عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 25-07-2006, 12:43 AM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي



د. سعد البريك
أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا...

بداية لا بد أن نشير وبقوة إلى أن هناك مفارقة كبيرة بين المقاومة الفلسطينية و مقاومة حزب الله في الاستراتيجيات والأهداف وطبيعة التحالفات والرهانات، بل والعقيدة والفكر، وبرغم أن كلاً من حزب الله وحماس تدعمهما كل من سوريا وإيران، إلا أن نوع الدعم والتوجه، وأحادية الرهان تختلف بين المقاومتين، فحماس تربطها علاقات قوية بالدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بمواقفها التاريخية، ودعمها المستمر للقضية الفلسطينية، وحماس لها تنسيق دائم أو يكاد يكون كذلك مع تلك الدول، وتسعى جهدها أن توفق بين إستراتيجيتها في المقاومة وبين إستراتيجية الدول الداعمة، باعتبار القضية الفلسطينية شأنًا عامًا، وباعتبار الدول الداعمة شريكة في الربح والخسارة!! ..أما حزب الله فارتباطه بسوريا وإيران واضح، وإستراتيجيته لا تقيم لبقية دول المنطقة اعتبارًا في الرأي والقرار !! ومن الإجحاف أن يحتكر قرار إعلان الحرب حزب منفرد وحده، فإذا فاز فيها كان له الفوز وحده، وإن خسر فيها أشرك الأمة في الخسارة !! ثم أسند إلى الفضائيات ( المؤدلجة ) مهمة تنظيم احتفالات النواح والتأبين لتوظيف غضب الشارع العربي بمشاهد القتل والدمار في تحقيق أدوار تلك الفضائيات في المنطقة، والتي من أبرزها تأجيج العداوة بين الشعوب وحكوماتها، والحكومات وجيرانها.

وإن كان حزب الله أيضًا يمثل جبهة استنزاف للعدو الإسرائيلي تستفيد منها الدول العربية بشكل نوعي مهما اختلفت الاستراتيجيات ! ، إلا أن الموقف من المقاومتين غير متفق بالتأكيد .

ومعلوم أن حماس حكومة منتخبة، وقرارها يمثل شعبًا انتخبها بأغلبية واضحة، إلا أن الحال مختلف في تفرد حزب الله بقراره، حيث لا يمثل الشعب اللبناني بأكمله، بل نفت الحكومة اللبنانية علمها بالعملية، ومع ذلك فإننا على يقين بأن كل عمل يسهم في دفع العدوان الإسرائيلي، وتحرير الأرض والأسرى يظل عملاً مشكورًا ، ما لم يفقد أصول وقواعد اتخاذ القرار، والتي أدناها قراءة المشهد بأكمله، والنظر في مآلات الأمور ولو بالتنبؤ وغلبة الظن، إذ لا سبيل لأحد أن يقطع بالغيب في العواقب والنتائج، وعليه فلن نكره تحقيق مقاصدنا وفقًا لما سبق، ولو كان على يد الخمير الحمر أو البوليساريو أوالباسك أو الجيش الأحمر الأيرلندي، فضلاً عن أن يتحقق الهدف على يد من مصلحتنا ومصلحته مشتركة، مع تباين في حسابات المعطيات والاستراتيجيات والنتائج، فلسنا ضد الحزب في مقاصده المتعلقة بتحرير الأرض والأسرى، ولكننا لا ولن نتفق معه في تحرير شبر يفضي إلى اجتياح بلد بأكمله، أو خطف جندي يفضي إلى قتل المئات من الأبرياء.

الحديث عن ما يحدث اليوم في لبنان، وعن الهجوم الهمجي للآلة العسكرية الإسرائيلية التي خرقت كل العقود والعهود .. لا يمكن تناوله بمعزل عن سياقاته السياسية، وتداخلات محاوره مع المعطيات التي تشكل النسيج العام لما يحدث، بدءاً بأضيق حارة في بيت جبيل في الجنوب وشوارع بيروت، ومرورًا بغزة والقطاع، وانتهاء بطهران وأزمتها النووية !.

وبناء على ذلك لا يمكن الحديث عن هذه الأزمة وقراءة المشهد قراءة صحيحة بمعزل عن أزمة إيران النووية، وتداعيات الاحتلال في العراق، والتي من أبرزها عمليات الإبادة والتهجير المنظم للسنّة العراقيين خصوصًا، والقتل والتدمير العشوائي الذي طال فئات الشعب العراقي بمختلف طوائفه، حتى رئيس الوزراء العراقي المالكي (ولست أنا) بالأمس أعلن (بالفصيح) أن فرق الموت التي تذبح في أهل السنَّة (من زمان) بأساليب فاقت النازية ووصف (الوحشية) .. مدعومة ممن لا يخفى !!

هذا كله في كفة، ويقابله المشروع الأمريكي الكبير في المنطقة، والذي من أبرز مراحله وأهدافه تأمين حدود إسرائيل، ونزع كل سلاح يمثل خطرًا عليها، لاسيما إذا كان في يد دولة لا تسيطر على من يحمله، ولذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية - وليست إسرائيل وحدها - لن تفوّت فرصة كهذه لتدكّ ما تتوهمه، فضلاً عما تراه خطرًا على إسرائيل في المنطقة، ولو ذهب في سبيله أرواح ودمّرت مدن . هذا المشهد يدركه ويقرؤه المتابع العادي فضلاً عن السياسي المسلح على خط التماس. لكن المغامرة في تنفيذ القرار وتحقيق المصلحة للفاعل بالأصالة ولغيره بالتبع يجب أن لا يغيب عنه تربص العدو بالفرص، أو الاستدراج إليها في وقت يعرف العدو فيه ضعف الأمة وفرقتها وقوته وقوة صلته بحلفائه.

أما حزب الله فمتشبث بأنها حرب تحرير، وأن شرعيتها مستمدة من السماء، فهناك أرض مغتصبة وأسرى مسجونون!! وفلسطينيون في غزة والقطاع محاصرون !!

وعلى الأمة شعوبًا وقبائل وقيادات أن تسلم بالزعامة لحزب الله، ولا يجوز لها أن تنظر إلى حسابات المصالح والنتائج التي تتعدى تحرير الأرض والأسرى ولو كانت على حساب التوازنات الإستراتيجية في المنطقة، فضلاً عن احتمالات الحرب بالوكالة على ملعب بعيد عن أرض المتحاربين.

احتكار قرار إعلان الحرب ومبادرة العدو يعدّ في التحالفات خطيئة عسكرية تبيح للحليف -الذي تم تجاهل رأيه- الانسحاب.. مهما كانت إيجابية القرار!!

فحزب الله حين نفذ عمليته، لم ينفذها بمعزل عن الساحة، فإذا كان لا يدرك أن تبعات عمليته ستجر الويلات على الساحة فهو قاصر النظر في التخطيط الحربي!!

وإذا كان يدرك وأقدم على ذلك فهو قاصر النظر في فهم المصلحة !!

وإذا كان مترددًا في الأمر فهو مغامر.. وهنا كان عليه أن يحسب الحساب للمسألة ليعد لها العدة مع أطراف الساحة كلهم حتى تكون المغامرة محسوبة!! وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي !!

المملكة وهي تناقش موضوع القضية الفلسطينية، وقرارات حزب الله بمنطق النضج وضرورة التخطيط والتنسيق لا تعني بذلك التخلي عن لبنان !! فهي أعلنت في بيانها الرسمي أنها مع المقاومة ، كانت ولا زالت وستظل .. وهذا قرار استراتيجي .. وكما هي مع المقاومة فلا بد للمقاومة أن تكون أيضًا معها على مستوى الأجندة العامة والتنسيق !! وإذا أردنا أن نتحدث عن دور المملكة في استقرار لبنان ، فإننا لا نتوقف عند الكلام عن جمع شمله وفرقائه حتى اتفاق الطائف بل عن إعماره، والمساهمة بالنهوض به سياسيًا واقتصاديًا في وقت وجيز !! ودولة كان هذا دورها مع لبنان واستقراره وبنائه، لا يمكن وهي تنتقد احتكار قرار إعلان الحرب من بعض أطرافه إلا أن تكون مهتمة اليوم مثل الأمس باستقرار هذا البلد وتحرير أراضيه وإعماره .

ولنا أن نسأل سؤالاً مباشرًا لأولئك الذين يهددون بالتدخل إذا ما هاجمت إسرائيل سوريا ، لِمَ لا يتدخلون وإسرائيل تهاجم لبنان الآن ؟ ما الفرق ؟!!

ونسأل حزب الله :

إذا كان التدخل العسكري للدول الإسلامية جمعاء اتباعًا لقراركم بالحرب واجبًا ، أفليس واجبًا عليكم إخبار هذه الدول قبل اتخاذ قرار الحرب نفسه ؟ أليس من حقهم أن يشاركوا في قرار استراتيجي ربما يودي بحياة ملايين من الناس، ويشعل فتيل حرب طويلة الأمد؟

والسؤال الثالث موجه لنا :

إلى متى سنظل نتهرب من الجواب على السؤال المطروح - ليس أمام هذه الأزمة في غزة ولبنان - لا.. هو مطروح بعد أزماتنا في 48 م و 67 م ودير ياسين وتل الزعتر ومجزرة قانا والخليل وجنين وما فعله شارون قبل أولمرت : إلى متى سنظل متفرقين لا نجمع على قرار، وعاجزين لا نفكر في المواجهة ؟ وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" ، وقال تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ".




رابط المقال