عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 27-08-2005, 10:29 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي

حـضــــور العـــــزاء المــريــــــب


فاجأني في أحد الأيام بدخوله إلى المنزل وقت صلاة المغرب .. وقد امتلأت عيناه بالدمع ..
وارتفع صوت نحيبه وبكائه ومعه عدد من أقاربه الرجال!
ما الخطب ؟! كاد أن يغمى عليّ من شدة الهلع والخوف ! رجل يبكي ؟! وأمامي ؟! وأقاربه كذلك ؟!

هل أصاب أهله أو أهلي مكروه ؟ يا إلهي قدماي لم تعودا قادرتين على حملي !! أهو أبي ؟
أهي جدتي العجوز؟ أهي أمه ؟!
أرجوكْ سيسقط قلبي من فرط الخوف !! لم يتحدث !!
مشيتُ بخطىً قد أثقلتها المخاوف وكبلتها الشكوك ...

دخل إلى المطبخ وقال باكياً : بسرعة البسي ملابس ، ولتكن سوداء اللون فقط !
اكتملت المخاوف .. رجوته أن يخبرني من الذي مات ؟ .. لم ينطق !
لبستُ الملابس الحالكة السواد كما أمرني كالآلة التي يتحكم بها صاحبها كيفما شاء !

خرجتُ معه! وعلى الرغم من ذلك لم أنجُ من نظرات أقاربه !!! قلت لوالدته وأخته بلهفة وأنا ألهث ..
حدثوني أرجوكم من الذي مات ؟ .. ماذا يجري ؟ ما بكم ؟!
أطبق الحزن والصمت على أفواه الجميع .. وآهات الألم تتدفق من الصدور الثكلى !
لزمتُ الصبر والسكوت حتى كادت نبضات قلبي أن تتجمد !!

توقفنا عند قصرٍ كبير ومترف فعادت نبضات قلبي تنتظم شيئا فشيئا ! إذاً فهو شخص آخر !
دخلتُ ببطء .. رأيتُ جموعاً من النساء قد اجتمعْن .. يبكين ويضربْن على صدورهن !!
أين أنا ؟ ما ذا أرى ؟ ما هذا المجتمع الغريب ؟ الكل يبكي وينتحب ؟!

فقدتُ الصبر.. فسألتُ إحدى أخوات الزوج بتأثر شديد من هذه المناظر المحزنة المخيفة:
- من هو الشخص الذي مات ؟! أشعر بالحزن عليه ..

فقالتْ وهي تتحاشى النظر إليّ وبصوتٍ مُرتجف ومُرتبك ..
إنه أحد أولياء الله الصالحين المقربين إليه .. وهو أحد المشائخ المُصلحين للأقدار في هذا الكون ..وصمتتْ
فقلتُ في نفسي : ماذا تقصد بكلامها ؟!

ولزمتُ الصمتَ أنا كذلك ، فتاهت نظراتي بين أفراد هذا العالم الجديد على حياتي !!
جلستُ مع الجالسات ! هذه أول مرةٍ في حياتي أحضر فيها عزاءً ..
انتقلتْ نظراتي نحو الحائط الكبير لترى صورةً كبيرةً وضخمةً لرجل طاعنٍ في السنّ
محاطةٍ بإطارٍ جميل وغالي الثمن.. ثم.. !! ما هذا ؟

الصورةُ قد رُبطت شريطةٌ سوداءُ في جانبها الأيسر!!!
فجأةً .. شدّ انتباهي نياحُ النساء وضرب بعضهنّ بأيديهنّ على رؤوسهنّ ووجوههنّ !
( خاطبتُ نفسي )
- يا ترى مَن هذا الشخص الذي أثّرت وفاته على كل هذه الوفود من النساء والرجال ؟
و هل كل عزاء يُقام يحدث فيه كل ما يحدث الآن ؟!!

