عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 04-06-2005, 12:22 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي الحاجات العضوية






الحاجات العضوية

(الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى)



الإنسان مادة، وفي الإنسان طاقة حيوية تتمثل في الغرائز والحاجات العضوية والتفكير، وتظل هذه الخاصيات في الإنسان ما دام على قيد الحياة، وتزول بموته.

تحدثنا عن الغرائز الثلاث ومظاهرها، وأما الحاجات العضوية، فالحديث عنها بحاجة للحديث عن الجسد البشري، أي عن المادة التي يتكون منها جسم الإنسان.

يتكون الجسد البشري المحسوس الملموس من خلايا متعددة الأشكال والألوان والوظائف، ويبلغ عددها أكثر من 200 ألف مليون خلية، وكل خلية تتكون من غشاء أو جدار يضم داخله مادة هلامية هي السيتوبلازم الذي تتوسطه النواة المكونة من كروموسومات (صبغيات) عددها 46 كروموسوم فقط، لا تنقص ولا تزيد إلا في الحيوان المنوي للرجل والبويضة للمرأة.

وتركيب جسم الإنسان لا يختلف فيه فرد عن فرد من ناحية تركيبه العضوي والوظيفي مهما اختلف لونه أو حجمه أو مظهره، فالكل له رأس وقلب ومعدة وأطراف وبقية الأعضاء، وأعضاؤه تتكون من نفس الخلايا الموصوفة سابقاً، والكل يتناول الطعام ويتنفس الهواء، والكل ينام ويتحرك ويتخلص من الفضلات بنفس الطريقة.

وخاصية احتياج جسم الإنسان لأمور معينة، وطلب الإنسان لهذه الأمور، هي خاصية أودعها الله في الإنسان، وهي ما يسمى بالحاجات العضوية، وهذه الحاجات تتطلب إشباعاً، ومن أجل إشباعها يحتاج الإنسان إلى أوضاع وأشياء وأعمال معينة. فمن هذه الأوضاع التي يحتاجها جسم الإنسان النوم والراحة، ودرجة الحرارة المناسبة، والضغط الجوي المناسب. من هذه الأشياء التي يحتاجها الإنسان الطعام والشراب والهواء ومن الأفعال التنفس والأكل والتغوط.

هذه الحاجات العضوية إن لم يتوفر أي منها للجسم الإنساني الحي تعرض للهلاك.

وهذه الأوضاع وهذه الأشياء تتطلبها أعضاء الجسم من أجل أن تقوم بوظائفها، فبمجرد نقص الماء اللازم في الجسم، ترسل الأعضاء إحساسها بهذا النقص، فيندفع الإنسان للبحث عن حاجته إلى الماء، لسد هذا النقص، فإن لم يجد الماء قاوم الإنسان هذه الحاجة بما لديه من ماء، فإن نفد ما لديه من ماء احتياطي في بقية أعضائه تعرض الجسم للهلاك حتماً.

وهكذا بقية الحاجات من طعام وهواء ونوم .

وقد تكون الحاجة تخلص الجسم من الفضلات الضارة به، كالعرق والغائط، وثاني أكسيد الكربون.

ورغم أن وجود هذه الحاجات العضوية مدرك للإنسان، فقد أشار إليها تعالى في القرآن الكريم، قال تعالى: (ومن آياته منامكم في الليل والنهار) ، وقال في بيان أن الرسول واحد من البشر : (ما هذا إلا بشر يأكل مما تأكلون منه، ويشرب مما تشربون) .

وقد أباح الله للإنسان أن يأكل مما حرمه عليه من الأطعمة من أجل إشباع الحاجة العضوية حين يتعرض للهلاك، قال تعالى : (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) ، ولم يقطع عمر بن الخطاب يد السارق في عام الرمادة لأنه سرق من حاجة ومن أجل أن يشبع حاجته العضوية.




الغرائز والحاجات العضوية

أوجه الشبه والاختلاف والعلاقة بينهما



الغرائز والحاجات العضوية تتشابه في أنها خاصيات فطرية في الإنسان، كخاصية السيولة في الماء، والاحتراق في النار، لا يستطيع أحد أن يسلبها إلا رب العالمين.



وتختلف الغرائز والحاجات العضوية من وجهين:



الوجه الأول : إن إشباع الحاجات العضوية حتمي، فإن لم تشبع تعرض الإنسان للهلاك، فإن لم يأكل أو لم ينم، أو لم يتنفس، أو لم ... كان مصيره الهلاك.

وأما الغرائز فإن إشباعها غير حتمي، وإن عدم إشباعها لا يؤدي إلى الهلاك، وإنما يؤدي فقط إلى الاضطراب والقلق والشقاء، فإن لم يشبع الإنسان غريزة التدين أو غريزة البقاء أو غريزة النوع لا يهلك ولكنه يشعر بالقلق والضيق والاضطراب، وهذا الشعور جلي وواضح عند الزوجين اللذين لا ينجبان أطفالاً بسبب عقم أحدهما أو كليهما.

