عرض مشاركة مفردة
  #232  
قديم 13-02-2006, 12:04 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile توبة مدمن

توبة مدمن

في احدى المدن بالمملكة كانت هناك امرأة تسكن مع زوجها واولادها وبناتها في احدى الاحياء وكان المسجد ملاصق لبيتها تماما الا ان الله ابتلاها بزوج سكير.
لا يمر يوم او يومين الا ويضربها هى وبناتها واولادها ويخرجهم الى الشارع، كان اغلب من في الحي يشفقون عليها وعلى ابنائها وبناتها اذا مروا بها ويدخلون الى المسجد لاداء الصلاة ثم ينصرفون الى بيوتهم ولا يساعدونها بشئ ولو بكلمة عزاء، وكم كانوا يشاهدون تلك المرأة المسكينة وبناتها واولادها الصغار بجوار باب بيتها تنتظر زوجها المخمور ان يفتح لها الباب ويدخلها بعد ان طردها هى واولادها و لكن لا حياة لمن تنادى، فاذا تأكدت من انه نام جعلت احد ابنائها يقفز الى الداخل ويفتح لها، وتدخل بيتها وتقفل باب الغرفة على زوجها المخمور الى ان يستيقظ من سكره وتبدأ بالصلاة والبكاء بين يد الله عز وجل تدعو لزوجها بالهداية والمغفرة.
لم يستطع احد من جماعة المسجد بما فيهم امام المسجد والمؤذن أن يتحدث مع هذا الزوج
السكير وينصحه، ولو من اجل تلك المرأة المعذبة وابنائها لمعرفتهم انه رجل سكير لا يخاف الله؛ باطش؛ له مشاكل كثيرة مع جيرانه في الحى فظاً غليظ القلب لا ينكر منكراً ولا يعرف معروف وكما نقول بالعامية ( خريج سجون ) فلا يكاد يخرج من السجن حتى يعود اليه .
الزوجة المسكينة كانت تدعو لزوجها السكير في الثلث الاخير من الليل وتتضرع الى الله باسمائه العلى وبأحب اعمالها لديه ان يهدي قلب زوجها الى الايمان، واكثر ايامها كانت تدعو له بينما هى وابناءها تعاني الامرين فلا احد يرحمها من هذا العناء غير الله فلا اخوة ولا اب ولا ام يعطف عليها الكل قد تخلى عنها والكل لا يحس بها وبمعاناتها فقد اصبحت منبوذة من الجيران والاهل بسبب تصرفات زوجها.
في احدى المرات وبينما هى تزور احدى صديقاتها في حى آخر مجاور لهم تكلمت وفتحت
صدرها لصديقتها وشرحت لها معاناتها وما يفعله بها زوجها وببناتها وابناءها اذا غاب تحت مفعول المسكر، تعاطفت معها صديقتها وقالت لها: اطمئني، سوف اكلم زوجي لكي يزوره وينصحه وكان زوجها شاباً صالحا حكيماً ويحب الخير للناس ويحفظ كتاب الله و يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فوافقت بشرط ان لا يقول له بانها هى التى طلبت هذا حتى لا يغضب منها زوجها السكير ويضربها ويطردها من البيت الى الشارع مرة اخرى لو علم بذلك، فوافقت على ان يكون هذا الامر سر بينهما فقط.
ذهب زوج صديقتها الى زوجها بعد صلاة العشاء مباشرة لزيارة زوج تلك المرأة وطرق الباب عليه فخرج له يترنح من السكر ففتح له الباب فوجده انسان جميل المنظر له لحية سوداء طويلة ووجه يشع من النور والجمال ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره والزوج السكير كان في الاربعين من عمره على وجهه علامات الغضب والبعد عن الله عز وجل فنظر اليه وقال له: من انت وماذا تريد؟
فقال له: انا فلان بن فلان واحبك في الله وجئتك زائرا ولم يكد يكمل حديثه حتى بصق في وجهه وسبه وشتمه وقال له بلهجة عامية شديدة الوقاحة: لعنة الله عليك يا كلب، هذا وقت يجىء فيه للناس للزيارة، انقلع عسى الله لا يحفظك انت واخوتك اللى تقول عليها.
كانت تفوح من الزوج السكير رائحة الخمرة حتى يخيل له ان الحى كله تفوح منه هذه الرائحة الكريهة، فمسح ما لصق بوجهه من بصاق وقال له: جزاك الله خيرا قد اكون اخطأت وجئتك في وقت غير مناسب ولكن سوف اعود لزيارتك في وقت اخر ان شاء الله، فرد عليه الزوج السكير انا لا اريد رؤية وجهك مرة اخرى وان عدت كسّرت رأسك واغلق الباب في وجه الشاب الصالح.
