عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 09-08-2006, 02:04 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

إعادة تكوين الاقتصاديات الريعية غير المنتجة :

كان الصراع محتدما في النصف الثاني من القرن العشرين ، بين قوى تريد ربط الاقتصاد والثراء بالإنتاج وحده ، وبين قوى تريد إعادة هيكلة الاقتصاد بما يضمن إطلاق أيدي القوى الاقتصادية الريعية ، ولا بد هنا من الاعتراف بأن القوى الثانية ( الريعية ) هي التي انتصرت في النهاية ( والى حد ما ) ونستطيع إدارج أشكالا من تلك القوى الريعية التي تتربع على عروش اقتصاديات العالم :

1 ـ تكاثر أمراء المال الذين كسبوا ثروتهم الفائقة بفضل حركات البورصة ، والثورة في أوضاعها عالميا ( Big Bang ) المتفجرة من جراء التقدم الهائل في الاتصالات الإلكترونية .

2 ـ رؤساء الدول وكبار الموظفين أو العسكريون من ذوي الرتب الرفيعة في دول العالم الثالث ، ومن غيرهم من دول متقدمة يتهم فيها رجال هامون بالفساد والسرقات الكبرى ( اليابان و أوروبا و أمريكا ) .

3 ـ فئة كبار المقاولين والموردين الذين تزور لهم عقود وهمية وكلف مبالغ بها جدا نظير تقديم خدماتهم ، وهم بالغالب يتكاثرون حول الأمم المتحدة و قيادات دول العالم الثالث .

4 ـ لائحة لامتناهية من السعداء المستفيدين من الوضع النفطي في بلاد مختلفة من العالم ، حيث لا رقابة دستورية أو قانونية على تصرفهم بأموال النفط ، ويضاف الى هؤلاء الصياغ الخاصين بهم والمزينين والمعماريين والمزخرفين والأطباء و الخياطين وموردي العطور وسماسرة الترف الخ .

5 ـ أخيرا الشبكة الواسعة من المتاجرين بالمخدرات والأسلحة واليد العاملة الرخيصة ، محليا ودوليا وفق علاقات سرية لتمشية أعمالهم .

الى جانب هؤلاء نجد شبكة من رؤساء البنوك و كبار الموظفين فيها الذين يتصرفوا بإيداعات كبرى في تنمية أعمالهم ، وفق نظام دقيق ومعقد ، وينتقلون من بنك الى آخر ، ويسهمون في إنشاء شركات عملاقة تتحكم في اقتصاديات العالم ، دون أن تطالهم أي يد لتحاسبهم .

بالمقابل هناك الشرعيون ، الذين يطوروا تقنياتهم الإنتاجية و نظم المعلومات وغيرها من الأعمال التي ترتبط بتراث حرفي ، حرص القائمون عليه تطويره والثبات فيه ، سواء بقطاع الصناعة أو الزراعة أو غيرها .

أخيرا هناك فئة ( مجانين الملك ) .. والذين يجمعون ثرواتهم بطرق تختلف عن الشكلين السابقين ، وهم نجوم الطرب و الرياضة ومصممو الأزياء وزعماء مذاهب دينية .. باختصار كل ما يجلب السعادة للملوك والأمراء أو حتى الشعوب نفسها !

تعرض المواقع الاقتصادية ـ الاجتماعية الناشئة عن الاقتصاد الحديث الى التآكل

لقد رافق صعود الطبقات الطفيلية التي ذكرناها ، هبوط سريع للطبقات الوسطى التي كانت تشغل الوظائف العامة ، وتمتهن حرفا كانت تمدها بأسباب الحياة ، فسقط بنيان الدولة القديمة التي كان اقتصادها مبنيا على أكتاف عمال المصانع و الفلاحين والمستخدمين المتوسطين ، ليتحولوا الى متسكعين على هوامش دول قامت من جديد على أكتاف طبقات لم تبذل جهدا يذكر ، بل أخذت تتفنن بوسائل الترفيه ، فمن المساكن الواسعة ، الى مساكن الاصطياف والتنزه ، الى السيارات الحديثة ، الى السفر و التمتع بالخارج ، الى تنمية استيراد وسائل الترفيه باهظة التكاليف ..

في حين تراجعت القوى التي حملت الدولة قبل ثلاثين سنة الى ، السكن في مساكن شعبية ، واستخدام السيارات المستعملة ، والسفر برحلات جماعية متواضعة الى أماكن قريبة ، و عمل أرباب الأسر في أكثر من عمل إضافي لتسديد فواتير الحياة الجديدة ..

كما أنه أصبح من المألوف أن تترك امرأة شابة زوجها و أطفالها لتتوجه من شرق آسيا باتجاه الغرب الأكثر غنى في دول النفط وغيرها لتخدم في البيوت ، وأصبح من المألوف أن يترك رجل ذو أسرة أسرته في المكسيك أو إفريقيا ، ليذهب ليكنس شوارع باريس و أمستردام ..

إن هذا الوضع قد أدى الى خلخلة النظم الاقتصادية في العالم ، فباتت العمالة الرخيصة الوافدة تهدد أبناء الطبقات التي زحف اليها الفقر نتيجة الخلل في توزيع الثروات في بلادها ، مما جعل أزماتها تتفاقم بشكل أكبر .

المجتمع الليبرالي المأزوم :

رافق مظاهر نمو الفئات الطفيلية والاقتصاد الريعي ، رافقها غيوم ممطرة من الإعلام المبشر بنمطية الحياة الجديدة ، وكان هذا الإعلام من الإتقان بمكان بحيث حاصر كل مواطني الكرة الأرضية ، ليضطروا في النهاية الى الإصغاء له بكل تفاصيله ..

فهو يمتدح بشكل أعمى صورا صنعها في خيال المواطن العالمي عن نموذج هو في الحقيقة ليس موجود ، فمن ضمان اجتماعي ليس مضمون أن يصمد في مختلف أنحاء العالم الى عقدين آخرين من الزمن ، الى التبشير بالغذاء المعلب و حصر الأنماط المعيشية في العالم وفق مواصفات تسنها منظمة (الجات ) التي تشكل ذراعا إمبرياليا قويا ، في ردم القوانين المحلية لتسهيل السيطرة على مقدرات الشعوب .

لقد كان العمل قبل هذا العصر ، هو ما يحدد قيمة الأجور أو أثمان الأشياء أو الخدمات المقدمة ، ثم تراجعت قيمة العمل ، لتحل محلها فبركات تصطنعها عقلية القائمين على هذا النظام الليبرالي ، الذي لا زال يبشر في أن الخطط التي ستخدم البشرية لم تكتمل بعد ..

حقا أنها لم تكتمل بعد ؟ و قد تراجعت أخلاق الاقتصاديين و علماء الاجتماع عن مواجهة تلك الظواهر الليبرالية المخزية . لكن إن هذه الأزمة التي تتفاقم بسرعة هائلة ، تذكر بأزمات الإقطاع في القرن السابع عشر في كل من بريطانيا وفرنسا .. ورغم أن البشرية قد خاب أملها في الاشتراكية التي تراجعت بسرعة هائلة أمام تلك الفوضى الاقتصادية .. لكن العالم سيكون أمام امتحان كبير في الخلاص مما هو فيه ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس