عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-02-2006, 12:37 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي عندما تتساقط القيَم

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على خاتم النبيين و آله و صحبه الطيّبين الطاهرين


لكل شئٍ في هذا الكون قيمة. و هذه القيمة موضوعٌ نسبي متعلّق حدّ النخاع بالشخص الذي يُقيّم هذا الشئ. فإذا ما أخذت عقداً من الذهب إلى بائع فاكهة لتقييمه، فسوف يقيّمه بقيمةٍ أقلّ أو أكثر مما سيقيّمه به صائغ الذهب. فإذا قيّمه بأقل من قيمته كان هنالك خاسر و هو من يبيع. و إذا قيّمه بأكثر من قيمته فقد غالى فيه و سيكون هنالك خاسرٌ أيضاً هو من يشتري.
كذلك هو الحال في العراق..
فالأخبار عن الإنفجارت و القتلى و الدماء التي تراق، قيمتها عند من يعيش في العراق كقيمة الذهب عند الصائغ. أما من يعيش خارج العراق و يدّعي الإهتمام، فهو كبائع الفواكه الذي يقوم بتقييم الذهب (و عُذراً على التشبيه). بل و إننا وصلنا إلى حدٍّ من سقوط القيم لكل الأشياء بحيث صرنا نهتم و نحن في بغداد بأخبار بغداد فقط..!!
لمن يعيش داخل العراق، فتساقط القيم هذا جاء نتيجةً للصدمات المتوالية التي يتعرض لها الإنسان العراقي. فالدم و الدموع صارا جزءاً من الحياة اليومية للفرد العراقي. فكُلّ من يخرج من بيته إلى عمله صباحاً يوشِكُ أن يوقِن أنه ليس بعائدٍ إلى عائلته و أطفاله ذلك اليوم. بل و من الممكن أن يعود فلا يجدهم. من كثرةِ انتهاكات حرمة حياة الإنسان في العراق صار لا يُبالي. أخذت هذه الإنتهاكات أشكالاً كثيرةً منذ زمنٍ طويلٍ، و أقصد منذ صدام حسين. منها الإنقطاع المتواصل للكهرباء. فلنأخذ مثالاً في صيف بغداد المعتاد درجة الحرارة تصل إلى 50 درجة مئوية و أحياناً كثيرةً أكثر. فهل تستطيعون تصوّر حياة طفلٍ صغيرٍ أو امرأةٍ عجوزٍ في هذا الصيف.
الشوارع المغلقة. جزءٌ لا يتجزّأ من الحياة اليومية في عراق. فإذا ما أردت الوصولَ إلى مكانٍ ما كنت تصل إليه في 10 دقائق. أقسم أنه لا يمكنك الوصول إليه في أقل من 30 إلى 60 دقيقة. اما إذا قرر الأمريكان أن يُغلقوا الطريق فأمامك عدة ساعات لتصل.
تفتيش الحرس الوطني أو الأمريكان للبيوت. في أحد الأسابيع تعرض بيتنا للتفتيش مرتين خلال 4 أيام. و ما يفعله الحرس الوطني أو الأمريكان هو أن يبحثوا عن الأسلحة و يسرقون ما في المنزل من نقودٍ و ذهب و كل ما غلا ثمنه و خفّ حملُهُ. و إذا ما تجرّأ شخصٌ على الإعتراض كان مصيره الإعتقال لأنه إرهابي..!!!
السيارات المفخخة التي تقتل من الأبرياء ما تقتل هي انتهاكٌ واضحٌ لحياةِ الإنسان. كل هذا و غيره أدّى إلى الإنسان العراقي أن يتحول إلى إنسانٍ لا يُحسّ بغير الخوف. إنسان جُرِّد و ببطئٍ من كل مظاهر الإنسانية و الحياة الكريمة.
أهم قيمةٍ فقدها الإنسان العراقي هي قيمة الحياة الإنسانية..!!

زمنٌ تلاطمت به القيمُ فاستحال الجهاد إرهاباً و الإرهاب جِهاداً. و صار الفئران رؤساءَ و حُكّاماً بعد أن كانوا يقبعون في مجاري المخابرات الأمريكية و الإنكليزية. هاهم الفئران صاروا مناضلين و أبطال. و صار الأبطال فئراناً.
الكثير من القيم العليا تساقطت ليحملها من كان يتمنى أن يحملها ممن لا قيمة له. فعندما يدّعي البعثيون الجهاد نرى محاولةً للفئران أن يُصبحوا أبطالاً. و عندما يدّعي رؤساء الأحزاب السياسية في عراق أنهم كانوا ضد النظام فإنها محاولةٌ أخرى من الفئران أن يُصبحوا رجالاً.
و عندما يُريد الأمريكان أن ننسى القتلى المئة كل يوم في العراق (كمعدّل) فإنهم يجعلون إنفلونزا الطيور قيمةً عليا.
تمُرُّ على الإنسان ساعات غريبة. ساعاتٌ يُريد فيها الإنسان شيئاً. و يُريده بإلحاح و بشدّة. و يستمر بإرادة هذا الشئ حتى ينسى السبب الحقيقي الذي دفعه إلى إرادة هذا الشئ. فإذا نظر إلى الوراء، يجد أنه لا سبباً مُقنعاً وراء هذه الإرادة. و أنها في النهاية أصبحت عناداً فقط لا غير. هذا هو الحال مع من يُدافعون عن رأيهم بكل ضراوة مقابل إفشال رأي الآخرين.

قيمٌة الأخبار العراقية تساقطت عند المسلمين و العرب كما تساقطت قيمة أخبار فلسطين. فقد صارت من قبلُُ أخبار قتل الفلسطينيين عندنا جزءاً من الأخبار التي ننتظر نهايتها ليبداً المسلسل المصري فيما بعد. و كذلك أصبحت أخبار العراق. فمن يعيش خارج العراق لا يهتم ما إذا كانت السيارة المفخخة انفجرت في حي العامرية أو في حي الجامعة..فكلّها بغداد و يا قلب لا تحزن.
ربما من أهم أسباب هذا التساقط هو التوجّهات الإعلامية للقنوات الفكرية التي يستقون منها هذه القيم. التلفزيون و الجرائد و الكتب و كل ما ينقل المعرفة، هي أدواتٌ لإسقاط القيم كما يمكن أن تستخدم كأدوات للتقييم الصحيح. بالإضافة إلى ماما أمريكا التي أصبحت تفرض ثقافة العولمة المبنية على إسقاط القيم. و من الأسباب أيضاً حكّام الدول الإسلامية و العربية الذين يحتاجون لأسقاط القيم هذا ليستمروا بالتعفّن على كراسيهم غير آبهين بكل ما كان يملك قيمة.


فإذا ما تساقطت قيم البشر و ما يعملون و ما يحدث لهم..فسلامٌ على الدنيا بما فيها.



محمد العاني
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس