاهرة، مخصص لإقامة السيدات اللاتي يجري إعدادهن للانخراط في سلك الرهبنة (المكرسات). وكان ظنها أنها ذاهبة لكي تشهد جلسات <<إسداء النصح>>، ولذلك استغرق الأمر بعض الوقت لإقناعها بأخذ حوائجها والانتقال إلى بيت عين شمس (ذكرت صحيفة الاسبوع في 19/12 أنها كانت صائمة في ذلك اليوم، وطلبت تأجيل الموعد لحين الإفطار وأداء صلاة المغرب).