عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 25-07-2005, 01:26 AM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي القطة والظل .... [حسين بن محمود] 16 جمادى الآخرة 1426هـ

القطة والظل .... [حسين بن محمود] 16 جمادى الآخرة 1426هـ

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

القطة والظل


رأيت قطة صغيرة تدور حول نفسها في الشمس ، وبشكل ملفت للنظر ، فلما دققت وجدت أنها تحاول الإمساك بظلها ، وقد لاحظت فيها همة ونشاطاً وحزماً وإخلاصاً وتفانياً في محاولاتها التي – للأسف – باءت كلها بالفشل !!

تركت القطة لشغلها .. وبعد فترة وجيزة : أتت فكرة هذه المقالة ..

كثير من الناس يشبهون هذه القطة في دورانهم حول أنفسهم وحول ظلهم فلا يُدركون إلا جهد ضائع وتعب غير مبرر ، لأنهم يمشون خلف سراب اغتروا به وظنوه حقيقة !! وهذا واقع في كثير من الميادين والأعمال والأفكار ، وهي حقيقة يدركها العقلاء ومن نظر في حال الناس .. إلّا أن ما يهمنا نحن في وقتنا هذا هو : حال بعض الناس مع واقع الأمة ..

ولنضرب بعض الأمثلة ، ونطلق عليها أسم "حلقات" ، وهي مشتقة من فعل القطة التي كانت تدور في حلقة مفرغة ، ثم نبيّن حقيقة السراب أو الظل الذي يرومون صيده :

الحلقة الأولى :

بعض الناس يظن أن الحكام لهم مخرج لموالاتهم الكفار في قول الله عز وجل {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ } (آل عمران : 28)
والشاهد هنا قوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} ، فيقولون : إن الحكام لم يأتوا بالأمريكان ، ولكن الأمريكان أتوا بغير إرادة الحكام ، وهم لا يقدرون على منع الأمريكان ولا حربهم ، فيتقونهم بأقوالهم وأفعالهم !!

جوابه :

في الآية التي بعدها بيان حال الحكام : قال تعالى {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران : 29) ، فهو يعلم حقيقة ما يُخفي هؤلاء في صدورهم ..

ولنبين حقيقة لفظ {التقاة} في الآية ، ثم نعرج على بيان الظل الذي يدور هؤلاء حوله ، فنقول :

الفرق بين التقية الشرعية وتقية الرافضة : أن التقية الشرعية هي مجاراة من تخاف من الكفار باللسان ، لا بالقلب أو العمل .. أما تقية الرافضة : فهي بالقول والعمل ، ونتفق معهم على نفي عمل القلب ..

إن من نواقض التقية الشرعية : الإعانة على إيذاء مسلم ، والأكبر منه والأعظم عند الله : قتل المسلم إرضاء للكفار ، فما بالكم بمن يقتل المجاهدين الذين تحتاجهم الأمة في أحلك ظروفها !!

جاء في الدر المنثور : أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {إلا أن تتقوا منهم تقاة} "فالتقية باللسان ، من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن ذلك لا يضره ، إنما التقية باللسان" ..

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس {إلا أن تتقوا منهم تقاة} قال "{التقاة} التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان، ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له".

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال "{التقية} باللسان وليس بالعمل". (انتهى) ..

وفي تفسير ابن أبي حاتم: عن عكرمة في قوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} : "ما لم يهرق دم مسلم وما لم يستحل ماله".
وقال الثوري : قال ابن عباس "ليست التقيا بالعمل ، إنما التقيا بالقول" (انتهى) ..

هذا وقد جاء في تفسير القرطبي "قال معاذ بن جبل ومجاهد ‏:‏ "كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ؛ فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم"‏ .. (انتهى)

أما حقيقة الظل الذي يدورون حوله ، فنقول :

لنفرض جدلاً أن كلامكم هذا صحيح ، وأن الأمريكان أتوا رغماً عن الحكام ، فكيف يستقيم قولكم : بأن هؤلاء الأمريكان أهل عهد وأمان !!

إما أن يكونوا أهل عهد وأمان أتوا بإرادتنا فأعطيناهم هذا العهد وهذا الأمان منّة منّا وكرماً ، أو أنهم أتوا رغماً عنا فلا يكون لهم عهد ولا أمان لأنه ليس لمُكره عهد ..

وعليه : فإما أن يكون حكامكم كفار لأنهم والوا أعداء الله وأتوا بهم ليقتلوا المسلمين في العراق وأفغانستان والجزيرة وغيرها من بلاد الإسلام ، وكفرهم – والحال هذه - مجمع عليه عند كل من يُعتد به من العلماء ، وإما أن يكون الأمريكان كفار حربيين صائلين يجب عيناً قتالهم وقتلهم أينما حلّوا ، وهذا أيظا مجمع عليه عند العلماء ..

الحلقة الثانية :

قولهم بأن نقل المعركة إلى بلاد الكفار الحربيين الصائلين يضر الجاليات المسلمة في تلك البلاد !!

أقول : أولاً : نبين حقيقة هذه الجاليات ثم نبين حقيقة الظل الذي يدورون حوله :

أكثر هذه الجاليات الإسلامية من بلاد الهند وباكستان والشام والمغرب العربي والعراق .. وأكثر هذه الجاليات لم يخرجوا من بلادهم فراراً بدينهم - كما يظن البعض – بل إن الغالبية العظمى خرجوا من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار الحربيين لتحسين أحوالهم المعيشية ، وكثير منهم يريدون التحرر من الأعراق والتقاليد ونمط عيشهم في البلاد الإسلامية ، وقليل منهم مطاردون من قبل سلطاتهم المحلية ..

أما حقيقة بقائهم في تلك البلاد ، فهذا حكمه ظاهر ومنصوص عليه ، فعن ‏جرير بن عبد الله ‏ ‏قال ‏: ‏بعث رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏سرية ‏ ‏إلى ‏‏خثعم ،‏ ‏فاعتصم ناس منهم بالسجود ، فأسرع فيهم القتل ، قال فبلغ ذلك النبي ‏‏صلى الله عليه وسلم ‏‏فأمر لهم بنصف ‏‏العقل ‏ ‏، وقال ‏"‏أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا يا رسول الله لم ؟ قال : لا ‏ ‏تراءى ‏ناراهما ‏" (رواه أبو داود (كتاب الجهاد) والترمذي ، قال الألباني : صحيح دون جملة العقل)

قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله : ‏‏قال بعض أهل العلم : إنما أمر لهم بنصف العقل بعد علمه بإسلامهم ، لأنهم قد أعانوا على أنفسهم بمقامهم بين ظهراني الكفار ، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره . وهذا حسن جدا . ‏
‏والذي يظهر من معنى الحديث : أن النار هي شعار القوم عند النزول وعلامتهم ، وهي تدعو إليهم ، والطارق يأنس بها ، فإذا ألم بها جاور أهلها وسالمهم . فنار المشركين تدعو إلى الشيطان وإلى نار الآخرة ، فإنها إنما توقد في معصية الله ، ونار المؤمنين تدعو إلى الله وإلى طاعته وإعزاز دينه ، فكيف تتفق الناران وهذا شأنهما ؟ وهذا من أفصح الكلام وأجزله ، المشتمل على المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة ... [إلا أن قال] ..... وفي المراسيل لأبي داود عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تتركوا الذرية إزاء العدو " (انتهى) .

وهؤلاء جاوروا الكفار وساكنوهم في بلادهم وتركوا ذريتهم ، لا إزاء العدو ، بل في عقر دار العدو وبين ظهرانيهم !!

وعند ابي داود – أيظا - في كتاب الجهاد : عن ‏ ‏سمرة بن جندب ‏أنه قال : ‏أما بعد ، قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏"من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" (صححه الألباني) ..‏

‏‏جاء في عون المعبود (مختصراً) :
(من جامع) ‏:‏ قال أصحاب اللغة : جامعه على كذا اجتمع معه ووافقه . ‏
‏(المشرك) : بالله ، والمراد الكفار ، ونص على المشرك لأنه الأغلب حينئذ والمعنى من اجتمع مع المشرك ووافقه ورافقه ومشى معه . ‏
‏‏(وسكن معه) ‏: ‏: أي في ديار الكفر ‏
‏(فإنه مثله) ‏‏: أي من بعض الوجوه ، لأن الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله ، ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفر .

قال الزمخشري رحمه الله : وهذا أمر معقول ، فإن موالاة الولي وموالاة العدو متنافيان ، وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} : والمؤمن أولى بموالاة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه ، فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين ولا يضرهم أن يبارزوا من يحاربهم من الكافرين . (انتهى) .

وفي الزهد لأحمد عن ابن دينار "أوحى الله إلى نبي من الأنبياء قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي" كذا في فتح القدير للمناوي .

وقال العلقمي في الكوكب المنير شرح الجامع الصغير : حديث سمرة إسناده حسن ، وفيه : وجوب الهجرة على من قدر عليها ولم يقدر على إظهار الدين أسيرا كان أو حربيا ، فإن المسلم مقهور مهان بينهم ، وإن انكفوا عنه فإنه لا يأمن بعد ذلك أن يؤذوه أو يفتنوه عن دينه . وحق على المسلم أن يكون مستظهرا بأهل دينه ، وفي حديث عند الطبراني " أنا بريء من كل مسلم مع مشرك " وفي معناه أحاديث .. ‏

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة ، والمشابهة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافا وإن بعد الزمان والمكان ، وهذا أمر محسوس ، فمرافقتهم ومساكنتهم ولو قليلا سبب لنوع ما من انتساب أخلاقهم التي هي ملعونة ، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به وأدير التحريم عليه ، فمساكنتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات ، فيصير مساكن الكافر مثله ، وأيضا المشاركة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا مما يشهد به الحسن ، فإن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم بموجب الطبع . وإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في الأمور الدينية ، فالموالاة للمشركين تنافي الإيمان {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (انتهى كلامه حمه الله) .. ‏

وقال ابن القيم في كتاب الهدي النبوي : ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة المسلم بين المشركين إذا قدر على الهجرة من بينهم وقال " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يا رسول الله ولم ؟ قال لا تراءى ناراهما " ، وقال " من جامع مع المشرك وسكن معه فهو مثله " ، وقال : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " ، وقال : "ستكون هجرة بعد هجرة ، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ، ويبقى في الأرض شرار أهلها ، يلفظهم أرضوهم ، تقذرهم نفس الله ويحشرهم الله مع القردة والخنازير " انتهى . ‏ (هذه النقول مختصرة من عون المعبود) ..