عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-12-2006, 06:01 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الوحدة : نحو تعريف أبسط !

قد يستغرب القراء طرح عنوان كهذا، بعد أن امتلأت صفحات الكتب والمجلات والجرائد عن هذا الموضوع .. وقد يكون هو نفس السبب الذي دفعني لكتابة عنوان فرعي كهذا.. فقد تم تشويش المواطن العربي بما كتب عن الوحدة أكثر مما وضعه أمام تعريف واضح يجعله يتعامل مع هذا المصطلح بتعاطف وانجذاب نحو السير بما يجعل الوحدة مطلب لكل من يستمع أو يقرأ أو يراقب نشاطا يصب في هذا المسار ..

فمنهم من قال أنها وحدة قومية تضم عرقا اسمه (العرب) ومنهم من قال أنها وحدة وطن اسمه (الوطن العربي)، ومنهم من قال أنها وحدة (روحية) قوامها المؤمنون بتراث الأمة ودينها ولغتها، ومنهم من قال أنها وحدة (نضالية) تصبو الى رفعة البلاد ومواطنيها!، ومنهم من قال أنها وحدة (كونفدرالية) أو فدرالية أو تضامنية أو الخ ليدخل في منهاج وشكل الوحدة ضمن تعريفه وحديثه.

ولو وقفنا عند كل صفة ربطت بالوحدة بما قيل، وتقمصنا دور طرف لا يتفق مع تلك الصفة الملصقة بالوحدة، لرأينا أن هذا الطرف أو ذاك معه الحق في رفض هذا المشروع أو العنوان لأنه ببساطة لا يعنيه، فالكردي لا يعنيه قوة العرب ليسهم في زيادة قوتهم، والأمازيغي لا يحب طمس هويته الخصوصية العرقية تحت عنوان لم يكن من اختياره، والنصراني لا يحب ربط الوحدة العربية بالدين الإسلامي وهكذا، كما أن المنعمين من الوضع القطري لا يحبون بل ويعادون مصطلح الوحدة النضالية التي ترتبط بمنهج يعيد توزيع الثروات ويقلل من هيبة سيادتهم المحصورة في نطاق أضيق ويتكئ على العلاقات الدولية التي ستنتهي الى كونها كخصم في مفهوم الوحدة النضالية ..

لقد تشظى مفهوم الوحدة عند تلك التعريفات الملتصقة بصفات أثارت نوازع رفضها، حتى بات من يحاول طرح موضوع الوحدة، يحس بحرج واستحياء في طرحه، وإن طرحه فإنه سيتوقع من طرحه أن يذهب أدراج الرياح، خصوصا في هذا الوقت الذي باتت القطرية (الحالية) مطلبا غير مضمون صيانته.

إن كان سكان الوطن العربي الآن يزيدون عن 315 مليونا، وإن كان الناطقون بالعربية 422 مليونا، فهذا وحده لا يجعل هؤلاء يندفعون نحو التوحد لاشتراكهم باللغة، فالرصف العمودي يختلف عن الرصف الأفقي في مسائل كهذه، حيث أن محصلة الراغبين بالوحدة قد تتساوى أو حتى تقل عن أولئك الذين لا يرغبون بها لاعتبارات شتى.

لو عدنا لموضوع تعريف الوحدة، وعلى الطريقة (المدرسية) أو التعليمية، فإنها ببساطة: (إنها اندماج دولتين أو أكثر بدولة واحدة ذات كيان دولي واحد وذات سيادة كاملة) . فتصبح عناصر الدولة الموضوعة بدوائر المعارف، الوطن والشعب والحكومة والسيادة ..هي مجموعة معنوية واحدة ضمت ما سبقها وتخلت عما سبقها من اعتبارات، والأمثلة كثيرة في ألمانيا (بسمارك) وبعد اتحاد الألزاس واللورين وغيرها من المقاطعات التي كونت فرنسا، وغيرها الكثير من الأمثلة وآخرها اليمن ..

ولو أردنا الالتفات لمناقشة الأدبية التي كتبت في موضوع الوحدة العربية، سنجدها مسألة فكرية سياسية حاولت ربط الواقع كمشهد بائس سياسيا واقتصاديا و معنويا، بمستقبل يتجاوز هذا البؤس و يعيد الشعور بالانتماء بشكل يسمو فوق حالة انعدام الوزن التي يحس بها أبناء الوطن العربي. سنجد حينها عوامل اتفق عليها الكثير من المفكرين جعلوها مبررات لتوحد الأمة، وهي الروابط القومية كاللغة والتاريخ والتراث المشترك والأدب والصلات الحضارية والعوامل العرقية ووحدة الأرض وترابط أجزاء الوطن، أي مجموع العوامل التي تكوِن الروابط الروحية التي تربط الأمة العربية. يضاف إليها المصالح المشتركة المادية (الاقتصادية) والصراع مع الاستعمار والصهيونية، وهذه العوامل تخلق وحدة الشعور بين أبناء الأمة العربية.

لكن هل وحدة الشعور هي الوحدة؟ إن ذلك لا يتفق مع التعريف الذي أوردناه، فوحدة الشعور تتعلق بالحالة النفسية والفكرية للشعب العربي، والوحدة أمر يتعلق بكيان الدولة، ووحدة الشعور عامل أو أرضية يدفع باتجاه التفكير الإجرائي، في حين الوحدة هي إجراء عملي يقع في وقت محدد يحدث بسببه تغيير في كيان الدولة وزوال أجزائها، وهو بدوره يعيد تغذية الشعور بالوحدة لصيانتها من التشرذم من جديد.

لكن ونحن نتحدث عن وحدة الشعور، لا بد من الحديث عن وحدة النضال من أجل الوحدة، فالتعبير عن مشاعر الغضب في المظاهرات ينبئ بوحدة أبناء المغرب العربي مع أبناء المشرق العربي من حيث مشاعرهم في الاستياء مما يحيط بالأمة من أعمال تستهدف تخريبها و الاستمرار بإنهاكها، وهذا قابل لأن يتحول لإجراء نضالي، إذا ما عرفنا أن محركات مخازن الرأي العام تتمثل بالمنظمات الجماهيرية النقابية والحزبية وغيرها، فكلما تطورت وحدة التنسيق بين تلك المنظمات كلما تطور النضال من أجل الوحدة ..

ولكن الذين يخشون تصاعد هذا النمط من النضال، يقولون أن هناك جامعة عربية تقوم بهذا الدور ولها ميثاق عمل وفيها من المؤسسات والأجهزة ما يشمل التوحد الثقافي والاقتصادي وحتى السياسي، ولسنا بحاجة للتفكه من هذا القول، فعمل الجامعة أشبه بسير السلحفاة التي تتسابق مع صاروخ ..

يتبع
__________________
ابن حوران