والوجه الثاني : إن الحاجات العضوية تثار من الداخل، فالإنسان يحس بأنه بحاجة إلى الأكل أو الشرب إذا جاع أو عطش بسبب حاجة أعضائه للمواد المتحللة من الطعام والماء، ويحس بأنه بحاجة للنوم أو للراحة إن سهر أو تعب كثيراً، ولا تستطيع أعضاؤه أن تقوم بوظائفها إن لم ينم أو لم يسترح، فأي نقص في الحاجات العضوية من أوضاع وأشياء يحس به الإنسان من داخل الجسم وإن لم تقع حواسه على الأشياء التي تشبع هذه الحاجات.

أما كيف يحس الإنسان بحاجة أعضائه إلى الأوضاع والأشياء، فإن النقص في هذه الحاجات العضوية يبدأ بتأثر بعض الخلايا المنتشرة في كافة أنحاء الجسم، ومن ثم ينتقل هذا التأثير بواسطة الأعصاب إلى مراكز معينة في الدماغ، حيث يقوم الدماغ بربطها بالمعلومات السابقة عن هذه الإحساسات وعن الحاجات التي تشبعها، فيندفع الإنسان للتصرف من أجل إشباعها.

وأما الغرائز فإنها تثار من خارج جسم الإنسان، فإن رأى مالاً كثيراً، ثار لديه حب التملك الصادر عن غريزة البقاء، وإن رأى ميتاً ثار عنده التفكير في عجزه وهو من مظاهر غريزة التدين، وإن رأى امرأة جميلة ثار لديه الميل الجنسي وهو مظهر من مظاهر غريزة النوع، وقد تثار الغرائز عن طريق التفكير في الأشياء المثيرة عادة للغرائز، فتصور هذه الأشياء المثيرة واستحضارها في الذهن يثير الغرائز، لأن الإنسان أحسها سابقاً فأثارت غرائزه.

وهناك علاقة بين الحاجات العضوية وغريزة البقاء باعتبار أن الأشياء التي تسد الحاجات العضوية عند الإنسان تخدم بقاءه على قيد الحياة، فالطعام والشراب، والتنفس والنوم والتغوط والتعرق تحافظ على بقاء الإنسان، فهي حاجات تلزم للجسم ليقوم بوظائفه الطبيعية، ولكنها أيضاً لازمة له ليبقى على قيد الحياة. فالميل إلى تملك الطعام، أو الميل لأكله مظهر من مظاهر غريزة البقاء، لأن هذا الميل قد يوجد لدى الإنسان مع أن أعضاءه ليست بحاجة إلى الطعام، وإنما لوجود معلومات سابقة عن لذة هذا الطعام وعن إشباعه للحاجة العضوية. فإن كانت الإثارة آتية من خارج الإنسان فقط دون أن تكون أعضاء الجسم بحاجة للطعام كانت الاستجابة غريزية، وكان الميل للطعام مظهراً غريزياً. وإن كانت الإثارة آتية من داخل الجسم لكون الأعضاء بحاجة لهذا الطعام، كانت الاستجابة عضوية، فالفعل وهو الأكل يكون لإشباع الحاجة العضوية للطعام إن كان الإنسان جائعاً. ويكون الأكل أيضاً لإشباع غريزة البقاء، إن كان أكل الإنسان ناتجاً عن حبه لهذا الطعام فقط، ولم يكن جائعاً، ولم يكن جسمه بحاجة إلى المواد المتحللة منه.

والحاجات العضوية، كما هي موجودة عند الإنسان موجودة أيضاً عند الحيوان، وإن كانت بعض الأوضاع والأشياء التي تشبع الحاجات العضوية عند الإنسان غير الأوضاع والأشياء التي تشبع الحاجات العضوية عند الحيوان، فالطعام الذي يشبع الإنسان غير الطعام الذي يشبع جوعة المعدة عند أغلب الحيوانات. والظروف والأوضاع التي تعيش فيها بعض الحيوانات كالأسماك والطيور غير الظروف والأوضاع التي يعيش فيها الإنسان، وذلك بسبب الاختلاف في تركيب جسم كل من النوعين.

والغرائز موجودة عند الحيوان كما هي موجودة أيضاً عند الإنسان، كغريزة النوع وما يصدر عنها من مظاهر كالميل الجنسي، وكغريزة البقاء وما ينتج عنها من مظاهر كالخوف من الأخطار، إلا أن بعض المظاهر الغريزية لغريزة النوع ولغريزة البقاء غير موجودة عند الحيوان كحب الاستطلاع، وكالميل لإنقاذ المشرف على الهلاك، أو تختلف عند الإنسان عنها عند الحيوان، كحب التملك.

أما غريزة التدين، فإن الإنسان ينفرد بمظاهرها دون الحيوان، فلا يظهر على الحيوان أي مظهر من مظاهر التدين، لأن الإنسان لا يدرك كيف يشبع الحيوان هذه الغريزة ، رغم علم الإنسان بوجود هذه الغريزة عند الحيوان، وذلك عن طريق الدليل النقلي المقطوع بصحته، وهو القرآن الكريم، الذي أخبرنا بتسبيح وصلاة الكائنات الحية وغيرها، قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) و قال تعالى: (كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) فالتسبيح والصلاة أعمال ناتجة عن ميل الإنسان لتقديس الخالق، وهي مظهر من مظاهر غريزة التدين التي أخبرنا الله بوجودها عند جميع الكائنات دون أن ندرك ماهيتها (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) .
الرد مع إقتباس