عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 03-06-2006, 12:39 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

وهكذا يُكتب الشعر (1 - 2)

علي بن حسن العبّادي


لقد وجِد الشعر قبل أن يوجد عِلْما العروض والقوافي، ولم يتطلع الخليل بن أحمد الفراهيدي (رحمه الله)، إلى هذا العلم إلاّ بعد ما استعجمت الألسنة، وأصبح الناس يتكلمون بكلام دخله اللحن كثيراً، وتأثروا باختلاطهم بالأعاجم الذين يرتضخون لكنة أعجمية، لأنهم ليسوا عرباً، فأخذ الخليل نفسه بالنظر في الأمر سنين طويلة، فجاء للناس بهذا العلم (علمي العروض والقوافي) لينتفع الشعراء به، وإن كان الشعراء المبدعون لهم ذائقتهم الشعرية التي تجنبهم الخطأ في كتابة الشعر.

والشعراء المبدعون يتطلّبون هذا العلم (علم العروض)، وعليهم ان يتقيدوا بما رسمه لهم علماء العروض، وإن كانوا قد تمرسوا بالشعر زمناً طويلاً وتدربوا عليه فاتسعت لديهم ملكة الشعر فينسجون شعرهم بما أوتوا من ملكة، فيكتبون شعرهم بحذق ومهارة، فيأتون بالسحر الحلال ويتجنبون بذلك حذلقة النقاد.

وعلم العروض ينفع منفعة ليست باليسيرة، لطلاب اللغة العربية وخريجيها وأساتذتها أيضاً.

يقول أبو الحسن أحمد بن محمد العروضي، المتوفى سنة 1342ه في كتابه (الجامع في العروض والقوافي)، نسختي الخطية: «إن قوماً رأيتهم كثيراً ما ينشدون البيت المكسور، فلا يحسون بموضع الانكسار منه وهم عند لقاء بعضهم علماء بالشعر ورواة له، ومعادن من معادنه وهم مع ذلك يطعنون في العروض ولو علموا ما هم عليه من الخطأ بجهله، لسارعوا إلى علمه» ويقول: «ولقد أنشدني رجل من العلماء بالشعر المتقدمين فيه، الحذّاق بمعانيه، بيتاً يُستشنع إنشاده من مثله وقفت منه على زلله وقبح خطله. وأما هو فما شعر بذلك ولعله يفعل ذلك كثيراً ولا يدري مواقع الخطأ من الصواب.

والبيت للعجّاج وهو:

يكشفُ عن جَمّاته دَلو الدالْ

عبايةً غبراءَ من أجْنٍ طالْ

وهذا البيت ينشد موقوفاً وهو من السريع فأنشده مكسوراً في الوزن ولو كان مع هذا الرجل من علم العروض ما يعرف به وزن الأبيات الصحاح، فضلاً عما سواها، ما ذهب عليه هذا المقدار».

وقرأت في جريدة «الأخبار» المصرية العدد الصادر في غرة شهر صفر سنة 1427ه ، في صفحتها الثقافية أبياتاً من البحر الهزج للشاعر البهاء زهير جاء فيها بيت مكسور وهو:

كفى ما كان من هجرٍ

فقد تركْتكم وقد ذقنا

وصحة البيت هكذا:

كفى ما كان من هجر

وقد ذُقتم وقد ذقنا

وليس الوقت كافياً لأبحث عن صحة هذا البيت في ديوان الشاعر المبدع الحجازي المصري: (البهاء زهير)، وهو صاحب الذائقة الشعرية التي لا تخطئ، وقد صححت البيت بمعرفتي. ولو كان المشرف على الصفحة الثقافية من الرجال الذين عاشوا في زمن النور الذي شع من مصر في عهد الأدباء الكبار لفطن له وأحس بانكساره وما استطاع ان يسْلم من أقلام النقاد كعادة الأدباء المصريين في الزمن الماضي الجميل.

وقرأت في جريدة (عكاظ) العدد 13815 الصادر في يوم الأربعاء 5 جمادى الأولى سنة 1425ه مقطَّعة منشورة في مقالة الأستاذ محمد أحمد الحساني المعنونة (على خفيف) منسوبة إلى الشاعر (محمد صالح باخطمة)، يقول فيها:

مر عام وأنتِ عني بعيدهْ

يا منى النفس والأماني السعيده

مر عام كأنه الدهر عندي

يومُه مثقلْ والليالي مديده

حوْليَ الأهل أينهم؟ أنتِ أهلي

أنت عمري قديمُه وجديدُه

كلما جئت موضعاً انتِ فيه

برفيف المنى وذكرياتٍ عديده

(ابتي) لم تعد ترفّ بعمري

أتمنى سماعها لكي استعيدَه

فأقرأ في المقطعة ثلاثة أبيات مكسورة، ولا أعرف مصدر المقطعة؟ أصدرتْ هذه الأخطاء العروضية عن الشاعر؟ أم عن الكاتب؟ وتستقيم هذه الأبيات لو قال الشاعر:

مر عام كأنه الدهر عندي

(مثقل اليومِ) والليالي مديده

ولو قال:

كلما جئت موضعاً أنتِ فيه

برفيف المنى (وذكرى) عديده

ولو قال:

ابتي لم تعد ترفّ بعمري

أتمنى سماعها (كيْ أعيده)

فلو قال الشاعر هكذا لاستقامت أبياته، ولسلمت من الانكسار.. وقد وضعت ما صححته من كلمات بين حاصرتين. وهناك بيت من أبيات الشاعر (باخطمة)، لحقه الإقواء، والإقواء من عيوب القوافي التي يتجنبها الشاعر المتقن لشعره يقول باخطمة: (أنت عمري قديمُه وجديده)، فتأتي قافية الدال مرفوعة ومقطّعة الشاعر منصوبة القوافي. فلو قال الشاعر: (كنتِ عمري قديمَه وجديده) لجاءت القافية منصوبة ولسلمت من الإقواء.

ومقطعة الشاعر (محمد صالح باخطمة) من البحر الخفيف، ووزنه في دائرته (فاعلاتن - مستفع لن - فاعلاتن) مرتين وهو ثلاثة أعاريض وخمسة أضرب لا داعي لذكرها ومقطعة شاعرنا من العروض الأولى (فاعلاتن) ومن الضرب الأول، صحيح مثلهافاعلاتن)، والزحافات التي تدخل البحر الخفيف هي: الخبن والكفّ والشكل. (ففاعلاتن) تصير بالخبن (فعلاتن) و(مستفع لن) تصير (متفع لن) أو (مفاعلن) بوتدين مجموعين وبالكف (فاعلاتُ) بتاء متحركة ولكن العروضيين يعدون دخول هذا الزحاف في (الخفيف) أمراً قبيحاً شاذاً. كما يدخل (التشعيث) وهو حذف العين من (فاعلاتن) أي حذف أول الوتد المجموع فيها، فتصير (فالاتن) أي بثلاثة أسباب خفيفة ويحدث في تفعيلة الضرب، ويقل في غيرها من (فاعلاتن).. وبالشكل (فعلاتُ) وتلحق هذه الزحافات، البحر الخفيف، وفق قاعدة المعاقبة التي يطول شرحها وسأفرد لها مقالة أخرى إن شاء الله.

ومقطّعة الشاعر (باخطمة) دخل الخبن بعض (تفعيلاتها) فصارت (فاعلاتن) (فعلاتن). وصارت (مستفع لن) (مفاعلن).

وأقطع أحد أبيات الشاعر (باخطمة) التي قمت بتصحيحها من الانكسار وهو:

مر عام كأنه الدهر عندي

مثقل اليوم والليالي مديده

وأقطّعه هكذا:

وإن كثيراً من الشعراء يقتحمون هذا الميدان (ميدان الشعر)، والشعر بريء منهم ومن شعرهم المؤوف الذي فسد وجاوز الصواب وتواضعت أذواق الناس العارفين، على الخلل الذي لحقه .

إن موسيقى الشعر تطرب أصحاب الآذان السليمة وعلى الشاعر المبدع ان يجنب هذه الموسيقى آفات الشعر، والنشاز المزعج الذي لحق الكثير من القصائد التي امتلأت بها أعمدة الصحف والمجلات، فأصابتنا بقذى في أعيننا.

إن موسيقى الشعر ترقى وترتفع، والشعر موسيقى وإيقاع، والشاعر القرزام لا يستطيع ان ينجو من المآخذ التي حصرها العروضيون منذ زمن بعيد، والشعر جيد ورديء فمالا تطرب له أذن السامع فهو من الشعر الرديء، وإن اختلف الناس في تعريف الشعر ولكنهم لا يختلفون في سحره وجماله وأثره في النفس سواء أكان هذا الأثر جميلاً أم قبيحا.


يُتبع...
الرد مع إقتباس