وعاد هذا الشاب الى بيته وهو يقول الحمد لله الذى جعلني اجد في سبيل الله وفي سبيل ديني هذا البصاق وهذا الشتم وهذه الاهانة، وكان في داخله اصرار على ان ينقذ هذه المرأة وبناتها من معاناتها احس بأن الدنيا كلها سوف تفتح ابوابها له اذا انقذ تلك الاسرة من الضياع.
فأخذ يدعو الله لهذا السكير في مواطن الاستجابه ويطلب من الله ان يعينه على انقاذ تلك الاسرة من معاناتها الى الابد، كان الحزن يعتصر في قلبه وكان شغله الشاغل ان يرى ذلك السكير من المهتدين.
فحاول زيارته عدة مرات وفي اوقات مختلفه فلم يجد الا ما وجد سابقاً حتى انه قرر في احدى المرات ان لا يبرح من امام بيته الا ويتكلم معه فطرق عليه الباب في يوما من الايام فخرج اليه سكران يترنح كعادته وقال له : ألم اطردك من هنا عدة مرات لماذا تصر على الحضور وقد طردتك؟!!فقال له: هذا صحيح ولكنى احبك في الله واريد الجلوس معك لبضع دقائق والله عز وجل يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: من عاد اخ له في الله ناداه مناد من السماء ان طبت وطاب ممشاك وتبؤت من الجنة منزلا.
فخجل السكير من نفسه امام الحاح هذه الشاب المستمر رغم ما يلقاه منه وقال له ولكن انا الآن اشرب المسكر وانت يبدو في وجهك الصلاح والتقوى ولا يمكننى ان اسمح لك ان ترى ما في مجلسى من خمور احتراما لك فقال له: ادخلنى في مكانك الذى تشرب فيه الخمر ودعنا نتحدث وانت وتشرب خمرك فأنا لم اتي اليك لكى امنعك من الشرب بل جئت لزيارتك فقط فقال السكير: اذا كان الامر كذلك فتفضل بالدخول فدخل لاول مرة بيته بعد ان وجد الامرين في عدم استقباله وطرده وايقن ان الله يريد شيئاً بهذا الرجل.
ادخله الى غرفته التى يتناول فيها المسكر وتكلم معه عن عظمة الله وعن ما اعد الله للمؤمنين في الجنة وما اعد للكافرين في النار وفي اليوم الاخر وفي التوبه وان الله يحب العبد التائب اذا سأله الهدايه ثم تكلم في اجر الزيارة وما الى ذلك وان الله يفرح بتوبة العبد التائب فإذا سأله العبد الصالح قال الله له لبيك عبدي (مرة واحدة) واذا سأله العبد المذنب العاصى لربه قال الله له لبيك لبيك لبيك عبدي (ثلاث مرات) وكان يرى اسارير الرجل السكير تتهلل بالبشر وهو ينصت اليه بجوارحه كلها ولم يحدثه عن الخمرة وحرمتها ابدا وهو يعلم انها ام الكبائر وخرج من عنده بعد ذلك دون كلمة واحدة في الخمر فأذن له بالخروج على ان يسمح له بين الحين والحين بزيارته فوافق وانصرف.
بعد ذلك بأيام عاد اليه فوجده في سكره، وبمجرد ان طرق الباب عليه رحب به وادخله الى المكان الذى يسكر فيه كالعادة فتحدث ذلك الشاب عن الجنة وما عند لله من اجر للتائبين النادمين ولاحظ بأن السكير بدأ يتوقف عن الشرب بينما هو يتكلم فأحس انه اصبح قريبا منه وانه بدأ يكسر اصنام الكؤوس في قلبه شيئاً فشيئاً، وان عدم مواصلته للشرب دليل على انه بدأ يستوعب ما يقال له، فأخرج من جيبه زجاجة من الطيب الفاخر غالية الثمن فأهداها له وخرج مسرعاً وكان سعيداً بما تحقق له من هذه الزيارة من تقدم ملحوظ.
فعاد بعد ايام قليلة لهذا الرجل فوجده في حالة اخرى تماماً وان كان في حالة سكر شديدة ولكن هذه المرة بعد ان تكلم الشاب عن الجنة وما فيها من نعيم اخذ يبكي السكير كالطفل الصغير ويقول لن يغفر الله لى ابداً، لن يغفر الله لى ابداً وانا اكره المشائخ واهل الدين والاستقامة واكره الناس جميعاً واكره نفسي واننى حيوان سكير لن يقبلني الله ولن يقبل توبتي حتى وان تبت، فلو كان الله يحبني ما جعلني اتعاطى المسكرات ولا جعلني بهذه الحالة وهذا الفسق والفجور الذى اعيش فيه من سنوات مضت، فقال له الشاب الصالح وهو يحتضنه: ان الله يقبل توبتك وان التائب من الذنب كمن لا ذنب له وان باب التوبة مفتوح ولن يحول بينك وبين الله احد وان السعادة كلها في هذا الدين وان القادم سوف يكون اجمل لو سألت الله الهداية بقلب صادق مخلص وما عليك الا ان تسأل الله مخلصاً في طلب الهدايه والله عز وجل يقبلك وأن قيمته عند الله عظيمة، واشار اليه بأنه على سفر الآن مع مجموعة من اصدقائه المشائخ الى مكه المكرمه وعرض عليه ان يرافقهم فقال له السكير وهو منكسر القلب: ولكن انا سكران واصدقائك المشائخ لن يقبلوا بمرافقتي فقال له: لا عليك هم يحبونك مثلي ولا مانع لديهم ان ترافقهم بحالتك الراهنة فكل ما في الامر هو ان نذهب الى مكة المكرمه للعمرة فأذا انتهينا عدنا الى مدينتنا مرة اخرى وخلال رحلتنا سوف نسعد بوجودك بيننا فقال السكير: وهل تسمحون لى ان آخذ زجاجتي معى فأنا لا استغني عنها لحظة واحدة فقال له الشاب الصالح: بكل سرور خذها معك ان كان لابد من اخذها.
كانت نظرة هذا الشاب الصالح بعيدة جدا جدا رغم خطورة ان يحمل زجاجة الخمر في سيارته وان يحمل معه شخصاً سكيراً وسكران في نفس الوقت فالطريق الى مكة ممتلئ بدوريات الشرطة ولكنه قرر المجازفة من اجل انقاذ هذه المرأة وابناءها فمن يسعى لتحقق هدف عظيم تهون عنده الصغائر.
فقال له: قم الآن واغتسل وتوضأ والبس احرامك فخرج الى سيارته واعطاه ملابس الاحرام الخاصة به على ان يشترى هو غيرها فيما بعد، فأخذها ودخل الى داخل البيت وهو يترنح وقال لزوجته انا سوف اذهب الى مكة للعمره مع المشائخ فتهللت اسارير زوجته فرحا بهذا الخبر واعدت حقيبته ودخل الى الحمام يغتسل وخرج ملتفاً بأحرامه وهو
مازال في حالة سكره وكان الرجل الشاب الصالح البطل المغامر يستعجله حتى لا يعود في كلامه فلا يرافقهم ولم يصدق ان تأتي هذه الفرصة العظيمة لكى ينفرد به عدة ايام ويبعده عن السكر واصدقاء السوء فلو افاق فربما لن يذهب معهم او يدخل الشيطان له من عدة ابواب فيمنعه من مرافقته فعندما خرج اليه أخذه ووضعه في سيارته وذهب مسرعاً به بعد ان اتصل على اصدقائه من الاخوة الملتزمين الذين تظهر عليهم سمات الدين والصلاح والتقوى لكى يمر عليهم في منازلهم ويصطحبهم في هذه الرحلة المباركه.
انطلقت السيارة باتجاه مكه المكرمه، وكان الشاب الصالح على مقودها وبجواره السكير وفي المقعد الخلفي اثنان من اصدقائه الذى مر عليهم واخذهم معه، فقرأوا طوال الطريق قصار السور وبعض الاحاديث النبويه من صحيح البخارى وكلها في التوبه وفي الترغيب والترهيب بما عند الله من خير جزيل وفي فضائل الاعمال، كان السكير لا يعرف قراءة الفاتحة و(يلخبط) بها ويكسر فيها كيفما شاء، وعندما يأتي الدور عليه يقرأونها قبله ثلاثة مرات حتى يصححوا له ما اخطأ فيها بدون ان يقولوا له انت اخطأت وأنه لا يعقل أن يخطىء احد في الفاتحة، وهكذا حتى انتهوا من قراءة قصار السور عدة مرات، وقرأوا الاحاديث المختلفه في فضائل الاعمال وهو يسمع ولا يبدي حراك وقبل الوصول الى مكة قرر الثلاثة الاصدقاء ان لا يدخلوا مكة الا وقد افاق تماماً صاحبهم من السكر فقرروا المبيت في احدى الاستراحات على الطريق بحجة انهم تعبوا ويريدون النوم الى الصباح ومن ثم يواصلون مسيرهم وكان يلح عليهم بانه بأمكانه قيادة السيارة على ان يناموا هم اثناء قيادته السيارة فهو لن يأتيه النوم ابداً فقالوا له جزاك الله خير وبارك الله فيك نحن نريد ان نستمتع برحلتنا هذه بصحبتك وان نقضى اكبر وقت ممكن مع بعضنا البعض فوافق على مضض ودخلوا احدى الاستراحات المنتشرة على الطريق واعدوا فراش صاحبهم السكير وجعلوه بينهم حتى يرى ما سوف يفعلونه فقاموا يتذاكرون آداب النوم وكيف ينامون على السنه كما كان المصطفي عليه الصلاة والسلام ينام وكان ينظر اليهم ويقلدهم وما هى الا بضع دقائق حتى نام ذلك السكير في نوم عميق.

يتبـــــــ توبة مدمن ــــــــع
__________________