عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 08-10-2002, 02:39 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

بالمناسبة ثمة قول للأخ "تشي" ألقي على عواهنه (لا أعرف كيف يقوله وهو تشي!)
هو يقول عن الحكومة في عهد عبد الناصر"حكومته الغاشمة التى فتحت باب مصر على مصرعيه لتيارات الشيوعية و الالحاد."
هناك فرق بين الكلام التشهيري الذي تعودت تيارات السياسة العربية المتصارعة أن تستعمله وهو كلام غير مسؤول ولا يزيد في موضوعيته وعلميته عن الشتائم ومنطقه منطقها،وبين الكلام العلمي المسؤول الموثق.
فإن قلنا إن الحكومة الناصرية فتحت أبواب مصر لتيارات الشيوعية والإلحاد فهذا يتضمن أولاً أن هذه الأبواب قبلها كانت مغلقة!
ولا يقول هذا في اعتقادي إلا من معرفته سطحية بتاريخ الثقافة الحديثة في مصر،إذ أن أعتى الملاحدة المجاهرين والذين اتخذوا نشر الإلحاد مبدأ لهم لم يوجدوا في عهد عبد الناصر بل وجدوا في مصر بداية القرن العشرين الميلادي في عهد السلطة المزدوجة بين القصر المالك والاحتلال الإنجليزي والوزارة الحزبية.
فمن هؤلاء مثلاً شبلي شميل الذي نشر مبدأ النشوء والارتقاء لداروين مركزاً على طابعه المعادي للدين وسلامة موسى الذي كان يجاهر أيضاً بعدائه للدين والعروبة وتأييده المطلق بلا قيود لتغريب الثقافة المصرية.وغير هؤلاء كثير وإنما ذكرت اسمين شهيرين.
في المقابل لم تعد في مصر في عهد عبد الناصر دعاية إلحادية صريحة، ولكن دخل بالفعل عامل يساري قوي في الثقافة والأدب فهل كان الشيوعيون نتاجاً لعهد عبد الناصر؟
الحديث عن العلاقة بين اليسار والثقافة العربية يطول وأوجز هنا الخلاصة المفيدة له:إن الثقافة العربية المؤثرة في الخمسينات والستينات وبداية السبعينات الميلادية كانت يسارية وكانت هذه هي الموضة في العالم بأسره.
وللتأكد ليراجع القارئ الحصيف أسماء أكبر الشعراء والروائيين والمفكرين العرب في تلك الحقبة:
من السياب والبياتي ومظفر النواب في العراق إلى حنا مينه وشوقي بغدادي وممدوح عدوان في سوريا إلى غسان كنفاني ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وأميل حبيبي في فلسطين إلى أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح جاهين في مصر إلى الطاهر وطار (الذي تحول تحولاً أصيلاً وصار من أعمدة العربية والأصالة الآن) في الجزائر إلى عبد الله العروي ومحمد الزفزاف وغيرهما في المغرب.وغير هؤلاء كثير فالفكر اليساري كان هو السائد وفي المقابل كان الأدب الإسلامي يعاني (ولا يزال مع الأسف في اعتقادي وهذا موضوع جدير بالبحث لوحده) من أزمة بنيوية تجعله خارج التأثير في الثقافة العربية المعاصرة.
النظام الناصري إذن لم يكن هو "الذي فتح الباب" لهذا التأثير.ولو جئنا إلى التعبير السياسي الذي هو الحزب الشيوعي المصري،فإن من خطل القول الادعاء أن عبد الناصر شجع هذا الحزب فقد افتتح عهد الضباط الأحرار بإعدام شيوعيين ويساريين نظموا إضراباً في كفر الدوار ثم أدخل الشيوعيون المعتقلات مثل غيرهم ذلك أن النظام الناصري كان ضد وجود أحزاب من حيث المبدأ!
وقد عمل اليساريون بعد حل الحزب الشيوعي بالفعل في منابر ثقافية مصرية ،ولكني لا أعتقد أن السبب كان تشجيعاً حكومياً،ولم يكن كبار قادة النظام لا من الشيوعيين ولا من المتعاطفين مع الشيوعية(والرمز الوحيد الذي كان يحسب على اليسار في مجلس قيادة الثورة وهو خالد محيي الدين استقال أو أقيل منذ البداية)
فإن جئنا إلى علاقة النظام الناصري بالاتحاد السوفييتي ولم نرد أن نساير الشتائم المتبادلة بين الإخوان والنظام الناصري،فسنجد أن هذه العلاقة كانت نفعية وهي أبعد ما تكون عن المبدئية،إذ بدأت بعد رفض الدول الغربية تسليح الجيش المصري وتمويل السد العالي.ومن الخطل الكبير الاعتقاد أن عبد الناصر أو أركان حكمه كانوا يتعاطفون في قليل أو كثير مع المبدأ الشيوعي.
أقول هذا كشهادة موضوعية محايدة بصفتي قضيت أكثر السنين الأخيرة وأنا أقرأ تاريخ الثقافة العربية الحديثة وخصوصاً في مصر.