عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 12-10-2006, 02:42 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

التأثيرات الشاذة لهجرات العالم الثالث في المسار الإنمائي :

أخذت الهجرة الحديثة خلال قرن من الزمان أو يزيد ، أشكالا اختلفت عما كانت عليه في حالة هجرة الأوروبيين التي سبقتها و سبق أن تحدثنا عنها :

الشكل الأول : هجرة الأدمغة ، العلماء والأطباء و المهندسين والحقوقيين والتقنيين وغيرهم من خيرة أبناء العالم الثالث .. وعلينا تصور كم هي المبالغ التي صرفتها دولهم ( كحكومات ) أو ذويهم ( كأهالي لتلك الدول النامية) ، حتى وصلوا لتلك الدرجة من المعرفة العلمية .. تلك الهجرة كان يرافقها اليأس والقنوط من عودة المهاجرين فيها .. وقد انتبهت اليونسكو لهذا النوع من الهجرة وما تسببه من إطالة عمر التخلف في الدول النامية ..

الشكل الثاني : هجرة رافقت التغييرات العنيفة للأوضاع السياسية في دول العالم الثالث من خلال الانقلابات و الثورات والفتن ، وعدم استتباب الأمن .. حيث يهاجر المقاولون ورجال الأعمال والصناعيين وأموالهم .. وبعد تحسن ظروف بلادهم التي تركوها ، يصبحوا رأس حربة لرجال أعمال والشركات الكبرى في الدول التي هاجروا إليها .. وسيكونون بالتأكيد أقرب لتمثيل مواطنهم الجديدة وليس بلادهم الأصلية ، وتلك مصيبة جديدة ..

الشكل الثالث : هجرة المعدمين والعاطلين عن العمل ، الذين يذهبون لكي يوفروا بعض أسباب الحياة لمن تركوا في بلادهم من أهالي معدمين ، عن طريق تحويل الأموال التي يحصلوا عليها الى أهاليهم .. وقد قدرت تلك الأموال بنهاية الثمانينات في العالم بما يقارب المائة مليار دولار ، وهو رقم مشكوك فيه ، لأن كثيرا من الأموال تحول دون معرفة البنوك و دوائر الإحصاء ..

إن هذا النمط من الهجرة هو ذو صبغة اجتماعية بحتة ، فقد نرى أناسا يتعففوا أو يستنكفوا من ممارسة عمل حقير في بلادهم ، ولكنهم لا يستنكفون من عمله في بلاد الهجرة ، وهذا يلاحظ في الهجرة بين الدول العربية فيما بينها ، كما يلاحظ في دول شرق جنوب آسيا .. فالمهاجرون يقومون بأعمال يترفع أبناء الدول التي هاجروا إليها من عملها كتنظيف الشوارع والخدمة في البيوت والمزارع و أعمال البناء اليدوية .. وهذا النوع من الهجرة أربك دول العالم الثالث التي تستقبل هذا الصنف من المهاجرين الذين يقبلوا بأجور تقل عن نصف ما يطلبه أبناء البلد المضيف ، مما فاقم من البطالة وخلق أجواء غير سوية .

تبسيط وصفات التنمية أو أسباب تلاقي الليبراليين والماركسيين في شأن العالم الثالث :

انحصر اهتمام الدول المتقدمة بدول العالم الثالث بنقطة محورية ، هي تخفيض نسبة التزايد السكاني في تلك الدول .. وقد خذلت أجهزة الإحصاء في دول العالم الثالث رؤى الدول المتقدمة ، لعجزها التقني في عمليات الإحصاء، من جهة ولعدم جديتها في تحقيق رغبة الدول المتقدمة ..

كما اتسمت الوصفات الغربية كما هي الماركسية في تحويل الحديث عن دول العالم الثالث الى مواضيع إنشاء . ففي حين تتعاون أجهزة التبشير بالدين المسيحي التي كانت تربط التقدم باعتناق النصرانية ، وهنا ستصطدم بأكثر من عائق ، وأجهزة ليبرالية كان همها ربط تلك الدول بالسياسة الاقتصادية الغربية ونهب موادها الخام وجعل مواطنيها على مسافة كبيرة من التقدم الحقيقي ، لكي يبقوا مستهلكين لما يضخ عليهم المجتمع الرأسمالي من بضائع ..

وقد كتب مجموعة من منظري الاقتصاد الليبرالي توصيات مشروحة بإسهاب عن رؤاهم في تطوير دول العالم الثالث من أمثال (W.W.ROSTOW) صاحب كتاب مراحل النمو في دول العالم الثالث المثير للسخرية .. وألبرت هيرشمان صاحب نظرية دفعة للأمام التي تدعو للقيام باستثمارات ضخمة في دول العالم الثالث لتكون بمثابة الرافعة لاقتصادها !

كما أن الماركسية التي دعت الى تأميم المصانع و القضاء على الإقطاع ، خلقت للدول التي طبقتها مشاكل لم تكن تعهدها قبل ذلك ، ففي حين هرب أصحاب رأس المال أموالهم الى الخارج ، وفككت مصانع خوفا من تأميمها ، وحاربت القوى البرجوازية فكرة الاشتراكية خوفا على مصالحها ، واصطفت الى جانب الإمبريالية العالمية ، وسهلت مهامها .. كما أن الفلاحين الذين كانوا يعملوا تحت نظام إقطاع قديم ، كرهوا فكرة العمل الزراعي لما يرتبط بها بذاكرتهم من بؤس .. فانهار النظام الزراعي مؤقتا .. لتبدأ الأراضي بالتردي .

كما أن الفساد الإداري الذي اقترن بالتغييرات العامة في دول العالم الثالث ، منع من تقدم الوصفات الموصوفة من قبل خبراء الليبراليين والاشتراكيين ، وذلك للسكوت الخارجي على هذا الفساد .. هذا بالإضافة لما تحملته دول العالم الثالث من مديونية كبيرة ، وهذا ما سنتحدث عنه في المرة القادمة .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس