عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 06-07-2005, 09:23 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]
التشريع الإسلامي منبثق عن العقيدة الإسلامية أي عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبعبارة أخرى منبثق عن الكتاب والسنّة المقطوع عقلاً بأنهما وحي من الله، فما فُهم منهما من أدلة وقواعد وأحكام هو التشريع الإسلامي. وعليه فإنه حين يُبحث التشريع الإسلامي أو يُبحث الإسلام من حيث هو إنّما يُبحث على أنه وحي من الله وليس من وضع البشر. وهذا هو أساس القضية في بحث الإسلام، وأساس النظرة إلى الإسلام. ولذلك يجب أن يقوم البرهان العقلي اليقيني أولاً على أن الإسلام وحي من الله، ثم يؤخذ التشريع مما جاء به الوحي أي من هذا الذي قام البرهان العقلي اليقيني على أن الله أوحى به نظاماً لبني الإنسان.

أمّا كون الإسلام وحياً من الله، فإن الإسلام هو ما جاء به القرآن وحديث الرسول. فأمّا القرآن فقد ثبت بالدليل القطعي أنه كلام الله، وذلك أن القرآن كتاب عربي جاء به محمد وقال إنه من عند الله. فهو إما أن يكون من العرب ونَقَلَه محمد عنهم، وإما أن يكون من محمد هو الذي قاله وادّعى أنه من عند الله، وإما أن يكون من الله حقاً وصدقاً. ولا يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلاء الثلاثة لأنه عربي اللغة والأسلوب
أما أنه من عند العرب فباطل لأنه تحداهم جميعاً أن يأتوا بمثله (قل فأتوا بسورة من مثله) (قل فأتوا بسورة مثله) (قل فأتوا بعشر سور مثله)، وقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك، فهو إذن ليس من كلامهم لعجزهم عن الإتيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم الإتيان بمثله. وأمّا أنه من محمد فباطل لأن محمداً عربي من العرب، ومهما حاول العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه وأمّته، وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على محمد العربي أنها لا يأتي بمثله، فهو ليس منه. علاوة أن لمحمد أحاديث صحيحة وأخرى رُويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إلاّ الصدق، وإذا قورن أي حديث بأي آية، لا يوجد بينهما تشابه في الأسلوب، وكان يتلوا الآية المنزلة ويقول الحديث في وقت واحد وبينهما اختلاف في الأسلوب. وكلام الرجل مهما حاول أن ينوعه فإنه يتشابه في الأسلوب لأنه جزء منه، وبما أنه لا يوجد أي تشابه بين الحديث والآية في الأسلوب، فلا يكون القرآن كلام محمد مطلقاً للاختلاف الواضح الصريح بينه وبين كلام محمد. وإذا كان الرجل لا يستطيع أن يخرج عن عصره فلا يملك أن يقول كلاماً غير كلام أهل عصره مهما حاول أن يقلد، فلا يمكن أن يخرج عن ذاته، أي لا يمكن أن يقول كلاماً غير كلام ذاته في المعاني والأسلوب من باب أوْلى. والنقاد للكلام قد أخرجوا الشعر المنسوب للعصر الجاهلي وقيل بعده بأنه ليس بجاهلي، وميّزوا الكلام بأنه قيل في عصر كذا، أي في العصر العباسي أو الأموي أو الأندلسي، مما يقطع بأن المرء لا يخرج عن كلام عصره ولا يخرج عن كلام نفسه، ولمغايرة القرآن أسلوباً لحديث محمد، فإن القرآن ليس كلام محمد. وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلام العرب، ولا كلام محمد، فيكون كلام الله قطعاً، ويكون معجزة لمن أتى به.

وأمّا كون حديث الرسول وحياً من الله فإنه يدل عليه كونه رسول الله، فالحديث كالقرآن هو رسالته التي أوحى الله له بها، وبما أنه ثبت أن محمداً رسول الله لأنه هو الذي أتى بالقرآن وهو كلام الله وشريعته، ولا يأتي بشريعة الله إلاّ الأنبياء، فهو قطعاً رسول ونبي. لذلك فإن حديثه وحي من الله لأنه حديث رسولٍ أرسله الله. على أن القرآن الذي ثبت قطعاً أنه كلام الله ينطق بصراحة على أن حديث الرسول وحي من الله، قال تعالى: (إن أتّبِعُ إلاّ ما يوحى إليّ) وقال: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى) وقال: (قل إنما أنذركم بالوحي).

وبهذا يكون قد قام البرهان العقلي اليقيني أن الكتاب والسنّة وحي من الله، وبما أنهما هما وحدهما الشريعة الإسلامية فإنه يكون قد ثبت بالدليل العقلي اليقيني على أن الشريعة الإسلامية وحي من الله. فلا بد أن يكون كل فكر ورد في الكتاب والسنّة وحياً من الله، وبالتالي لا بد أن يكون كل ما يُستنبط من الكتاب والسنّة هو من الوحي. وبذلك يتبين أن الشريعة الإسلامية ليست نظريات ظنية تطبق على الوقائع المتجددة، وإنّما هي معانٍ عامة جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحياً من عند الله، وهذه المعاني العامة تطبق على الوقائع المتجددة ويُستنبط من تطبيقها هذا أحكامُ هذه الوقائع، وهذه الأحكام نفسها المستنبَطة تعتبر من الوحي، ولذلك عرّف العلماء الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، أي هو عينه ما خاطب به الله الرسول ليبلغه للناس، لأنه أُخذ من لفظ الخطاب أو من معناه.

هذا هو الأساس الذي يجب أن يُبنى البحث في الشريعة الإسلامية عليه، وهي أنها وحي من الله. وهذه هي النظرة التي يجب أن يُحصر الاتجاه بها، وهي نظرة إلى شريعة جاءت من الله. فإذا ثبت أنها جاءت من الله فيُبحث فيها على هذا الاعتبار، أي اعتبار أنه يُبحث في شريعة الله، وحين يُستنبط الحكم يُستنبط على أنه مأخوذ من شريعة الله، وحين يُنظر لنوع معالجاته للمشكلة يُنظر إليه على أنه علاج من الله فيُتخذ مقياسه من حيث الأصل الذي انثبق عنه لا من حيث موافقته لذوق المعالج له أو عدم موافقته، ولا من حيث اتفاقه مع ما يسود في العصر أو اختلافه معه، لأن القصد من العلاج أن يكون علاجاً حقاً، والحق هو ما جاء من عند الله.

فالقضية في الشريعة الإسلامية حتى يتبين صحتها وكونها شريعة صالحة للناس في كل عصر وفي كل جيل يجب أن يُبحث هل هي من عند الله أوحى بها شريعة للناس، فإذا ثبت هذا كانت قطعاً هي شريعة الحق، لأن من صفات الإله التي تقتضيها الألوهية الاتصاف بصفات الكمال المطلق والتنزه عن صفات النقص، فإذا ثبت أن هذه شريعته كانت صحيحة وصالحة على الوجه الذي جاءت عليه. وإذا ثبت أنها جاءت للناس جميعاً في كل عصر وفي كل جيل (إنا أرسلناك كافة للناس) (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، كان من المحتم أن تكون ميداناً للتفكير تُستنبط منها جميع علاقات الإنسان وكان فيها المجال الواسع للتعميم فتشمل جميع الحوادث المتجددة والمتعددة، وتكون بالتأكيد تربة خصبة لإثبات القواعد الكلية والأفكار العامة. وما دامت للإنسان من حيث هو إنسان فإنها ولا شك تعالج مشاكل جميع الشعوب مهما اختلفت جنسياتها وبيئاتها. وهذا كله يحتمه كونها شريعة من عند الله أوحى بها لنبيّه ليبلغها للناس ليعملوا بها.

هذه هي القضية في الشريعة الإسلامية وهي كونها خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، أي كونها علاجاً للمشاكل أوحى به الله. فإذا حرم الربا فإنه لا يُسأل هل هذا التحريم موافق للعصر أو غير موافق، أو يتفق مع المدنية الحديثة أم لا، وإنّما يُسأل هل هذا التحريم استُنبط مما جاء به الوحي من الله؟ فإذا كان كذلك كان حكماً صحيحاً وإلاّ فلا. ولا يقال إن هذا التحريم يعطل المعاملات التجارية، ويقطع العلاقات الاقتصادية مع الخارج، ويجعل البلاد في عزلة. لا يقال ذلك لأن الأساس الذي بُنيت وجهة النظر في الحياة عليه هو جعل الشرع مقياس الأعمال، فيجب أن يُحكَّم الشرع وحده، أي أن المقياس هو الحلال والحرام فقط. ولذلك لا يعتبر غيره مقياساً ويُرمى به عرض الحائط.

وكذلك إذا أوجب الله على الزوج نفقة زوجته بالمعروف لمثلها على مثله ولو كانت غنية، لا يُسأل هل هذا الإيجاب متفق مع العصر الحديث أم لا، ولا يقال إن الزوجين يتعاونان على الحياة فيجب أن يتعاونا بنفقة البيت، أو أن النفقة للفقير وهذه غنية، لا يُسأل مثل هذا ولا يقال مثل ذلك، وإنّما يُسأل فقط هل هذا الفرض قد استُنبط مما جاء به الوحي من عند الله؟ فإذا كان كذلك كان حكماً صحيحاً وإلاّ فلا.

وكذلك إذا أباح الله للإنسان أن ينفق من ماله على غير المحرّمات ما شاء كيف شاء، فاشترى لزوجته بنصف مليون دينار حلياً وجواهر وبمليون دينار جهز ملاعب متنوعة خصصها لأولاده يلعبون بها واشترى لكل ولد من أولاده العشرة سبع سيارات يستعمل كل يوم واحدة، لا يقال إذا أباح الله ذلك للإنسان بأن هذا يخالف المصلحة الاقتصادية أو لا يتفق مع مصلحة الشخص، أو لا يرضاه العقل. لا يقال ذلك مطلقاً بل يُسأل فقط هل هذه الإباحة قد استُنبطت مما جاء به الوحي من عند الله؟ فإن كانت كذلك كان حكمها حكماً صحيحاً، وهكذا. فمَلاك الأمر هو قياس صحة الحكم وعدم صحته من كونه مأخوذاً مما جاء به الوحي من عند الله، فإن أُخذ مما جاء به الوحي كان صحيحاً وإلاّ فلا، ولا قيمة لأي اعتبار آخر مطلقاً.