عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 09-03-2004, 11:50 PM
شوكت شوكت غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2001
المشاركات: 348
إفتراضي تفجيرات عاشوراء: من يمنع الفتنة ويحاصر اهلها؟

د. سعيد الشهابي
أدخلت التفجيرات التي ارتكبت بحق الابرياء يوم العاشر من المحرم في مدينتي كربلاء والكاظمية، الوضع العراقي في نفق مظلم جديد، وأثارت تساؤلات كثيرة حول الجهات التي تعمل بدون كلل لزعزعة الوضع العراقي وتحول دون ا ستقراره بكل السبل. فمن هي هذه الجهات؟ فبرغم توجيه اصابع الاتهام الي التيار السلفي، فان القضية تتجاوز ذلك التيار، في نظر البعض، وقد تبدو متصلة بجهات واستخبارات دولية تعتقد ان استقرار العراق وقيام دولة قوية علي اراضيه سوف يؤثر علي مصالحها سلبا. وثمة مؤشرات تثير الارتياب سبقت حدوث تلك الجرائم. اولها نشر الرسالة التي نسبت الي ابومصعب الزرقاوي وتهدف الي اثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة من ابناء العراق. فهذه الرسالة ربما خطها الشخص المذكور نفسه، وهذا ليس بعيدا علي التيارات التي تكفر الآخرين وتحلّ دماءهم، وتعتقد انها تسدي خدمة كبري لدينها بالقتل والتدمير. ولكن أليس هناك احتمال انها كتبت من قبل جهاز استخبارات درس نفسية تلك المجموعات ولغتها ونفسيتها ونسبها الي الشخص المذكور؟ فليس من الصعوبة بمكان محاكاة التفكير والاسلوب الكتابي للتيار السلفي وعناصره. مهما كانت الجهة التي كتبت تلك الوثيقة المزعومة، فمن الضروري ان ترتفع الاصوات الاسلامية التي ترفض ممارسة الارهاب الاعمي بحق الابرياء لتمنع تجاوز الحدود الاسلامية وتحاصر اساليب الفوضي والعبثية. فالمصلون والزوار لا يمثلون هدفا عسكريا مشروعا، مهما كانت الاوضاع والظروف والمبررات، ومهما كانت انتماءاتهم الدينية، وسواء كانوا مسلمين ام غير مسلمين. واذا لم تطلق اصوات الرفض والاستنكار والشجب، ليس من الحكومات والجهات السياسية فحسب، بل من الشخصيات والهيئات والمراكز الدينية وفقهاء الامة وعلمائها، فان ذلك تقصير كبير ترتكبه امتنا اليوم كما ارتكبته الامم السابقة فطالهم الغضب الالهي. وقد وصف بنو اسرائيل في القرآن الكريم بانهم كانوا يغضون الطرف عن المنكر: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون . والصمت يعتبر اقرارا قلبيا بشرعية استهداف الابرياء، وهذا موقف يؤدي الي اعتماد هذا الاسلوب في التعاطي مع قضايا الاختلاف الديني، وسوف يصبح اسلوبا لتصفية الحسابات يطال الجميع، ولا تقتصر آثاره علي جماعة دون اخري.
لقد تعددت التكهنات لتحديد الجهة التي تمارس هذه الاساليب الارهابية بحق العراقيين. فمنذ بضعة شهور، بدأت عمليات العنف تستهدف الشرطة العراقية، وطرح البعض تبريرا لتلك الاعمال بانها تستهدف من يتعاون مع سلطة الاحتلال. وصدرت تقعيدات كثيرة لشرعنة هذه الاعمال، وبلغ من سقط من العراقيين في اعمال القتل خارج القانون اكثر من 2500 شخص منذ سقوط نظام صدام حسين. فهل من المنطق بمكان استهداف من يعمل في المؤسسات المدنية العراقية بحجة انهم يتعاونون مع سلطات الاحتلال؟ وقد التفت المرجع الديني، آية الله السيد علي السيستاني الي الوضع، فكان من اول المبادرين فمنع التصرفات العبثية واعمال القتل الانتقامية، وأمر بعدم قتل افراد النظام السابق الا بعد محاكمات عادلة. الشعب العراقي كله اليوم يعيش تحت الاحتلال، فالادارة المدنية لقوات التحالف هي التي تدير كافة اجهزة الدولة، فهل تشن الحرب ضد موظفي الخدمة المدنية ومنتسبي الوزارات والشرطة والجيش؟ الاحتلال لا يريده العراقيون، سنة وشيعة، وقد ارتأت اغلبية الشعب معارضة الاحتلال سلميا في الوقت الحاضر علي الاقل، علي اساس ان تلك القوات قدمت وعودا بالانسحاب، وان العراق الذي عاش اكثر من ثلاثة عقود في ظل الحروب الطاحنة لم يعد قادرا علي الدخول في طاحونة اخري من القتال ضد قوات الاحتلال. ولذلك شارك العراقيون، شيعة وسنة، عربا واكرادا، في المشروع السياسي الذي طرحه الامريكيون، ابتداء بمجلس الحكم مرورا بالتشكيلة الوزارية القائمة، وبقية التشكيلات المحلية والادارات. وهناك المجموعات التي قررت حمل السلاح امام الاحتلال، واغلبها من بقايا النظام السابق ومجموعات يقال انها اجنبية مرتبطة بتنظيم القاعدة . وبدأ هؤلاء في استهداف القوات الامريكية، وأوقعوا فيها خسائر بشرية كبيرة. واختلفت المواقف ازاء هذه العمليات، بين المؤيدين والمعارضين. فالمتحمسون لها ينطلقون من قناعتهم بضرورة التصدي للاحتلال، وانهائه عسكريا. اما المعارضون فانطلقوا علي اساس ان قوات الاحتلال ألزمت نفسها بالانسحاب بعد قيام سلطة عراقية منتخبة وقادرة علي ادارة شؤون البلاد. والواضح عدم وجود خلاف بين العراقيين علي ضرورة انهاء الاحتلال، وبرغم الاعتراض علي الاعمال العسكرية ضد قوات الاحتلال، لم تتحول القضية الي موضوع خلاف خارج عن الاطر الاخلاقية او السياسية.
لكن الموقف اصبح اكثر اضطرابا بعد ان اصبح استهداف العراقيين ممارسة شبه يومية من قبل مجموعات ما تزال الشكوك تحوم حولها، منطلقا وهوية تنظيما.
ويمكن القول ان هذه المجموعات خسرت الدعم المعنوي خصوصا بين العراقيين. فمن غير المنطقي توجيه السلاح الي صدور ابناء العراق الذين ارتأوا خدمة بلدهم وشعبهم بالانضواء في اجهزة الخدمة المدنية والامنية والعسكرية. ولكن لا بد من الاعتراف بان الوضع العراقي اصبح موبوءا بالاستخبارات الاجنبية بشكل غير مسبوق في اي بلد آخر. وساهمت المجموعات المحسوبة علي النظام السابق في الضبابية التي تحجب رؤية ما يجري بقدر من البصيرة واليقين، فعندما تحدث اية عملية ارهابية تستهدف الابرياء، توجه الانظار الي المجموعات السلفية بشكل تلقائي لاسباب عديدة. فهذه المجموعات لها خطابها المتشدد التكفيري الذي يجعل نسب اية عملية لها امرا منطقيا. ولم تكتف باعلان الحرب ضد قوات الاحتلال فحسب، بل توعدت العراقيين العاملين في مؤسسات الدولة، واعضاء مجلس الحكم. ورفع بعض هذه المجموعات الشعار الطائفي، فأصبحت متهمة باعمال العنف والارهاب التي تحدث في اوساط الطوائف الاخري. في مقابل ذلك، هناك قناعة راسخة بالوجود القوي للاستخبارات الاسرائيلية ونشاطها المحموم تحت المظلة الامريكية، ونظرا لتكتمها الشديد، لا ينسب لها اي من اعمال الارهاب التي تستهدف المدنيين والابرياء. بينما هناك تقارير عديدة بانها تمارس عمليات قتل منظمة ذات اهداف دقيقة. وهناك قناعة بان الاستخبارات الاسرائيلية تستهدف العلماء العراقيين ولا تترك اثرا لما تقوم به. وذكرت المصادر ان احدي فرق القتل الاسرائيلية نقلت مقرها مؤخرا الي كركوك، في احد الشوارع المعروفة، وان هناك قنصلية اسرائيلية في بغداد تمارس عملها بشكل منتظم. وقد قتل عدد من العلماء العراقيين في الشهور الاخيرة في ظروف غامضة، وارتفعت اصوات مسؤولي الجامعات محذرة من هذه الممارسات القميئة. ويتوقع استمرار عمليات التصفية في الفترة المقبلة خصوصا من الاستخبارات الاسرائيلية التي اصبحت تستهدف من تعتقد انه سيقف ضد مصالحها لاحقا. فنزع اسلحة الدمار الشامل عنوان عريض يتخذ غطاء لتصفية العلماء الذين يمثل وجودهم جانبا من المشكلة. وكانت الولايات المتحدة قد اشترطت علي نظام صدام حسين تقديم اسماء العلماء العراقيين، وتم استجواب عدد منهم داخل العراق وخارجه. وتوفر الاوضاع المضطربة حاليا فرصة لاكمال مشروع تصفية هؤلاء العلماء بدون خشية من احد. وتجدر الاشارة الي ان جهاز الموساد الاسرائيلي متهم بالضلوع في قتل العالم الكندي، ريتشارد بل، الذي قتل في نهاية الثمانينات باحد فنادق باريس. وكان اسم هذا العالم قد ارتبط بمشروع المدفع العملاق الذي قيل ان صدام حسين كان قد تبناه آنذاك. وما يزيد الوضع غموضا ان قوات الاحتلال لم تفصح حتي الآن عن نتائج تحقيقاتها في العمليات الارهابية التي استهدفت الابرياء، برغم تكرر الاشارات لاعتقال اشخاص علي صلة بهذه التفجيرات. واصبحت الساحة العراقية في ظل الهيمنة الامريكية مفتوحة لانشطة الاستخبارات الاسرائيلية. وما تزال جريمة اغتيال الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، غامضة، خصوصا مع ما رشح عن انباء وقتها بان الامريكيين قاموا بطرد 16 من عملاء الموساد الاسرائيلي من بغداد.