عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 05-12-2002, 05:28 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

-بيت بشار من البحر البسيط وهو كما نعلم بحر يستعمل في الأغراض الجادة شأنه شأن الطويل والكامل ومن النادر استعماله في أغراض اللهو والمجون التي يكثر فيها استعمال الأبحر القصيرة والمجزوءات ومنها مخلع البسيط الذي نظم عليه سلم الخاسر بيته.
-واستعمل بشار تعابير قد تدل على نزوعه الشهواني العنيف الذي لا تكاد تكون فيه رقة أو رهافة مشاعر فقد استعمل تعبير "الظفر بالحاجة" لتحقيق لذة قد يراها الشاعر المرهف بعيدة عن أن تكون مجرد "حاجة" فهذه الكلمة تعطي انطباعاً بدافع جسدي شبه بهيمي تجرد من التسامي الإنساني.
وعزز هذا الانطباع في بيته وصفه للشخص الذي يستحسن فعله بأنه "فاتك" ولا يخفى ما في هذه الكلمة من ظلال للمعنى تدخلها في ساحة العنف وتعزز من الانطباع بالبهيمية.واستعماله للبسيط قد يوحي بأنه في نزوعه البهيمي جاد لا هازل فهو لا يكاد يكون من المجان خفيفي الظل الذين كثروا بعد عهده من أمثال أبي نواس وعصابته بل هو ممن ينظر إلى ممارسة اللذة البهيمية على أنها صراع وحرب مع المجتمع وتعبير عن العداء له.
في المقابل استعمل سلم تعبيراً آخر تماماً فمن راقب الناس عنده "مات غماً" فالأمر ليس أنه "لم يظفر بحاجته" بل أنه سيقع فريسة الغم.
وإن لم يراقب الناس سيفوز "باللذة" مقارنة "بالطيبات" عند بشار وتعبير اللذة يشمل المادي والمعنوي من الإرضاءات التي تتوق إليها النفس.وبدلاً من "الفاتك اللهج" استعمل سلم وصف "الجسور" وهو وصف أقرب بكثير إلى الإيجابي والإنساني فالجسارة خصلة ممدوحة خلافاً للفتك ولكون المرء لهجاً!
فإذا أضفنا إلى هذا البحر الرشيق القصير (مخلع البسيط) وجدنا أن سلماً أعطى إيحاء كاملاً بحالة "متحضرة" مقارنة ببيت بشار الذي ملئ بالإيحاءات البهيمية.
ومن هنا أعتقد أن بيت سلم لم يكن مجرد ترجمة بألفاظ أخرى لبيت بشار بل كان تغييراً لكل المحتوى وقد جاءت روعته وحرفته من استعماله المتقن لكل عناصر الازدواجية: الشكل-المضمون من الوزن إلى الألفاظ.
-تبقى نقطة أخرى وددت أن يتطرق النقاش ا: هل نحن ننصح بمراعاة ردود فعل الآخرين أم ننصح كالشاعرين بتجاهلها؟
وهل ردود فعل الناس بناءة أم مهدمة للتطور الروحي والأخلاقي للفرد والمجتمع؟
هذا نقاش آخر ولي عودة إن شاء الله.
وبالمناسبة للمرء أن يتأمل في الفرق الهائل بين الروايتين اللنين تناقلتهما كتب التراث عن سبب تلقيب سلم بالخاسر.فما أبعد أن يكون سمي بالخاسر لأنه ورث عن أبيه مصحفاً فباعه واشترى طنبوراً عن أن يكون ورث مالاً فأنفقه على الأدب!
وقد يدلنا هذا على أن كثيراً من هذه القصص كانت في حقيقتها "شائعات" مختلقة لا أساس لها وأن السر في تلقيبه بالخاسر قد يكون شيئاً آخر وقد يكون أمراً عرضياً لم يسجله التاريخ وضاع.
وهذا لعمري حال عدد كبير من الألقاب في تاريخنا الأدبي كألقاب "الفرزدق" و "المتنبي" و غيرهما.


وأشكر الأساتذة الذين أغنوا الموضوع حتى الآن بمداخلاتهم:مخلص النوايا والمركاز و يتيم الشعر والصمصام.
الرد مع إقتباس