[السنونو المهاجر]

دائما كانت جدتي تردد على مسامعي تقييما بدائيا لعمل هذا العمدة أو شخصية وأخلاقيات جابي الضرائب وتجاوزات هذا المدير أو ذاك المسئول فتقول مطمئنة الدار وساكنيها بأنه شخصا رخيص الثمن والقيمة في سوق الرجال. انطبعت العبارة في وعيي الداخلي، ومع مرور الأيام وتمنيت أن يكون لي في يوم من الأيام ثمنا ما في هذه السوق. كبرت وصرت يافعا لكن ظل الخوف من معرفتي لقيمتي الحقيقية يرهبني، فلم أسأل عن مكان السوق (بورصة الرجال). لما له من هيبة ووقع في نفسي. ولم أفكر مطلقا بقبض القيمة أو معرفة طرق صرفها.

في الآونة الأخيرة ازدحمت الساحة السياسية بالاسماء واجهضت الكلمات، وانجبت الخطب الحبلى أمواتا أو معوقين. حينها تذكرت المرحومة جدتي –رحم الله جداتكم – وجمعت ما لدي من بقايا ماء الوجه وشظايا شجاعة متناثرة لأعرض نفسي في سوق الرجال.. لقد تيقنت أنه لابد أن يكون لي ثمنا ما. ومهما كنت رخيصا فلن اقل قيمة وثمنا عن عمدة حي أو أمير قضاء شرقي لازالت في عروقه دماء وبوجهه بعض حياء....
في الحقيقة لو كانت جدتي على قيد الحياة لربما صححت قناعاتها واصدرت حكمها بأن لا قيمة مطلقا لأمرائنا وقادتنا في سوق الرجال. لذا لا أريد أن يقارن ثمني البخس وحياتي الرخيصة التافهة بقيمة طويل العمر وفخامة قائد الأمة وأملها… إذ أرى أن لا قيمة لهم حتى في سوق الإماء.. وأرجو الله أن أكون مخطيئا.
وسؤالي للقراء الأعزاء: من يعرف مكان هذه السوق، فيما إن كانت لا تزال تثمن الرجال فليدلني عليها وله مني كومسيون – سمسرة نصف قيمتي إن ثمنوني بقيمة أصلا.