عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 09-08-2005, 10:12 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

أسباب الوهن

أما أسباب الوهن فهي عند العلماء كثيرة وكثيرة جدا وقد يعلمون كلهم أو على الأقل بعضهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمعها في جملة واحدة في الحديث الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو قوله: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" قالوا: "أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله ؟" قال: "لا، بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السيل ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن". قالوا: "وما الوهن يا رسول الله؟" قال : " حب الدنيا وكراهية الموت"
صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم : 958 ) .

حب الدنيا رأس كل خطيئة

وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس يخفى على كل مسلم عاقل أن ( حب الدنيا رأس كل خطيئة )
وليُعلم أن هذا اللفظ هو نصُّ حديث ضعيف ضعَّفه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( ضعيف الجامع برقم : 2682 ) ولكن معناه صحيح بلا ريب .
وأنه سبب كل معصية وبلية، كيف لا، وهو الذي يحمل الناس على الشح بالمال والنفس؟! ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" كما ورد في كثير من كتب السنة ومنها : صحيح الإمام مسلم ( برقم : 2578 ) .

صور استحلال المحارم

وإن مما يجب ذكره وبيانه بهذه المناسبة أن استحلال المحارم المهلك
قال الإمام – رحمه الله تعالى – في شرحه للعقيدة الطحاوية ص 60 معلقاً على قول المؤلف : ( ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ) ما نصه : (قلت : يعني استحلالاً قلبياً اعتقادياً ، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عملياً أي : مرتكب له ، ولذلك : فلا بدّ من التفريق بين المستحل اعتقاداً فهو كافر إجماعاً ، وبين المستحل عملاً لا اعتقاداً فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله له ، ثم ينجيه إيمانه خلافاً للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار وإن اختلفوا في تسميته كافراً أو منافقاً )
يكون على وجهين اثنين :
الأول : ارتكاب المحارم مع العلم بحرمتها وهذا أمر مشاهد فاشٍ مع الأسف الشديد بين المسلمين اليوم بكل أشكاله وأنواعه حتى الكبائر ألا وهي : الإشراك بالله عز وجل الذي يتجلى واضحاً في بعض الجماعات أو الأفراد الذين ينادون غير الله عز وجل في الشدائد ويستغيثون بغير الله وينذرون ويذبحون لغير الله فضلاً عن أنّ أكثرهم يحلفون بغير الله .
كل هذه من أنواع الشرك الفاشية اليوم بين المسلمين وأكثرهم - لا أقول وأكثر عامّتهم بل أقول وأكثر خاصتهم - لا يدندنون حول التحذير من هذه الأنواع من الشركيّات والوثنيّات التي تعتبر أكبر الكبائر كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ومنها قتل النفس بغير حق وعقوق الوالدين وأكل الربا وما أدراكم ما أكل الربا ؟! وقد انتشر أيضاً في هذا الزّمان بسبب قيام ما يسمّونه بالبنوك وكذلك من الكبائر: شرب الخمر وتبرج النساء وبناء المساجد على القبور وغيرها كثير وكثير.
والقسم الآخر من استحلال المحارم المهلك :ارتكابها دون معرفة حكمها أو حرمتها وذلك للجهل بها وهذا بلا شك شر منتشر أيضاً بين كثير من المسلمين .
ويدخل ضمن القسم الأول : استحلال المحارم بطريق الاحتيال عليها على نحو احتيال اليهود على صيد السمك المذكور في القرآن كما هو معلوم مشهور وكاحتيالهم على أكلهم الشحوم كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه" .
صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( صحيح الجامع برقم : 5107 ) . وأصله في الصحيحين ، ( البخاري في عدة مواضع منها برقم : 2236 و 4296 ) ، ( مسلم في عدة مواضع منها برقم : 1581 و 1582 ) .
هذا الحديث من الأحاديث التي قلما نسمعها من ألسنة الخطباء والوعاظ وهو من الأحاديث المهمة والمهمة جداً التي تحذر المسلمين من الوقوع في ما وقع فيه اليهود من قبلهم وقد حذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقعوا في مثل ما وقعوا هم فيه في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه وغيره ( البخاري برقم : 3456 و 7320 ) , ( مسلم برقم : 2669 ) .من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله: "آليهود والنصارى؟ " قال: "فمن ؟ " أو قال: "فمن الناس؟ ".


التحذير من استحلال المحارم بطريق الاحتيال عليها

وأقول محذراً : وهذا النوع من الارتكاب والاستحلال لما حرم الله عز وجل بأدنى الحيل قد وقع أيضا فيه كثير من المسلمين في بعض معاملاتهم وعقودهم من أشهر ذلك نكاح التحليل الملعون فاعله في السنة الصحيحة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " لعن الله المُحلِل والمُحَلَل له " صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( إرواء الغليل برقم : 1897 )ومع ذلك فلا يزال في المسلمين اليوم بعض المتفقهة يُجيزون نكاح التحليل رغم لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعله، وكذلك مما فشا في العصر الحاضر بيع التقسيط بزيادة في الثمن على ثمن بيع النقد( توسَّع الإمام - رحمه الله تعالى - وأفاض في بيان حرمة بيع التقسيط ببحث فريد أودعه في كتابه المستطاب : ( سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم : 2326 ) . ) وكذلك بيع العينة المنتشر في بعض البلاد الإسلامية ولا يتسع المجال الآن لشرح ذلك كله، وإنما أردت أن أذكر الإخوان بحديث يناسب المقام ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" صححه الإمام - رحمه الله تعالى - في : ( سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم : 11 ) ففي هذا الحديث بيان واضح جداً لبعض الأدواء والأمراض الناتجة من حب الدنيا، ومن ذلك الداء الأول الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو التبايع بالعينة فإن هذا الداء مستشرٍ في بعض البلاد وأكثر الناس- كما قال رب العالمين- لا يعلمون.