كعادتي فضلتُ السكوت ومجاراة الواقع واستكشاف الأمور الغامضة بهدوء ..
- من هي المرأة التي تصدرتْ الجموع وجلستْ وحدها تقابل كل هؤلاء النسوة
وقد غرقتْ ومن معها في بحر الدموع المنسكبة ؟ ما لها تهيج وتضطرب ؟
ما بها تتمايل وتصيح هي ومن معها ؟ ما لها لا تضبط أنفاسها ؟
كأني أسمعها تستغيث بفلان وفلان !!! فمن هذا الذي تستغيث به ؟ وماذا تقصد ؟
الجميع أصبح مواجهاً لها..!! لا بد أنها ستقول أو ستفعل شيئاً ما ..!! لأنتظر وأرى ..!!

وكما توقعتُ فقد أخذتْ الميكرفون ، وحينما بدأتْ بالكلام سالتْ دمعات ساخنات على وجهها
أثارت أحزان وأشجان الجالسات فبكين مرة أخرى بحرقةٍ ولوعة !!!
لماذا أشعر بالخوف ؟ لماذا لا أتمالك نفسي بهذا القدر؟ لماذا أشعر بأن هناك شيئاً ما غير سويّ ؟!!!
لماذا أشعر بأن أمراً عظيماً سيقع؟! لِمَ قيّدتْني الجالسات بنظراتهن ؟ لِمَ أنا بالذات ؟
ما هذه الرجفة التي تسري في أجزائي؟! هناك شيء ما !!!

نطقتْ أخيرا تلك المرأة المتزعمة للنساء بأول كلمة وهي تصرخ:
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين ....!!!!!
ماذا سمعت ؟ بالتأكيد هناك خطأٌ إما لدى السامع أو لدى المتكلم .. وفي السامع أكثر؟!!
كررتها ثانيةً والدمعُ يجري كما تجري الأنهار..
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين !!!!

زاغتْ نظراتي.. تاهتْ أفكاري .. تبعثرتْ أوراقي !!
حسناً بالتأكيد هناك خطأ في السامع أو في المتكلم وفي المتكلم أكثر !!!!
حسناً حسناً .. أريد أن أعرف الخطأ عن طريق ردود فعل هؤلاء النسوة التي تعالت صيحاتهن !!!
إن الجميع يؤمّن !! آمين ، وحرقة البكاء ولوعة الحزن وأنين الفراق قد أخذ منهن كل مأخذ !!

انتقلتْ نظراتي بين النسوة تبحث عن والدة الزوج بلهفة .. أريد حمايتها !
أريد أن أدفن وجهي في صدرها !!
أريدها أن تهدئ من روعي ، وتبعث الطمأنينة في حناياي !!!
ماذا يحدث ؟ خطأ جسيم في الموضوع ولا شك !
كررت المرأة الجملة الدعائية مرة ثالثة وأخيرة وهي تضرب على صدرها

وتتمايل كما تتمايل الأشجار من الريح العاتية ، وتصرخ بصوت عالٍ مستغيث :
- اللهم ارحم سادتنا الصوفيين .....!!!
في هذه اللحظة وجدتها !! وجدتُ والدة زوجي بين النساء !! يا إلهي ماذا تفعل؟؟
إنها تصرخ وتضرب على وجهها وصدرها !! إنها .. إنها .. تؤمّن !!
بحرارة أكثر .. وصوت أعلى .. و.. وحرقة أشد ..!!!!!

لا.. لا.. لا.. ماذا يحدث هنا ؟ .. وإذ بأخوات الزوج يُحطْن بوالدتهن و يفعلْن كما تفعل!
عُدتُ لواقعي .. حاولتُ إقناع نفسي بأنهم لا يعلمون ماذا يقولون ويفعلون ؟!
بالتأكيد لم ينتبهوا إلى ما قالته تلك المرأة ! أين زوجي؟ عندما يعلم سيُفاجأ !
سيصاب بصاعقة عقلية ! سيعرف أن نحيبه كان كثيراً جداً على هؤلاء القوم !!



وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس