عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 07-01-2002, 08:23 AM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي رسالة الشيخ ابن تيمية الى امام الصوفيه

رسالة شيخ الإسلام احمد بن تيمية إلى الشيخ " نصر المنبجي " .
والشيخ " نصر المنبجي " من شيوخ الصوفية الذين حرضوا " ركن الدين الجاشنكير " على ابن تيمية . ولذلك أبعده إلى الإسكندرية فقد كان المنبجي من شيوخ الجاشنكير , وله تأثير قوي عليه ...
ومع ذلك نلاحظ أن ابن تيمية يتلطف معه , وينصحه : بأن إشارات الصوفية وحبهم يجب أن يكون واضحاً وهو الحب لله ولرسوله ولشرعه , وأن يلتزموا بشرعه , أما الحب العام الهائم , فهذا لا يفيد شيئاً . قال رحمة الله :
بسم الله الرحمن الرحيم

من أحمد بن تيمية إلى الشيخ العارف القدوة , السالك الناسك ( أبي الفتح نصر ) فتح الله على باطنه وظاهره ما فتح به على قلوب أوليائه , ونصره على شياطين الانس والجن في جهره وإخفائه . ونهج به الطريقة المحمدية الموافقة لشرعته , وكشف به الحقيقة الدينية المميزة بين خلقه وطاعته .
أما بعد : فإن الله تعالى قد أنعم على الشيخ , وأنعم عليه نعمة باطنه وظاهر’ في الدين والدنيا , وجعل له عند خاصة المسليمن – الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً – منزلة علية ، ومودة إلهية لما منحه الله تعالى به من حسن المعرفة والقصد , وقد بعث الله محمداً صلى عليه وسلم بأكمل محبة في اكمل معرفة , فأخرج بمحبة الله ورسوله المحبة التي فيها إشراك وإجمال كما قال الله تعالى :
" ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله (1 ) . سورة البقرة : الآية 165
ولهذا كانت المحبة الإيمانية هي الموجبة للذوق الإيماني والوجد الديني , كما في الصحيحين عن انس قال : قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم :
" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان في قلبه : من كان الله ورسوله احب إليه مما سواهما , ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا الله يكره أن يلقى في النار " .
فجعل صلى الله تعالى عليه وسلم وجود حلاوة الإيمان معلقاً بمحبة الله ورسوله الفاضلة , وبالمحبة فيه في الله وبكراهة ضد الإيمان . وفي صحيح مسلم عن العباس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :
" زاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً , وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً " .
فجعل ذوق طعم الايمان معلقاً بالرضى بهذه الأصول , كما جعل الوجد معلقاً بالمحبة , ليفرق صلى الله تعالى عليه وسلم بين الذوق والوجد الذي هو اصل الأعمال الظاهرة وثمرة الأعمال الباطنة , وبين ما أمر به ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين غيره , كما قال سهل بن عبدالله التستري : ( كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل ) .
ولهذا طالب الله تعالى مدعي محبته بقوله :
" إن كنتم تحبون الله فاتبعوني , يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " ( 1 ) سورة آل عمران : الآية 31 "
قال الحسن البصري : ( ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنهم يحبون الله , فطالبهم بهذه الآية ) .
فجعل محبة العبد لله موجبة لمتابعة رسوله ، وجعل متابعة رسوله موجبة لمحبة الرب عبده .
وقد ذكر نعت المحبين في قوله "
" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " ( 2 ) سورة المائدة : الآية 54 .
فنعت المحبين المحبوبين بوصف الكمال الذي نعت الله به رسوله الجامع بين المعنى الجلال والجمال , المفرق في الملتين قبلنا : وهو الشدة والعزة على أعداء الله , والذلة والرحمة لأولياء الله ورسوله . ولهذا يوجد كثير ممن له وجد وحب مجمل مطلق كما قال فيه كبير من كبرائهم :
مشرد عن الوطن
مبعد عن السكن
يبكي الطول والدمن
يهوي ولا يدري لمن ؟
فالشيخ – أحسن الله إليه – قد جعل الله فيه من المعرفة ما تتميز به المحبة الايمانية المحمدية المفصلة عن المجملة المشتركة .
ولهذا جاءت الشريعة الكاملة في العبادة باسم الله , وفي السؤال باسم الرب فيقول المصلي والذاكر : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله , ولا إله غلا الله . وفي السؤال :
" ربنا ظلمنا أنفسنا " (2 ) سورة الأعراف – الآية 23 . " رب اغفر لي ولوالدي " ( 3 ) سورة نوح – الآية 28 . " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وأسرفنا في امرنا وثبت أقدامنا " ( 4 ) سورة آل عمران – الآية 147 .
وكثير من المتوجهين السالكين ( 5 ) أي من الصوفية يشهد في سلوكه الربوبية والقومية الكاملة الشاملة لكل مخلوق , فيغيب ويفني بهذا التوحيد الرباني عما هو مأمور به أيضاً ومطلوب منه , وهو محبوب الحق ومرضية من التوحيد الإلهي , والذي هو عبادته وحده لا شريك له وطاعته وطاعة رسوله , والأمر بما أمر به والنهي عما نهى عنه , والحب فيه والبغض فيه . ومن اعرض عن هذا التوحيد وأخذ بالأول ، فهو يشبه القدرية المشركة الذين قالوا :
" لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا " .
ومن أخذ بالثاني دون الأول : فهو من القدرية المجوسية الذين يزعمون أن الله لم يخلق أفعال العباد , ولا شاء جميع الكائنات . والأول ذهب إليه طوائف من الاباحية المنحلين عن الأوامر والنواهي وإنما يستعملون ذلك عند أهوائهم وإلا فهو لا يستمر ، وهو كثير في المتألهة الخارجين عن الشريعة ، فإن لهم زهاوات وعبادات فيها ما هو غير مأمور به , فيفيدهم أحوالاً فيها ما هو فاسد ، يشبهون من بعض الوجوه الرهبان وعباد البدود ( 1 ) جمع بد وهو من أصنام الهنود .
ولهذا قال الشيخ " عباد القادر " قدس الله روحه : ( كثير من الرجال إذا دخلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا وأنا انفتحت لي فيه روزنة ( 2 ) روزنة : كوة أو فتحة ، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق ، والولي من يكون منازعاً للقدر لا من يكون موافقاً له ) .
وهذا الذي قاله الشيخ تكلم به على لسان المحمدية ، أي أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به ، ويدفع ما نهى الله عنه ، وإن كانت أسبابه قدرت فيدفع قدر الله بقدر الله , كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
" إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض " . وفي الترمذي : 0 قيل يا رسول الله , أرأيت أدوية نتداوي بها ورقي نسترقي بها ، وتقي نتقيها . هل ترد من قدر الله شيئاً ) ؟ فقال : " هن من قدر الله " .
والمسلم يرى أنه ما من دابة إلا ربي آخذ بناصيتها ، وأنه على كل شيء وكيل ، وأنه رب العالمين ، وأن قلوب العباد ونواصيهم بيده ، لا خالق غيره ولا نافع ولا ضار ، ولا معطي ولا مانع ولا حافظ ولا معز ولا مذل سواه . ويشهد أيضاً فعل المأمورات مع كثرتها ، وترك الشبهات مع كثرتها لله وحده لا شريك له .
وهذا هو الدين الجامع العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء ، والإسلام العام والإيمان العام . وبه نزلت السور المكية وإليه الإشارة بقولة تعالى :
" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " (1 ) سورة الشورى – الآية 13 .
وبقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ( 2 ) سورة النحل – الآية 36 .
ولهذا ترجم البخاري عليه : ( باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد ) .
وقد قال تعالى :
" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ( 1 ) سورة البقرة – الآية 274 .
فجمع في الملل الأربع : ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً ) وذلك قبل النسخ والتبديل .
وخص في أول الآية المؤمنين : وهو الإيمان الخاص الشرعي الذي قاله فيه :
( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ) ( 2 ) سورة المائدة – الآية 48 .
والشرعة والمنهاج الإسلاميان ، فهو لأمة محمد صلى الله علية وسلم : " خير أمة أخرجت للناس " ( 3 ) سورة آل عمران – الآية 110 .
وبها أنزلت السور المدنية ، إذ في المدينة النبوية شرعت الشرائع ، وسنت السنن ، ونزلت الأحكام والفرائض والحدود .
وقد بلغني أن بعض الناس ذكر عند خدمتكم الكلام في مذهب الاتحادية (1 ) أي اتحاد الله في خلقه ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً . وكنت قد كتبت إلى خدمتكم كتاباً اقتضى الحال من غير قصد أن أشرت فيه إشارة لطيفة إلى حال هؤلاء .
ولم يكن القصد والله واحداً بعينه ، وإنما الشيخ هو مجمع المؤمنين ، فعلينا أن نعينه في الدين والدنيا بما هو اللائق به .
وقد كتبت في ذلك كتاباً ربما يرسل إلى الشيخ ، وقد كتب سيدنا الشيخ " عماد الدين " في ذلك رسائل ، والله تعالى يعلم ـ وكفى به عليماً ـ لولا أني دفع ضرر هؤلاء أي الإتحادية عن أهل طريق الله السالكين إليه من أعظم الواجبات لم يكن للمؤمنين بالله ورسوله حاجة إلى أن تكشف أسرار الطريق . ولكن الشيخ أحسن الله تعالى إليه ، يعلم أن مقصود الدعوة النبوية ، بل المقصود بخلق الخلق ، وإنزال الكتب وإرسال الرسل أن يكون الدين كله لله .
وكثيراً ما كنت أظن أن ظهور مثل هؤلاء من أكبر أسباب ظهور التتار واندراس شريعة الإسلام ، وأن هؤلاء مقدمة الدجال الأعور الكذاب الذي يزعم أنه هو الله . وقولهم يجمع كل شرك في العالم ، وهم لا يوحدون الله سبحانه وتعالى ، وإنما يوحدون القدر المشترك بينه وبين المخلوقات ، فهم بربهم يعدلون .
ولهذا حدثني الثقة أن أحدهم كان يريد الذهاب إلى الهند وقال : إن أرض الإسلام لا تسعه ، لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حنى النبات والحيوان .
ولو سلك هؤلاء طريق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام واتبعوا طريق السابقين الأولين ، لسلكوا طريق الهدى ووجدوا برد اليقين وقرة العين .
وأنا أسأل الله العظيم أن يصلح أمر المسلمين عامتهم وخاصتهم وأن يجعل الشيخ من دعاة الخير الذين قال الله سبحانه فيهم :
" ولتكن منكم أمة : يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

اعذرونا الموضوع طويل شوي ولايمكن ان يجزأ
__________________