عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 09-08-2005, 10:36 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليهما

فأقول : العودة إلى هذا الدين -الذي هو الدواء لما أصاب المسلمين اليوم -يتطلب أمرين اثنين طالما أكني عنهما بالتصفية والتربية ، وأعني بالتصفية : أن يقوم علماء المسلمين الذين يتبنون هذا المنهج الصحيح من فهم الإسلام على ما كان عليه سلفنا الصالح بتصفية هذا الإسلام مما دخل فيه مما هو برئ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب - كما يُقال في بعض الأمثال -وأن يدعوا الناس إليه سواء ما كان متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام - التي اختلف فيها كثيراً - أو الأخلاق أو السلوك فلا بد من تصفية الإسلام في كل ما يتعلق بهذا الإسلام الذي أتمه الله عز وجل علينا كما سبق بيانه في الآية وأؤكد ذلك بالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تركت شيئاً يُقربكم إلى الله ويبعدكم عن النار إلا وأمرتكم به وما تركت شيئاً يُبعدكم عن الله ويُقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه" صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم : 1803 ) .
هنا يرد بيان لا بد لي منه -لمن كان يُريد أن يتمشَّى مع هذا المنهج الصحيح -وهو: أن كثيراً من العلماء قديما وحديثا يعلمون فكراً أن السنة دخل فيها ما لم يكن منها حتى في القرن الأول حيث بدأت بعض الفرق الضالة ترفع أصواتها وتدعو إلى مخالفة الكتاب والسنة باتباعها لأهوائها كما جاء عن أحد الخوارج حينما هداه الله عز وجل إلى السنة فقال: "انظروا من أين تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً" انظر : ( الجامع لأخلاق الراوي للحافظ البغدادي - رحمه الله تعالى - تحقيق : د.محمود الطحان - برقم : 161 ) .
ولذلك جاء عن ابن سيرين - رحمه الله -وهو التابعي الجليل الذي كان يُكثر من الرواية عن حافظ الصحابة للسنة والحديث ألا وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال : " انظروا من أين تأخذون دينكم" ( مسلم في مقدمة صحيحه في باب : بيان أن الإسناد من الدين ) .
وقد رُوي هذا حديثا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا يصح رفعه والصحيح أنه مقطوع موقوف على ابن سيرين - رحمه الله - ولذلك قال بعض أئمة الحديث : " الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء في الدين" هو من كلام الإمام الجليل عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى - كما في الموضع السابق من مقدمة صحيح مسلم . إذا كان الأمر كذلك باتفاق العلماء نظرياً -وأعني ما أقول حينما أقول نظرياً-ذلك لأني أريد أن أقول حقيقة مرة ألا وهي : أن هذا الإسناد لم يهتم به جماهير العلماء الاهتمام الواجب وإنما اهتم به طائفة من علماء المسلمين وهم أئمة الحديث كالإمام أحمد بن حنبل والإمام يحيى بن معين وعلي بن المديني وتلامذتهم كالإمام البخاري ومسلم وغيرهم من أئمة الحديث والنقاد الذين تكلموا في الرواة جرحاً وتعديلاً هؤلاء هم الذين يجب الرجوع إليهم والاعتماد عليهم لإجراء التصفية في هذه السنة التي يجب الرجوع إليها بعد تصفيتها. كتب السنة الآن متوفرة وذلك من تمام عناية الله عز وجل بهذه الأمة ووفاء منه بالحكم الذي ذكره في القرآن الكريم : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . ( الحجر : 9 ) .

الرجوع إلى السنة كالرجوع إلى القرآن

وبهذه المناسبة لا بد لي من التذكير بأن هذه الآية الكريمة حينما تُذكر يتوهم بعض الناس -ممن لا علم عندهم بالسنة أو لا يقيمون وزناً للسنة -أن الحفظ الذي ضمنه الله عز وجل في هذه الآية إنما هو خاص بالقرآن الكريم فأقول : نعم ربنا عز وجل ذكر الذكر في الآية فهو قد حفظ القرآن الكريم بحروفه ولكنه حفظ معانيه بسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فلا يمكن تحقيق هذه التصفية للسنة إلا من طريق علماء الحديث وبالتالي لا يمكن فهم القرآن إلا بطريق هذه السنة المصفاة وإلا وقع المسلمون فيما وقعت فيه الفرق الخارجة عن الفرقة الناجية وذلك لأن القرآن - كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه -حمّالٌ ذو وجوه

انظر : ( مفتاح الجنة للإمام السيوطي - رحمه الله تعالى - تحقيق : الشيخ بدر البدر - حفظه الله تعالى - ص 128 ) وفيه أن هذه الكلمة من قول علي لابن عباس - رضي الله عنهم - . والمأثور عن عمر - رضي الله عنه - : " إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن , فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله " . انظر المصدر السابق ص 127 .
أي : يتحمل عدة معانٍ ولذلك قال ربنا عز وجل: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم ) ( النحل : 44 ) .
وأنزلنا إليك الذكر يا محمد لتبين للناس بسنتك ما نُزِّلَ إليهم من القرآن الكريم ففي هذه الآية ما يشير إلى أن فيها ما هو مبيَّن وما هو مبيِّن فالمُبَيَّن هو القرآن المنزل المُكنّى عنه بالذكر والمُبَيِّن هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المخاطب بهذه الآية ولذلك فلا سبيل إلى فهم القرآن إلا بالسنة الصحيحة ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمرين اثنين ليتحقق هذا البيان تحققاً صحيحاً .
الأمر الأول : حذر أمته صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقولوا عليه ما لم يقل حتى تبقى السنة كما تلفظ بها صلى الله عليه وآله وسلم أو كما فعلها أو كما أقرها ففي الحديث المتواتر عنه: " من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ( البخاري في عدة مواضع منها برقم :110 و 1291 ) , ( مسلم في مقدمة صحيحه في باب : تغليظ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . وفي لفظ آخر: "من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( صحيح سنن ابن ماجه برقم :34 و 35 ) والأمر الآخر الذي نبَّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته عليه هو : وجوب الرجوع إلى السنة كما يرجعون إلى القرآن ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً حللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله" . صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( صحيح سنن الترمذي برقم : 2663 و 2664 ) .
بالجمع بين هذين الأمرين اللذين نبَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهما يمكننا أن نفهم الدين الذي جعله عليه الصلاة والسلام دواءنا من أدوائنا التي حلت بنا وأحاطت بنا من كل جانب هذا هو الأمر الأول ، والأمر الآخر الذي أكني عنه هو: التربية ، فبعد أن يقوم العلماء بهذا الواجب من التصفية وقد بينت ما أعني بهذه الكلمة أقول : لا بد لهم من أن يقرنوا مع هذه التصفية تربية ذويهم ورعيتهم على هذا الإسلام المصفى ذلك لكي لا نكون من الذين يقولون ما لا يفعلون وقد قال ربنا عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ( الصف : 2 - 3 ) .
ولذلك جاء الوعيد الشديد في حق من لا يعمل بعلمه كما قلنا في الحديث السابق الذي قال فيه عليه السلام : " بشر هذه الأمة بالرفعة والسناء والمجد والتمكين في الأرض" ثم قال عليه الصلاة والسلام: " فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب " ( سبق تخريجه ) فهذا الحديث يوجب علينا أننا إذا عملنا بديننا المصفى أن يكون عملنا خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، كما قال ربنا عز وجل: ( وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). ( البينة : 5 ) . وهاهنا كلام نفيس من درر إمامنا - رحمه الله تعالى - يجدر بنا أن نثبته بتمامه ودونك نصه من رسالته القيّمة المفرغة من محاضرة بعنوان : ( سؤال وجواب حول فقه الواقع ) ص40 - 42 : (مفتاح عودة مجد الإسلام : تطبيق العلم النافع , والقيام بالعمل الصالح , وهو أمر جليل لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه إلا بإعمال منهج التصفية والتربية , وهما واجبان مهمان عظيمان : وأردت بالأول منهما أموراً : الأول : تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها , كالشرك , وجحد الصفات الإلهية , وتأويلها , ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها . الثاني : تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة, وتحرير العقول من آصار التقليد, وظلمات التعصب. الثالث : تصفية كتب التفسير , والفقه , والرقائق , وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة, والإسرائيليات والمنكرات . وأما الواجب الآخر: فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا ؛ تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره ، دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة . ومما لا ريب فيه ؛ أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهوداً جبارة متعاونة مخلصة بين المسلمين كافة : جماعات وأفراداً ؛ من الذين يهمهم حقاً إقامة المجتمع الإسلامي المنشود , كل في مجاله واختصاصه ) .
هذا ما أردت أن أقوله بمناسبة هذه الأسئلة الطيبة التي وردت من هذه الجمعية المباركة إن شاء الله - جمعية القرآن والسنة - .
نسأل الله عز وجل أن يلهمنا وإياكم فهم الإسلام فهماً صحيحاً على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة وعلى منهج السلف الصالح وأن يوفقنا حكاماً ومحكومين للعمل بهذا الإسلام المصفى .
أسأل الله بأنه الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن يتقبل دعاءنا هذا وأن ينصرنا على أعدائنا إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين .

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }