عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 17-04-2006, 07:24 AM
adelsalafi adelsalafi غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
المشاركات: 600
إفتراضي

ففي الكتاب:
في صورة ص قال: ]لما خلقت يدي[ [ص:57]، والمقام مقام تشريف، ولو كان الله خلقه بأكثر من يدين، لذكره، لأنه كلما ازدادت الصفة التي بها خلق الله هذا الشيء، ازداد تعظيم هذا الشيء.
وأيضاً: في سورة المائدة قال: ]بل يداه مبسوطتان[ [المائدة: 64]، في الرد على من قالوا: ]يد الله[، بالإفراد، والمقام مقام يقتضي كثرة النعم، وكلما كثرت وسيلة العطاء، كثر العطاء، فلو كان لله تعالى أكثر من اثنتين لذكرهما.
أما السنة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "يطوي الله تعالى السماوات بيمينه والأرض بيده الأخرى.
قال r: "كلتا يديه يمين".
ولم يذكر أكثر من اثنتين.
وأجمع السلف على أن لله يدين اثنتين فقط بدون زيادة.
فعندنا النص من القرآن والسنة والإجماع على أن لله تعالى يدين اثنتين، فيكف نجمع بين هذا وبين الجمع: ]مما عملت أيدينا[ [يس: 71]؟!
فنقول الجمع على أحد الوجهين:
فإما أن نقول بما ذهب إليه بعض العلماء، من أن أقل الجمع اثنان، وعليه، فـ]أيدينا[ لا تدل على أكثر من اثنتين، يعني: لا يلزم أن تدل على أكثر من اثنين، وحينئذ تطابق التثنية: ]بل يداه مبسوطتان[، ولا إشكال فيه.
فإذا قلت: ما حجة هؤلاء على أن الجمع أقله اثنان؟
فالجواب: احتجوا بقوله تعالى: ]إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما[ [التحريم: 4]، وهما اثنتان، والقلوب جمع، والمراد به قلبان فقط، لقوله تعالى: ]ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه[ [الأحزاب: 4]ٍ، ولا لامرأة كذلك.
واحتجوا أيضاً بقول الله تعالى: ]فإن كان له إخوة فلأمه السدس[ [النساء: 11]، فـ]إخوة[ جمع، والمراد به اثنان.
واحتجوا أيضاً بأن جماعة الصلاة تحصل باثنين.
ولكن جمهور أهل اللغة يقولون: إن أقل الجمع ثلاثة، وإن خروج الجمع إلى الاثنين في هذه النصوص لسبب، وإلا فإن أقل الجمع في الأصل ثلاثة.
وإما أن نقول: إن المراد بهذا الجمع التعظيم، تعظيم هذه اليد وليس المراد أن لله تعالى أكثر من اثنتين.
ثم إن المراد باليد هنا نفس الذات التي لها يد، وقد قال الله تعالى: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس[ [الروم: 41]، أي: بما كسبوا، سواء كان من كسب اليد أو الرجل أو اللسان أو غيرها من أجزاء البدن، لكن يعبر بمثل هذا التعبير عن الفاعل نفسه.
ولهذا نقول: إن الأنعام التي هي الإبل لم يخلقها الله تعالى بيده، وفرق بين قوله: ]مما عملت أيدينا[، وبين قوله: ]لما خلقت بيدي[، فـ: ]مما عملت أيدينا[، كأنه قال: مما عملنا، لأن المراد باليد ذات الله التي لها يد، والمراد بـ]بيدي[: اليدان دون الذات.
وبهذا يزول الإشكال في صفة اليد التي وردت بالإفراد والتثنية والجمع.
فعلم الآن أن الجمع بين المفرد والتثنية سهل، وذلك أن هذا مفرد مضاف فيعم كل منا ثبت لله من يد.
وأما بين التثنية والجمع، فمن وجهين:
أحدهما: أنه لا يراد بالجمع حقيقة معناه ـ وهو الثلاثة فأكثر ـ بل المراد به التعظيم كما قال الله تعالى: ]إنا[ و ]نحن[ و ]وقلنا[.... وما أشبه ذلك، وهو واحد، لكن يقول هذا للتعظيم.
أو يقال: إن أقل الجمع اثنان، فلا يحصل هنا تعارض.
وأما قوله تعالى: ]والسماء بنيناها بأيد[ [الذاريات: 47]، فالأيد هنا بمعنى القوة، فهي مصدر آد يئيد، بمعنى: قيد، وليس المراد بالأيد صفة الله، ولهذا ما أضافها الله إلى نفسه، ما قال: بأيدينا! بل قال: ]بأيد[، أي: بقوة.
ونظير ذلك قوله تعالى: ]يوم يكشف عن ساق[ [القلم: 42]، فإن لعلماء السلف في قوله: ]عن ساق[: قولين:
القول الأول: أن المراد به الشدة.
والقول الثاني: أن المراد به ساق الله عز وجل.
فمن نظر إلى سياق الآية مع حديث أبي سعيد، قال: إن المراد بالساق هنا ساق الله. ومن نظر إلى الآية بمفردها، قال: المراد بالساق الشدة.
فإذا قال قائل: أنتم تثبتون أن لله تعالى يداً حقيقية، ونحن لا نعلم من الأيدي إلا أيادي المخلوقين، فيلزم من كلامكم تشبيه الخالق بالمخلوق.
فالجواب أن نقول: لا يلزم من إثبات اليد لله أن نمثل الخالق بالمخلوقين، لأن إثبات اليد جاء في القرآن والسنة وإجماع السلف، ونفى مماثلة الخالق للمخلوقين يدل عليه الشرع والعقل والحس:
- أما الشرع، فقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].
- وأما العقل، فلا يمكن أن يماثل الخالق المخلوق في صفاته، لأن هذا يعد عيباً في الخالق.
- وأما الحس، فكل إنسان يشاهد أيدي المخلوقات متفاوتة ومتباينة من كبير وصغير، وضخم ودقيق.. إلخ، فيلزم من تباين أيدي المخلوقين وتفاوتهم مباينة يد الله تعالى لأيدي المخلوقين وعدم مماثلته لهم سبحانه وتعالى من باب أولى.
هذا، وقد خالف أهل السنة والجماعة في إثبات اليد لله تعالى أهل التعطيل من المعتزلة والجهمية والأشعرية ونحوهم، وقالوا: لا يمكن أن نثبت لله يداً حقيقية، بل المراد باليد أمر معنوي، وهو القوة!! أو المراد باليد النعمة لأن اليد تطلق في اللغة العربية على القوة وعلى النعمة.

