عرض مشاركة مفردة
  #42  
قديم 14-09-2004, 01:53 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile مع آيات السكينة :


مع آيات السكينة

إن البشرية اليوم تحتاج الى من يفتح لها نوافذ السكينة لتدلف النفوس الى واحات الرحمة ، ولتذوق طعم الراحة والطمأنينة ، لتُشرق حينئذ الحياة وتُذاق لذتها ، فلا يضر المرء حينها أن يعيش في وسط هذا الزخم المذهل من جمود الحياة وتقلص سعادتها ، فالعبد يحتاج الى كل ملطف يلطف به أرجاء نفسه لتصفو ، ويطرق كل باب يستطيعه ليترقى في درجات الفلاح ويعلو ، وإن القرآن الكريم أعظم ما تطمئن به القلوب وترتاح ، وأنجع ما تُدفع به الهموم والاتراح ، ونقتبس من معينه في هذه الكلمات آيات السكينة ، ونسلط عليها الضوء لنعرف الحق ونستبينه ، قال ابن القيم – رحمه الله - : وكان شيخ الإسلام إبن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة. وهذا من فقهه للكتاب والسنة على ما سنذكره من الآيات ، وقد استفاد ابن القيم من هذه الفائدة العظيمة من شيخه فعمل بها حيث يقول " وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه ، فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته " .

ياللــــه! ما أشد حاجتنا إلى هذا العلاج القرآني ، وحالات القلق والهموم والإضطرابات العصبية والأحزان ..، قد عصفت بكثير من أبناء الجيل ، فجعلتهم ما بين جريح وقتيل ، مع أن العلاج بسيط جدا ، والوصفة يملكها كل مسلم .
وهذه الآيات التي سأذكرها هي أحد بنود هذه الوصفة ، إذا قرأها موقنا بها قلبه ، فإنها – بإذن الله – من أعظم الأسباب في سكون القلب وتلاشي اضطرابه ، وهي تشمل كل ما ذكر من لفظ السكينة في القرآن ، جُمعت هنا ليسهل حفظها ، مع تذكير سريع بالأجواء التي نزلت فيها ليتيسر فهمها وهي كالتالي :

1- ( وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ){البقرة :248} قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير هذه الآية " و( التَّابُوتُ ) شيء من الخشب أو من العاج يُشبه الصندوق ، ينزل ويصطحبونه معهم ، و فيه السكينة – يعني أنه كالشيء الذي يُسكنهم ويطمئنون إليه – وهذا من آيات الله " و قال " وصار معهم – أي التابوت – يصطحبونه في غزواتهم فيه السكينة من الله سبحانه وتعالى : أنهم إذا رأوا هذا التابوت سكنت قلوبهم ، وانشرحت صدورهم "

2- في يوم حنين وفي تلك الساعات الحرجة ، التي قال الله عنها ( وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ {25} ) نزلت السكينة فقال تعالى : ( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) {التوبة : 26}

3- ولو نظر أحد المشركين الى ما تحت قدمه في يوم الهجرة لرأى النبي وصاحبه قال ابن سعدي : " فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة ، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما فأنزل الله عليهما من نصره مالا يخطر على بال " فقال تعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) {التوبة :40}

4- وفي الحديبية تزلزلت القلوب من تحكم الكفار عليهم فنزلت في تلك اللحظات السكينة فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ){الفتح :4} ، والظاهر - والله أعلم – بأن الحديبية كانت من أشد المواقف التي أُمتحن فيها المسلمون ، يدل على ذلك تنزّل السكينة فيها أكثر من مرة كان هذا الموقف أحدها .

5- وهذا الموقف الثاني الذي ذكر الله فيه تنزّل السكينة في الحديبية ، عند بيعة الرضوان حيث قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) {الفتح : 18} قال سيد قطب :

6- وهذه الآية السادسة والأخيرة وهي المرة الثالثة الذي ذكر الله تنزّل السكينة فيها في الحديبية فقال تعالى : ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ){الفتح :26}
يقول سيد قطب – رحمه الله – عن قوله تعالى ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ) " بهذا التعبير يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار ، تُضفي على القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة بردا وسلاما و طمأنينة وارتياحا "
فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية السكينة ، وأن بعض المواقف تحتاج الى تنزّل السكينة أكثر من مرة لأهميتها في تجاوز ذلك الموقف – والموفق من وفقه الله - .

فتأمل نزول السكينة في الساعات الحرجة ولحظات الإضطراب ، ثم تأمل حساسية المواقف التي نزلت فيها تلك الآيات و تنوع أشكالها ، لعلك تُدرك أثر السكينة في تثبيت النفس وسكون اضطرابها ، وعميق ما تُخلفه من ظلال وارفة على القلب قد آتت ثمارها .
فهذه آيات السكينة في القرآن ، وهذا بعض أثرها على قلبك أيها الإنسان ، فلتحفظها ولتكن منك على بال ، ولنقرأها على أنفسنا وأزواجنا والأطفال ، فإن الأثر عظيم ، والنتيجة معلومة .

اللهم لولاك ما اهتدينـا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلـن سكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا

اللهم اجعلنا ممن تتنزل عليه السكينة ، وتغشاه الرحمة ، وتحفه الملائكة ، واجعلنا ممن تذكره عندك عندك في الملأ الأعلى .... آمين ..آمين

فرحان العطار
__________________