عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 03-06-2005, 08:39 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي خاصيات الإنسان

خاصيات الإنسان
الغرائز والحاجات العضوية والتفكير
(ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)

الإنسان مادة، وقد أودع الله فيه الروح، سر الحياة، فأوجدت فيه طاقة حيوية تتمثل في الخاصيات التالية: الغرائز والحاجات العضوية، والتفكير.

الغرائز
الغرائز خاصيات في الإنسان تدفعه لأن يميل إلى أشياء وأعمال، أو لأن يحجم عن أشياء وأعمال وذلك من أجل أن يشبع أمراً داخله.
وقد اختلف الباحثون والعلماء في عدد هذه الغرائز، ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى عدم وقوع الحواس على واقع هذه الغرائز، وإلى عدم إدراك العقل هذا الواقع مباشرة، وقد اعتبروا مظاهر الغرائز غرائز، فنتج عندهم غرائز عديدة، كغريزة الخوف وغريزة الميل الجنسي وغريزة العطف، وغريزة التملك، وغريزة التقديس، وغريزة حب الاستطلاع , و ... و... و... .
وبعد استقراء هذه المظاهر التي اعتبروها غرائز، وجد أن هذه المظاهر تنتظم في ثلاث مجموعات، وأن كل مجموعة تنتمي إلى غريزة.

النوع الأول من هذه المجموعات الثلاث، وهي مظاهر الخوف وحب التملك وحب الاستطلاع، وحب الوطن، وحب القوم، وحب السيادة، وحب السيطرة وغيرها، ترجع كلها إلى غريزة البقاء لأن هذه المظاهر تؤدي إلى أعمال تخدم بقاء الإنسان كفرد.
والنوع الثاني من هذه المظاهر، كالميل الجنسي، والأمومة، والأبوة، وحب الأبناء والعطف على الإنسان والميل لمساعدة المحتاجين، وغيرها، ترجع إلى غريزة النوع، لأن هذه المظاهر تؤدي إلى أعمال تخدم بقاء النوع الإنساني كنوع وليس كفرد.
والنوع الثالث من هذه المظاهر كالميل لاحترام الأبطال والميل لعبادة الله، والشعور بالنقص والعجز والاحتياج وغيرها، ترجع إلى غريزة التدين، لأن هذه المظاهر تدفع الإنسان إلى البحث عن خالق قادر كامل، لا يستند في وجوده إلى شيء، وتستند المخلوقات في وجودها إليه.
فالغريزة خاصية فطرية موجودة في الإنسان من أجل المحافظة على بقاءه، ومن أجل المحافظة على نوعه، ومن أجل أن يهتدي بها إلى وجود الخالق، وهذه الغريزة لا يقع الحس عليها مباشرة، وإنما يدرك العقل وجودها بإدراكه مظاهرها.

لقد خلق الله الخاصيات، وألهم الإنسان أو الحيوان استعمالها، قال تعالى على لسان موسى في رده على فرعون : (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) أي وضع في كل شيء خاصياته وهداه بواسطة هذه الخاصيات إلى القيام بأعمال يشبع بها جوعاته من غرائز وحاجات عضوية، وقد فسر بعضهم هذه الآية : إن الله خلق لكل حيوان ذكر حيواناً أنثى من جنسه وألهمه كيفية النكاح، ففسروا كلمة (خلقه) أي مثله في الخلق. والمعنى الأول أعم، وتحتمله ألفاظ النص، فهو أصح لأن الآية مصدرة بلفظ كل شيء، وكل شيء لفظ عام يشمل كل مخلوق. قال تعالى : (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً) ، أي أعطاها خاصية تمكنها من بناء خلاياها في الجبال.
وقد أشار الله إلى بعض مظاهر هذه الغرائز، قال تعالى : (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون) فخلق الله للإنسان أشياء، ومنها الأنعام من أجل أن يتملكها ليشبع حب التملك الذي هو مظهر من مظاهر غريزة البقاء.
وقال تعالى مخاطباً إبراهيم عليه السلام : (قال إني جاعلك في الأرض إماما، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) فحب إبراهيم لذريته وهو مظهر من مظاهر غريزة النوع، جعله يسأل الله سبحانه الإمامة لذريته، وذلك ليشبع غريزة النوع التي فطر عليها، فرد عليه رب العالمين : (لا ينال عهدي الظالمين) مبيناً أن الإمامة ستكون لذريته الصالحين، ولن يشمل هذا العهد الظالمين منهم.
وقال تعالى في سورة يوسف : (ولقد همَّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه) فالميل الجنسي وهو مظهر من مظاهر غريزة النوع موجود عند زوجة العزيز، فهمَّت بيوسف بدافع من هذا الميل لتشبع غريزة النوع، وهذا المظهر موجود أيضاً عند يوسف ولكنه لم يتصرف تصرفها لأن الله سبحانه وتعالى أراه ما منعه من هذا الهمّ، فكلمة (لولا) أداة امتناع لوجود، فقد امتنع يوسف عن الهمّ بها بسبب رؤيته برهان ربه، فيكون معنى الآية، لولا أن رأى يوسف برهان ربه لهمَّ بزوجة العزيز نتيجة ميله الجنسي إليها، ولكنه لم يهمَّ بها لأنه رأى من الله ما منعه من الهمّ بها .
وقال تعالى : (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه) وقال : (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً) فالإنابة إلى الله، والخوف من عذابه من مظاهر غريزة التدين.

والغرائز الثلاث موجودة في الإنسان، ولا يمكن القضاء عليها، ولا أن يسلبها الإنسان من الإنسان، ولكن بعض مظاهر الغريزة الواحدة يمكن كبتها أو محوها وإحلال أحدها محل الآخر، فيمكن أن يحل حب الزوجة محل حب الأم، وحب السيادة محل حب التملك وتقديس البشر والأصنام محل عبادة الله، ولكن لا يمكن محو الغريزة كلها واستئصالها من الإنسان، لأن الغريزة جزء من ماهية الإنسان، بينما المظهر الغريزي ليس جزءاً من ماهية الإنسان.
أما كيف يدرك الإنسان انتماء مظهر من المظاهر إلى غريزة من الغرائز، فإنه يدرس واقع المظهر، فإن كان المظهر ميلاً أو إحجاماً ينتج عنه عمل يخدم بقاء الإنسان ذاته، فإن هذا المظهر ينتمي لغريزة البقاء، كالخوف والشجاعة، والبخل وغيرها، وإن كان المظهر ينتج عنه عمل يخدم بقاء النوع الإنساني كان هذا المظهر ينتمي لغريزة النوع كالحنان والعطف والميل الجنسي وغيرها.
وإن كان ينتج عن المظهر عمل يخدم شعور الإنسان بالعجز وبحاجته إلى الخالق، كان هذا المظهر ينتمي لغريزة التدين، كالخوف من اليوم الآخر، وكالميل لاحترام الأقوياء، وكالإعجاب بنظام الكون وغيرها.
فالمظهر غير العمل، فالميل للتملك غير التملك، لأن الميل للتملك شعور في نفس الإنسان تجاه الأشياء لضمها إليه وحيازتها، بينما التملك هو القيام بالعمل. كشراء سيارة أو سرقة مال، فالمظهر لا يشبع الغريزة، وإنما العمل الذي يدفع إليه المظهر هو الذي يشبع الغريزة أو يحقق جزءاً من الإشباع ... فالميل لإرضاء الله غير العبادة، لأن العبادة تشبع غريزة التدين، بينما مجرد الميل لا إشباع منه ... والميل الجنسي لا يشبع غريزة النوع، بينما جماع الرجل المرأة يشبع بعض هذه الغريزة، وإن تكرر هذا الجماع بينهما دون إنجاب أطفال، أصبح هذا العمل غير مشبع للغريزة من جهة هذا المظهر، لأن الأصل في العمل الناتج عن المظهر أن يخدم الغريزة التي ينتمي إليها هذا المظهر... فالجماع دون إنجاب لا يتحقق فيه الإشباع الكامل، لأنه لا يؤدي إلى استمرار بقاء النوع الإنساني، فلا يخدم غريزة النوع.
والمظاهر قنوات جاذبة لما يشبع الإنسان من خارج الإنسان، فغريزة البقاء مثلاً، موجودة للمحافظة على بقاء الإنسان بفرديته، وهي تتطلب إشباعاً من خارج الإنسان عبر هذه القنوات المتمثلة في مظاهر غريزة البقاء (كالميل للتملك، والسيادة والسيطرة والشجاعة وغيرها) من أجل جذب الأشياء اللازمة لإشباع هذه الغريزة.
هذه الغرائز، وما يتفرع عنها من مظاهر تتفاوت قوة وضعفاً بين إنسان وآخر، وتتفاوت قوة وضعفاً في الفرد نفسه، وتتفاوت قوة وضعفاً تبعاً لنوعية المثيرات الخارجية لها، وتبعاً للعمر الذي وصل إليه الإنسان.
