عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 01-10-2006, 03:10 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

ثانياً: مصاحبة القرآن


ومن المعالم الأخرى في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه في رمضان، مصاحبته للقرآن العظيم، وعيشه معه، وتدارسه لآياته مع جبريل عليه السلام، ولِمَ لا؟ وهذا الشهر هو شهر القرآن: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى" والفرقان} [البقرة].

وقد أخذ القرآن الحظ الأوفى والدقائق الغالية والساعات الثمينة من حياته صلى الله عليه وسلم، فهو معجزته الكبرى الخالدة.. وهو نور وهداية للعالمين، أمره الله تعالى أن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وقال سبحانه: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل : 4].

ولم يكن صلى الله عليه وسلم تالياً للقرآن بلسانه فحسب حاشا وكلا وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه بل كان ينعكس القرآن على سلوكه وجوارحه، في ليله ونهاره، في إقامته وأسفاره، في غضبه وعند رضاه، في سره وفي علانيته، ولذا سئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم عن خلقه عليه السلام، فقالت: "كان خلقه القرآن".

وتجاربه مع القرآن وتفاعله مع آياته معلوم عنه ومشهور، فكان في قيامه، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، أو استغفار استغفر، أو دعاء دعا.

ولما قرأ عليه ابن مسعود كما في الصحيحين من سورة النساء، ووصل إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على" هؤلاء شهيدا} [النساء : 41]، قال له صلى الله عليه وسلم "حسبك الآن"، وإذا عيناه تذرفان، لقد تأثر الحبيب بكلام حبيبه، سبحانه الذي أنزله والذي تكلم به من فوق سبع سماوات، وتذكر هذا الموقف وهوله وشدته، وأشفق على أمته، فبكى صلى الله عليه وسلم .

وهكذا شأن المؤمن مع القرآن: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى" ربهم يتوكلون} [الأنفال : 2].

وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى" ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر : 23].

إنه لا يتأثر بالقرآن ولا يقشعر جلده عند سماعه إلا الذين يخشون ربهم تعالى ويخافونه، وحينئذ يمن الله عليهم بالطمأنينة والسكينة، فتلين جلودهم وقلوبهم وتطمئن وتسعد: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد].

ولا يتأثر بالقرآن حق التأثر إلا من صفا قلبه من مشاغل الدنيا وتطهرت نفسه من شهواتها... يقول عثمان رضي الله عنه: "لو طهرت القلوب ما شبعت من كلام الله تعالى".

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما خرج في بعض الليالي ليستمع القرآن في بيوت الأنصار، يوم كانت تنار بيوت الصحابة بالقرآن، يوم كانوا يعيشون ساعات الليل بالقرآن، ينفقونها في تدبر آيات الله الواحد الديان، يوم كانوا يعيشون لله ليلاً ونهاراً، رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم فسمع امرأة عجوزاً تقرأ سورة الغاشية، وتردد آياتها وتبكي: {هل أتاك حديث الغاشية}؟ فأخذ يبكي صلى الله عليه وسلم ويقول: نعم أتاني... نعم أتاني. إلى هذا الحد بل وأكثر كان تأثره صلى الله عليه وسلم بالقرآن وتفاعله معه وتجاوبه مع آياته، والقلوب إذا تفتحت استجابت لهذا الهدى السماوي، كما تستجيب الأرض الطيبة للماء فتنبت الخير الكثير: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد : 24].

ولقد رأى بعض السلف رضوان الله عليهم أن شهر رمضان ينبغي أن يخصص لتلاوة القرآن وتدبره، ولا يشتغل المسلم بغيره، مهما كان العلم فاضلاً، وورد عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنهما: أنه كان إذا دخل رمضان ترك الفتيا والتدريس والحديث، وأخذ يقرأ كتاب الله ويقول: هذا شهر القرآن، هذا شهر القرآن.

وذكر ابن حجر أن الإمام البخاري ختم القرآن في رمضان ستين ختمة: ختمة بالليل وختمة بالنهار... وأورد ذلك لهدف واحد، هو الدلالة على شدة اعتناء السلف رضوان الله عيهم بالقرآن في رمضان...
وإذا لم يلتذ المؤمن بقراءة القرآن في رمضان ويكثر من تلاوته فيه ويختمه أكثر من مرة، فمتى يفعل ذلك؟
__________________