الموضوع: الطوفان
عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 05-07-2005, 02:21 PM
الهلالى الهلالى غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
المشاركات: 1,294
إفتراضي

شهادة مصطفى بكرى



منذ الصباح الباكر، كانت سيارات الميكروباص، تنقل الجيوش الزاحفة، وجوه غريبة، عيون يتطاير منها الشرر.. جاءوا بهم من كل حدب وصوب، أخرجوهم من الزنازين، ووعدوهم بالمكافأة إن استطاعوا إنجاز المهمة علي الوجه الأكمل.. دفعوا بهم أمام اللجان الانتخابية، لقد تلقوا التدريبات جيدا علي يد خبراء محترفين، امسكوا في أيديهم بالمطاوي والخناجر والسيوف ووقفوا يتربصون بالناخبين.. لم يكن المشهد عاديا، إنه إبداع جديد، صاغته عقول شيطانية، رأت فيه أن ذلك هو الأسلوب المناسب للتعامل مع الشعب المصري!! صدق الناس حديث الرئيس، ودعوته لهم بالمشاركة في الانتخابات، زحفوا إلي أقسام ومراكز الشرطة وقيدوا أسماءهم في اللجان الانتخابية، هذه المرة كان لديهم يقين بأن الإشراف القضائي علي الانتخابات سوف يضع حدا لعمليات التزوير، وينهي إلي غير رجعة بلطجة الحزب الحاكم وأجهزته المختلفة.. في دائرة حلوان والتبين لم أصدق ما رأيت، منذ الصباح الباكر قرروا حسم الانتخابات علي طريقتهم، قرءوا الخريطة جيدا كنت قد حصلت في الجولة الأولي علي 7500 صوت، وكان منافسي وزير الأوقاف السابق محمد علي محجوب قد حصل علي أربعة آلاف صوت، ولكن يا للعجب فقد انقلب الحال في انتخابات الإعادة فحصل هو بقدرة قادر علي 7500 صوت وحصلت أنا علي أربعة آلاف صوت!! كان المشهد مفزعا في انتخابات الإعادة، جحافل الأمن المركزي تزحف إلي حلوان منذ الواحدة صباحا، تحتل كافة اللجان الانتخابية ، الضباط يصطحبون معهم الكلاب البوليسية الشرسة، وبعد قليل تصل سيارات الميكروباص، حيث يجري توزيع البلطحية والمسجلات آداب علي كافة اللجان التي حققت فيها أعلي الأصوات في الجولة الأولي من الانتخابات، كانت النساء المسجلات يرتدين ملابس صارخة، يطلقن ألفاظا تخدش الحياء، ما أن تتقدم سيدة للإدلاء بصوتها حتى يبدأ فاصل الردح الفظيع الذي لا يستطيع أحد أن يجابهه. كانت المسجلات يمسكن بزجاجات القار الأسود، وكان البلطجية يمسكون بالسيوف والمطاوي ويهددون كل من يقترب من صناديق الانتخابات. تجمهر الناس في كل مكان، رحنا نستنجد بالقضاة، لم يستطع رئيس اللجنة العامة أن يفعل شيئا، لقد راح ضباط الشرطة يهددون كل قاضي يحاول أن يسأل عن السبب.. في مدينة 15 مايو كان عدد المصوتين في الجولة الأولي يزيد علي الألفين وخمسمائة حصلت علي اغلبها، وفي جولة الإعادة بلغ عدد المصوتين فقط حوالي 16 صوتا، انهم المندوبون الذين سمحوا بدخول بعضهم إلي داخل اللجان.. كانت المطاردات التي يقوم بها البلطجية والمسجلات تجري تحت حماية ورعاية أمنية كاملة، كنا نستنجد بالكبار والصغار لكن الجميع قرروا صم الآذان، فقد كان الأمر محسوما.

كانت خطة محكمة، منذ الصباح الباكر اعتقلوا اثنين من أشقائي وأكثر من أربعين من أبناء بلدتي، أطلقوا عليهم البلطجية أمام منزل الأسرة في المعادي، واقتادهم ضباط الشرطة إلي قسم البساتين، حيث أذاقوهم كافة صنوف التعذيب النفسي والبدني..

لم نكن وحدنا الذين تعرضنا للتهديد، كان القضاة أيضا يرون أنفسهم عاجزين، وكم كان مؤلما أن يذهب أحد القضاة إلي ضابط في إحدى اللجان الانتخابية بمدينة 15 مايو، يسأله لماذا تمنعون الناخبين، كان الضابط جالسا والقاضي واقفا.

نظر الضابط إلي القاضي من أسفل إلي أعلي، وقال له بلغة تحمل كثيرا من التهكم.. خليك في لجنتك وليس لك علاقة بما يجري خارجها..!!

تعجب القاضي من الأمر، وقال له بلغة لا تخلو من الألم.. هذا تجاوز للقانون، ساعتها انتفض الضابط ووقف غاضبا وقال: انت بتشتمني..!!

انسحب القاضي في هدوء، ومضي إلي لجنته، وقد شعر بجرح غائر في كرامته، فقد اتضح في نهاية الأمر أن وجوده هنا ليس اكثر من ديكور، وأن سلطته مقيدة بقرار حكومي، وانه يشارك من حيث لم يرد في هذه المهزلة التي تجري باسم 'النزاهة والإشراف القضائي'.

كان ذلك واحدا من أهم إبداعات وزارة الداخلية لضمان إجراء انتخابات نزيهة وعادلة، يمنع فيها من التصويت كل من تحوم حولهم الشبهات بأنهم سيمنحون أصواتهم لغير المرضي عنهم حكوميا."