فنجد إنساناً ممتلئاً حيوية يريد أن يشبع غرائزه الثلاث القوية عنده بنهم، ونجد إنساناً آخر في سنه كسولاً ضعيفاً يكتفي بالقليل القليل لإشباع هذه الغرائز الضعيفة عنده، ومن جهة أخرى نجد إنساناً منصرفاً ليشبع غريزة البقاء القوية لديه أو غريزة النوع، وغير مهتم لإشباع غريزة التدين ... أو نلاحظ أن حنان الأم والتعلق بها يصرف شخصاً عن الميل الجنسي وحبه لزوجته أو بالعكس ... ونلاحظ أن الميل الجنسي غالباً ما يكون قوياً في سن الشباب، ثم يبدأ بالضعف في سن الشيخوخة .. وأن الانصراف إلى العبادة والخوف من الآخرة غالباً ما يكون أشد في سن الشيخوخة منه في سن الشباب.
هذا التفاوت في الغرائز بين الناس، جعل بعضهم يقدم على القيام بأعمال لا يقدم عليها بعضهم الآخر، إما بسبب القوة والضعف في الغرائز وإما بسبب التفاوت بين المثيرات .. مما جعل أحكام الناس على الأفعال والأشياء التي لها علاقة بإشباع غرائزهم تختلف وتتفاوت وتتناقض وتتأثر بالبيئة أي بالمثيرات الخارجية ... وقد أدى ذلك إلى تنوع في الإشباعات، منها الإشباع الصحيح وهو قيام الشخص بعمل لإشباع غريزة بشيء هو محل لإشباعها، وبالطريقة التي حددها النظام الصحيح لهذا الإشباع، فإتيان المرأة بعقد صحيح يكون إشباعاً للميل الجنسي وهو إشباع صحيح لغريزة النوع، لأن المرأة وهي المثير الخارجي للميل الجنسي، هي المحل الذي خلقه الله ليشبع الرجل هذا الميل فيه، ونظم العمل لإشباع هذا الميل بالزواج.
وأما إن أتى الرجل امرأة لا تحل له، أو أتاها بدون زواج، كان إشباعه للميل الجنسي خاطئاً، لأنه إشباع مخالف للنظام الصحيح وإن كان في محل الإشباع. وإن أتى الرجل بهيمة أو ذكراً مثله، كان إشباع الميل الجنسي شاذاً لأنه إشباع للغريزة في غير محل إشباعها، وفي نفس الوقت إشباع مخالف للنظام الصحيح للإشباع.
وإشباع غريزة التدين بأمر الله للإنسان بعمل معين كالصلاة مثلاً هو إشباع صحيح، وأما عبادة الله بما لم يأمر به كدوران الإنسان حول نفسه فهو إشباع خاطئ، وإن كان قصد العابد إرضاء الله .
وأما عبادة الأصنام باعتبارها آلهة فإنه إشباع شاذ، لأنها ليست محلاً لإشباع غريزة التدين، لأنها لا تشبع الشعور بالنقص والعجز الموجود عند الإنسان، ولأنها – أي الأصنام – أكثر عجزاً من الإنسان.
وإشباع غريزة البقاء بما أمر الله به من أعمال كالتملك بالشراء، إشباع صحيح، وإشباعها بالسرقة لأموال الآخرين إشباع خاطئ لأن السرقة حرمها الشرع، وأما إشباع غريزة البقاء من قبل المسلم عن طريق التجارة مثلاً ليتملك خمراً أو خنزيراً فهو إشباع شاذ لأن هذه الأشياء المحرمة لا قيمة لها في الإسلام، ولا يجوز امتلاكها. فهي ليست محلاً للإشباع.
الرد مع إقتباس