بيع العينة ومفهومها

إن بيع العينة هو نوع من البيوع أو المعاملات الربوية التي لا يجوز التعامل بها ومع الأسف إن بعض الناس يتعاملون بها على أنها من المعاملات الجائزة شرعاً .
والعينة مشتقة من عين الشيء أي ذاته ونفسه وبيع العينة معروفٌ عند العلماء ويتمثل في أن يأتي الرجل إلى تاجر يبيع سيارات مثلاً فيسومه على سيارة فيشتريها منه مثلا بعشرين ألفاً - بسعر التقسيط وليس نقدا - ثم يعود هذا المشتري بائعا فيقول للتاجر: هل تشتري مني هذه السيارة ؟ فيعرف التاجر بأن الرجل يريد منه المال فيتفقان على سعر دون السعر الذي اشتراه منه فليكن مثلا بأقل بألفين أو ثلاثة فهذا الذي اشترى ثم باع قد سُجِّلَ عليه العشرون ألفاً وإنما أخذ أقل من ذلك بألفين أو أكثر هذه المعاملة هي بيع العينة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الصورة الحقيقية المرادة من هذا البيع - عند من يبتعد عن اتباع الهوى أو على الأقل اتباع ما اعتاده من بيع العينة - إنما هي : أن يأخذ بأقل مما سُجِّلَ عليه. لا فرق بين هذه الصورة التي سُتر الربا فيها بالبيع وبينما لو جاء إلى هذا التاجر وقال له: " أعطني ثمانية عشر ألفاً وأعطيك عشرين ألفاً ". كل المسلمين والحمد لله إلى اليوم يعتقدون جازمين أن هذه المعاملة الربوية لا تجوز. لماذا؟ لأنه أخذ أقل مما سُجِّلَ عليه ولكن ما الفرق بين هذه الصورة وبين بيع العينة ؟ بيع العينة اتخُذ وسيلة لاستحلال الربا ، هذا هو الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحاديث التي سبق ذكرها وهو: نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن اتباع سنن الذين من قبلنا وذكر لنا اليهود بخاصة حينما حرم الله عز وجل عليهم الشحوم، كما قال رب العالمين في القرآن الكريم:
( فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيباتٍ أُحلّت لهم ) ( النساء : 160 ) .

تحايل اليهود

فالشحوم من الطيبات المحرمة عليهم وقد جاء في الحديث السابق: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها وإن الله عز وجل إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه". ففي هذا الحديث نجد أن اليهود تلاعبوا بالحكم الشرعي ألا وهو تحريم الشحوم فكان اليهودي إذا ذبح الشاة أو الكبش السمين أكل اللحم الأحمر فقط ورمى الشحم على الأرض ائتماراً منه بأمر الله عز وجل، ثم لم يصبر اليهود على هذا الحكم الشرعي فاحتالوا على استحلاله فذوبوا هذا الشحم ، ذلك معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "فجملوها" أي : ذوَّبوها، ألقوا الشحوم في القدور وأوقدوا النار من تحتها فأخذت الشحوم شكلاً آخر وهو استواء الشحم على السطح كاستواء الماء ، أوهمهم الشيطان وسوّل لهم وزيّن لهم أن الشحم الآن خرج عن كونه شحماً وهم يعلمون أنه لا يزال في طبيعة تركيبه وطعمه ولذته شحمًا إذ هم غيروا الشكل من أجل الأكل- كما يقال في بعض البلاد- فهم بهذا التغيير استحلوا ما حرم الله .

الاعتبار من أحوال الهالكين

لم يقص علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصة استحلال اليهود لهذه الشحوم بهذه الحيلة وما قص ربنا عز وجل قصة اليهود في احتيالهم الصيد للسمك يوم السبت بحصرها في الخلجان كما هو مذكور في التفاسير من أجل التأريخ فقط وإنما كما قال عز وجل: ( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ) ( يوسف : 111 ) .
فالعبرة هنا في القصتين -قصة اليهود مع السمك وقصتهم مع الشحم - : ألا نقع فيما وقعوا فيه من الاحتيال على ما حرم الله .
فبيع العينة حرمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي لا يقع المسلمون في الاحتيال على الربا الذي صورته أن يستقرض أقل مما يسجل عليه ، وبيع العينة صورته أيضاً كذلك و لكن من وراء بيع شكلي صوري كما أن اليهود غيروا الشحوم حينما أذابوها شكلاً .
وأنا حينما أقول هذا أعلم أن بيع العينة يحرمه كثير من العلماء وكما أن بعضهم - ممن لم يبلغه هذا الحديث أو لم يصح عنده لأنه ليس من تخصصه - يقول بجواز هذا البيع تمسكاً بلفظ البيع ولكن أهل العلم يعلمون أن مجرد ورود لفظ البيع في معاملة ما لا يجعل تلك المعاملة بيعاً إلا إذا كان الشرع لم يحرمها. وإذا رجعنا إلى هذا الحديث وجدنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر التبايع بالعينة أول مرض من الأمراض التي ساقها من بعده ألا وهي التكالب على الدنيا والانغماس في الأخذ بأسباب جمع المال الذي يترتب منه ما هو واقع المسلمين اليوم مما ذكره عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث عطفاً على داء التبايع بالعينة والأخذ بأذناب البقر والرضى بالزرع فقال عليه الصلاة والسلام : "وتركتم الجهاد في سبيل الله عز وجل " .

..يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }