عرض مشاركة مفردة
  #36  
قديم 11-07-2003, 02:15 PM
عابر سبيل عابر سبيل غير متصل
ابو معاذ
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: نيويورك
المشاركات: 2,259
إرسال رسالة عبر MSN إلى عابر سبيل
إفتراضي

لا عزاء للملة.. ولا للملالي:

قام النائب الشيعي الجنوبي رشيد بيضون يصيح في جلسة البرلمان اللبناني في 11-5-1944م، مطالباً بمنح الطائفة الشيعية حقوقها قائلاً: امنحوها حقها في الوظائف، وفي العلوم والمعارف، مدوا الطرقات وسهلوا المواصلات في أرجائها المحرومة، عززوا فلاحيها وعمالها، تعهدوها بالعناية اللازمة انظروا إليها نظرة احترام كما تنظرون إلى غيرها(2). كانت هذه الحال وصفاً لواقع الحياة الشيعية السياسية في ذلك الوقت، أما في الجانب التعليمي، فبالرغم من هذا الإحكام الشديد لطوق السيطرة الدينية الشيعية على الناس، إلا أن الوضع الديني والاجتماعي والتعليمي بلغ في لبنان وضعاً مزرياً، "فهذه القرى العاملية لا يُذكر فيها اسم الله - تعالى - في ليل ولا نهار، ولا فرق عند أهلها بين رمضان وشوال، أما مكانة عالم الدين فانحطت إلى أسفل الدركات: فهذا يموت جوعاً ولا يشعر به إنسان، وذاك تتهجم السفهاء على كرامته، فلا يجد ناصراً ولا معيناً، وآخر يتحزب للبيك والنائب ليأكل الرغيف"(19)، وقد دفعت هذه الحال الحاج سليمان البزي - أحد وجهاء الجنوب - إلى الشيخ محمد حسين الكاظمي - أشهر علماء العرب في العراق وقتها - يطلب أحد اثنين: السيد إسماعيل الصدر، أو السيد مهدي الحكيم، وقَبِلَ الحكيم المجيء على أن يُرسَلَ له مئتا ليرة عثمانية ذهباً.
كما عزف أبناء علماء كبار أمثال: محسن الأمين، وعبد الحسين شرف الدين وغيرهم عن طلب العلم الإمامي، بل وقد خلع بعضهم العمامة ولم يكمل العلم الشرعي وانصرف لغيره.
ولا يُخفي جواد مغنية مرارته حين يقول: إن ثلة من خيرة الشباب العاملي قضوا في طلب العلم والدين سنوات طوالاً، وبعد أن اجتمعت لهم الشروط تحولوا عنه مغتبطين حين وجدوا الفرصة للتحرر والانطلاق، هذه الظاهرة آيات بينات على عدم الثقة بمصير العلم ورجال الدين(20).
وكان طالب العلم في النجف يقيم مدة تؤهله لإصلاح إحدى القارات الخمس، فإذا عاد إلى بلده لم يحصل له من المال ما يتناوله حارس أو موظف بريد، فانحطت مكانة عالم الدين الاجتماعية والأدبية انحطاطاً ذريعاً، حتى لقد أخذ بعضهم على أهل جبل عامل ضنهم على العالم بالرغيف(21)!!
وقد تسببت هذه الحال في حسرة ومرارة شديدة لدى الشيعة؛ حيث مثلت هذه الحال حائطاً كبيراً أمام تحقيق الأحلام المنشودة، ولهذا يقول وضاح شرارة: ولا شك أن انصراف طلبة العلم الديني الإمامي إلى غيره وإحجام وَلَدِ من استووا أعلاماً على التشيع - ليس في جبل عامل أو لبنان وحده؛ بل في العالم العربي والإسلامي "الشيعي" كله - عن اقتفاء سنة آبائهم، ظهر ذلك بمظهر تنكب تاريخ برمته، ولما كانت الجماعة العاملية التي جرى مثقفوهـا مـن علماء وأفندية وأساتـذة علـى تسميتها بـ "الأمة" أناطت بتشيعها وببلائها وبلاء علمائها في حفظ التشيع ورعايته واستمرارها واستقلالها، وقع انقطاع المنقطعين عن طلب العلم النجفي عليها وعلى مثقفيها وقوعاً قاسياً وأليماً(22).
وقد كان من أسباب اضمحلال التعليم الإمامي في لبنان والعزوف عنه أنه كان يؤخذ على جامعة النجف - إضافة إلى البعد المكاني - انزواؤها وانكفاؤها، وبعدها عن العالم المحيط بها ومشكلاته وقضاياه، وإذ تركها من تركها منهم أقبل على السياسة وعلى الحياة السياسية إقبال النهم، وباشرها كتابة ودعاوى وتظاهراً وتنظيماً، أما من لم يتركها فقدم الدعوة إلى الإصلاح. واعتبر بعضهم أن أصل البلاء: هو عجز العلماء عن مماشاة العصر، وقال: "تطورت الحياة وجمدنا، وتكلم العصر وخرسنا، إن على العالم أن يتصل بجميع طبقات الشعب اتصالاً وثيقاً ويحيط بأحوالها مباشرة، ويسير بحسب التطور مع المحافظة على الدين الحقيقي"(23).
وبهذا فقد تمثلت المأساة الإمامية في لبنان في أمور عدة نوجزها بالآتي:
1 - غياب القيادة الدينية التي تمثل مرجعية واعية لتحقيق أحلام الطائفة.
2 - انكفاء العلم الإمامي على نفسه وعدم مواكبته لمتطلبات العصر.
3 - انحطاط مكانة العلم والعلماء بين عامة الناس وخواصهم.
4 - بُعد المدارس الدينية الشيعية الكبرى التي يتطلب شدُّ الرحال إليها والتحصيلُ العلمي منها مبالغَ مالية كبيرة، وهو ما لم يكن في مستطاع الكثير من الناس وقتها.
5 - انصراف أبناء العائلات الدينية الكبيرة والمشتهرة بأنها "بيوت علم ودين" عن طلب العلم الإمامي.
وهكذا اكتملت صورة المأساة للواقع الشيعي في لبنان، ولكن مع نهاية منتصف هذا القرن الميلادي كانت هناك بدايات جديدة لحياة جديدة.


وسيأتى تمام هذا ان شاء الله تعالى .
__________________



كلما حاولت اعدل في زماني .. قامت الامواج تلعب بالسفينه