ففي الحديث الصحيح حديث النواس بن سمعان الطويل: "أن الله يوحي إلى عيسى أني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم"، والمعنى: لا قوة لأحد بقتالهم، وهم يأجوج ومأجوج.
وأما اليد بمعنى النعمة، كثير، ومنه قول رسول قريش لأبي بكر: "لولا يد لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك")، يعني: نعمة.
وقول المتنبي:
وكم لظلام الليل عندك من يد تحدث أن المانوية تكذب
والمانوية: فرقة من المجوس الذين يقولون: إن الظلمة تخلق الشر، والنور يخلق الخير. فالمتنبي يقول: إنك تعطي في الليل العطايا الكثيرة التي تدل على أن المانوية تكذب، لأن ليلك يأتي بخير.
فالمراد بيد الله: النعمة، وليس المراد باليد اليد الحقيقية، لأنك لو أثبت لله يداً حقيقية، لزم من ذلك التجسيم أن يكون الله تعالى جسماً، والأجسام متماثلة، وحينئذ تقع فيما نهى الله عنه في قوله: ]فلا تضربوا لله الأمثال[ [النحل: 74].
ونحن أسعد بالدليل منك أيها المثبت للحقيقة!! نقول: سبحان من تنزه من الأعراض والأبعاض والأغراض!! لا تجد مثل هذه السجعة لا في الكتاب ولا في السنة.
وجوابنا على هذا من عدة وجوه:
أولاً: أن تفسير اليد بالقوة أو النعمة مخالف لظاهر اللفظ، وما كان مخالفاً لظاهر اللفظ، فهو مردود، إلا بدليل.
ثانياً: أنه مخالف لإجماع السلف، حيث إنهم كلهم مجمعون على أن المراد باليد اليد الحقيقية.
فإن قال لك قائل: أين إجماع السلف؟ هات لي كلمة واحدة عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، يقولون: إن المراد بيد الله الحقيقية!.
أقوله له: ائت لي بكلمة واحدة عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو غيرهم من الصحابة والأئمة من بعدهم يقولون: إن المراد باليد القوة أو النعمة.
فلا يستطيع أن بذلك.
إذاً، فلو كان عندهم معنى يخالف ظاهر اللفظ، لكانوا يقولون به، ولنقل عنهم، فلما لم يقولون به، علم أنهم أخذوا بظاهر اللفظ وأجمعوا عليه.
وهذه فائدة عظيمة، وهي أنه إذا لم ينقل عن الصحابة ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، فإنهم لا يقولون بسواه، لأنهم الذين نزل القرآن بلغتهم، وخاطبهم النبي r بلغتهم، فلا بد أن يفهموا الكتاب والسنة على ظاهرهما، فإذا لم ينقل عنهم ما يخالفه، كان ذلك قولهم.
ثالثاً: أنه يمتنع غاية الامتناع أن يراد باليد النعم أو القوة في مثل قوله: ]لما خلقت بيدي[ [ص: 75]، لأنه يستلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط، ونعم الله لا تحصى!! ويستلزم أن القوة قوتان، والقوة بمعنى واحد لا يتعدد فهذا التركيب يمنع غاية المنع أن يكون المراد باليد القوة أو النعمة.
هب أنه قد يمكن في قوله: ]بل يداه مبسوطتان[ [المائدة: 64]: أن يراد بهما النعمة على تأويل، لكن لا يمكن أن يراد بقوله: ]لما خلقت بيدي[ النعمة أبداً.
أما القوة، فيمتنع أن يكون المراد باليدين القوة في الآيتين جميعاً، في قوله: ]بل يداه[ وفي قوله: ]لما خلقت بيدي[، لأن القوة لا تتعدد.
رابعاً: أنه لو كان المراد باليد القوة، ما كان لآدم فضل على إبليس، بل ولا على الحمير والكلاب، لأنهم كلهم خلقوا بقوة الله، ولو كان المراد باليد القوة، ما صح الاحتجاج على إبليس، إذ إن إبليس سيقول: وأنا يا رب خلقتني بقوتك، فما فضله علي؟!
خامساً: أن يقال: إن هذه اليد التي أثبتها الله جاءت على وجوه متنوعة يمتنع أن يراد بها النعمة أو القوة، فجاء فيها الأصابع والقبض والبسط والكف واليمين، وكل هذا يمتنع أن يراد بها القوة، لأن القوة لا توصف بهذه الأوصاف.
فتبين بهذا أن قول هؤلاء المحرفين الذين قالوا: المراد باليد القوة باطل من عدة أوجه.
وقد سبق أن صفات الله عز وجل من الأمور الخبرية الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال، وما كان هذا سبيله، فإن الواجب علينا إبقاؤه على ظاهره، من غير أن نتعرض له.


شرح الواسطية لشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين