عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 20-12-2004, 11:50 PM
شوكت شوكت غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2001
المشاركات: 348
إفتراضي

 مساء يوم 8/12 خرجت السيدة وفاء من مقر إقامتها مرتدية حجابها، وسلمت إلى بيت <<المكرسات>> في ضاحية عين شمس الذي أغلقت أبوابه ونوافذه. وانقطعت صلة الأجهزة المختصة بها، التي اقتصر دورها على حراسة البيت من الخارج، في حين ظل كبار رجال الكنيسة يترددون عليه طول الوقت. وبعد ظهر يوم 14/12، بعد ستة أيام خرجت السيدة وفاء من البيت مرتدية غطاء الرأس (إيشارب) عليه صورة السيدة العذارء، في حين تدلى على صدرها صليب كبير. حيث حملتها سيارة سوداء إلى مقر نيابة عين شمس، مصحوبة ببعض المحامين الأقباط وعدد من القسس. وأمام وكيل النيابة، وخلال أربع دقائق قالت السيدة وفاء بصوت خفيض إنها ولدت مسيحية وعاشت وسوف تموت مسيحية. وهو ما اعتبر من الناحية القانونية عدولاً من جانبها عن طلب إشهار إسلامها. وعند هذا الحد انتهى دور أجهزة الأمن، وحملت السيدة في سيارة اتجهت بها إلى دير وادي النطرون، ومن ثم أسدل الستار على هذا الفصل من القصة.
الملابسات والأصداء أهم من الواقعة وأخطر. فتحول امرأة أو رجل عن دينه أمر لم يعد مستغرباً، بل صار وارداً في هذا الزمان. ولدى الجهات المختصة في مصر قائمة بحالات عديدة كانت في مثل حساسية موضوع السيدة وفاء، تمت معالجتها في هدوء، وبغير خسائر تذكر. وحين وقعت على بعض تلك الحالات استوقفني أمران، أولهما أنه حدث تسرع غير مألوف في نقل القضية إلى الرأي العام في الداخل والخارج، فضلاً عن أن ذلك تم بصورة مشوهة ومستفزة، وثانيهما أن ردود الأفعال اعتمدت أسلوب التصعيد والصدام ولي الذراع. وذلك يعد تطوراً نوعياً يثير عديداً من التساؤلات حول حقيقة دور الكنيسة، وما إذا كانت تمثل قيادة روحية أم قيادة سياسية. وتمتد تلك التساؤلات لتشمل طبيعة علاقة الكنيسة بالدولة، وحدود التزاماتها بالقانون والنظام العام.
هذه ملاحظة أولى على المشهد. الملاحظة الثانية أن ما جرى كان في شق كبير منه نتيجة غياب المعلومات الصحيحة عن الرأي العام. ومن أسف أن الإعلام المصري فشل في الاختبار، وعجز عن تقديم تلك المعلومات الصحيحة للناس في الوقت المناسب. فالإعلام الرسمي المتمثل في التلفزيون والإذاعة، وكذلك الصحف القومية إما تجاهلت الموضوع في بدايته أو عالجته بابتسار شديد. أما الصحف المستقلة والمعارضة، فقد عنى بعضها بالإثارة (العنوان الرئيسي لصحيفة صوت الأمة في 12/12 كان عن استغاثة أقباط المهجر بشارون لإنقاذ أقباط مصر من الاضطهاد) كما أسهم البعض الآخر في التحريض والتهييج (كان ذلك موقف صحيفة الأهالي، فعناوين العدد الصادر في 15/12 لم تكتف باستثارة الأقباط وإنما حملت أجهزة الأمن مسؤولية ما جرى وادعت أن تلك الأجهزة عطلت تنفيذ توجيهات الرئيس بحل المشكلة. وأن وزير الداخلية تهرب من الحديث في الموضوع).
الملاحظة الثالثة أن المجتمع بدوره رسب في الاختبار. ذلك أننا طوال الفترة التي ظهرت فيها المشكلة على السطح، في الفترة من أول ديسمبر إلى 14 منه، كان طرفا الموضوع هما الكنيسة الارثوذكسية ووزارة الداخلية. ولم نسمع صوتاً لأي مؤسسة أخرى في المجتمع، لا الأزهر ولا الاحزاب ولا منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان. حتى عقلاء الأقباط التزموا الصمت واكتفوا بمشاهدة <<المباراة>> من مقاعد المتفرجين. وإزاء ذلك فإنني أزعم أن الحدث كان بمثابة لحظة كاشفة، فاجأتنا بحقيقة الفراغ السياسي الكبير الذي تعيشه مصر، والذي وجدت <<الداخلية>> نفسها مضطرة إلى ملئه كيفما اتفق.
ملاحظتي الرابعة أن حالة الغضب المبالغ فيها التي عبر عنها الأقباط المتظاهرون لاحظ أنهم توجهوا إلى الكنيسة وليس إلى أي من مؤسسات الدولة تدل على أن ثمة احتقاناً متراكماً يتعين الاعتراف بوجوده، وتحري أسبابه وجذوره، كما ينبغي التعامل معه بكل جدية ومسؤولية، لأن التأجيل من شأنه أن يكرر مثل الأزمة التي مررنا بها، فضلاً عن أنه يفسح المجال للمتطرفين والمتعصبين لكي يكونوا أصحاب الصوت الأعلى في الساحة.
ما العمل؟ لست الأقدر على إجابة السؤال، لكني أقترح مدخلين للتعامل مع الموضوع، أولهما يدعو إلى عدم السماح للمتعصبين والمتطرفين والعناصر المشبوهة في الداخل أو الخارج بخطف الملف والحديث باسمه. وذلك لن يحدث إلا إذا تقدم الصفوف العقلاء الغيورون على مصالح الوطن وكرامة أهله، وأثبتوا حضوراً في مشهد الحل. وثانيهما أن يرصد الاحتقان في الساحة المصرية كلها، وليس لدى فئة دون أخرى، حتى إذا ما ثبت أن الاحتقان في الساحة القبطية فرع عن أصل في مجمل الشارع المصري، فربما نبهنا ذلك إلى أننا بصدد أزمة مجتمع لا أزمة فئة بذاتها فيه. ولربما بدا الحل الديموقراطي لأزمة المجتمع، الذي يجعل الجميع شركاء في صناعة حاضره ومستقبله، باباً للتعامل مع الأصل، الأمر الذي يعالج ما تفرع عنه، فيستأصل الاحتقان فيه أو يخفف من حدته.
يتداول بعض المثقفين المصريين اقتراحاً يتحدث عن لجنة للحكماء يمثل فيها الطرفان، وتتولى معالجة المشكلات العارضة التي تنشأ بين الحين والآخر. وهو اقتراح لا أجد له مبرراً لأن الأمر أكبر من أن تتصدى له لجنة أهلية. فضلاً عن أن في مصر مجلساً قومياً لحقوق الانسان، يضم نخبة طيبة من أهل الخبرة والثقة، وبه شعبة مختصة بالحقوق المدنية، تستطيع أن تنهض بما يراد للجنة المقترحة أن تقوم به. علماً بأن المشكلة في بعض جوانبها ليست في مجرد تقدير الحقوق وإنما تكمن في قوة مؤسسة الدولة ومدى هيبتها، وفي استعداد الأطراف المختلفة لاحترام النظام العام والانصياع للقانون، كما أنها تكمن في غيبة المشروع السياسي الذي يستنهض همم الجميع ويصهرها في بوتقة الوطن، لكي يوظفها لصالح حلم النهضة والتقدم المشترك.
() كاتب مصري