عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 11-11-2006, 05:36 AM
ابودجانه المصري ابودجانه المصري غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2006
المشاركات: 111
Lightbulb

بالله عليكم

ماذا يقول أرباب الحماسة ودعاة الجهاد عن أي طالب علم أو داعية يقرر مثل كلام الشيخ ابن عثيمين؟ ألا تجدونهم يصفونه بأبشع الأوصاف؛ من الجبن والخيانة والعمالة والخبث والتخذيل .. إلخ؟

وأسألكم بالله:

هل يمكن اعتبار الشيخ ابن عثيمين كذلك؟ وماذا عساهم أن يقولوا عن الشيخ رحمه الله؟ فإن كان الشيخ ابن عثيمين على رأس الخونة المخذّلين العملاء ـ وحاشاه ـ فتلك مصيبة، وإن كان ليس كذلك؛ فالذي يقول بمثل قوله ـ كذلك ـ لا يستحقّ هذا الذم والتشنيع.

فلماذا إذاً نرى الطعن والتجريح في أصحاب الفضيلة العلماء الذي يقولون بمثل قول الشيخ رحمه الله، كسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد المحسن العبيكان! ما لكم كيف تحكمون؟!

نتيجة أليمة

مما تقدم؛ فإنه يتّضح لنا خطأ الكثيرين، وأن الحماسة غير المنضبطة قد جرّت المسلمين إلى الوقوع فيما وقعوا فيه، وأن التعقّل وضبط الجهاد بالأدلة الشرعية ليس تخذيلاً ولا تهويناً من مكانة الجهاد في الإسلام، ولا إضعافاً لمعاني العزة، ولا تغييباً للكرامة الإسلامية.

إشكالات لدى البعض

وإني لأعلم أن لدى البعض ما يحول بينه وبين قبول كلام الشيخ رحمه الله ـ والذي ليس هو وحده القائل به من بين علماء المسلمين! ـ

فلعلي أستعرض بعض هذه الإشكالات التي تدور في نفوس الكثيرين وتجعلهم يرمون بكلام عالم جليل القدر كالشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عرض الحائط ويتجرّؤون على مخالفته ونبذه وترك ما فيه من تعقل وعلم وأدلة شرعية ومصالح كبيرة للإسلام والمسلمين؛

فمن هذا الإشكالات:

الإشكال الأول

استشهادهم الخاطئ بحديث "الجهاد ماض إلى قيام الساعة"،

حيث إن معناه:

أن الجهاد ماض وقائم متى ما توافرت مقوماته وتمكن المسلمون منه وتوافرت شروطه. مثله مثل الصلاة والصيام والزكاة، حيث إن لكل عبادة شروطاً، فهل من المعقول ضبط أركان الإسلام بضوابط الإسلام، في حين إطلاق عبادة الجهاد بلا شرط ولا قيد!

ولذلك فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم، أخبرنا في الحديث عن عيسى عليه السلام وأنه يواجه قوماً فيوحي الله إليه أن لا قبل لك بهم، فحرّز عبادي بالطور (يعني: الجأ بهم إلى الجبل ودع مقاتلة هؤلاء) والحديث في صحيح مسلم.

ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم نفسه، لم يقاتل يوم أن كان مستضعفاً في مكة. فهل ترك القتال عند العجز عنه تعطيل؟ وهل ترك عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام للجهاد مع عدم القدرة يعدّ تعطيلاً؟

الإشكال الثاني

قولهم إن جهاد الدفع (الدفاع عن المسلمين) فريضة ولا يشترط لها شرط.

وهذا الكلام واهٍ ولا يمكن قبوله، فإنه من الممكن طرح هذا التساؤل على المخالف:

هل جهاد الدفع واجب أم مستحب؟ فإن قال: (مستحب) فلا سبيل للإلزام بما هو مستحب. وإن قال: (واجب)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قيّد الواجبات الشرعية ـ كلها بلا استثناء ـ بالقدرة حيث قال: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، هذا إضافة إلى الاستدلال بقول الله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" وقوله: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وبالحديث المتقدم الذي في صحيح مسلم، وبحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم، في مكة قبل الهجرة.

وليس معنى القدرة القدرة على حمل السلاح والوقوف به أمام العدو، أو القدرة على الاختباء والتحصّن وإحكام إغلاق المنافذ حتى لا يزداد توغّل المعتدي، ولكن المراد به: القدرة على دفع عدوان المعتدي عن المسلمين، وإخراجه عن بلادهم.

الإشكال الثالث

أنه لا تشترط المماثلة في القوة، بل يكفي وجود شيء من القوة، وسينتصر المسلمون بقوة إيمانهم مع وجود هذا السبب الضعيف من القوة المادية، كما حصل في الكثير من غزوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة".

والذي يجب أن يقال:

إن هناك فرقاً بين الجهاد القديم والجهاد الحديث؛ فالجهاد قديماً لا يخرج عن سيف ورمح ودرع وسهم، كما لا يخرج عن ناقة وبعير وخيل وبغل! وكان المسلمون يملكون من هذا ما يملك عدوهم مع اختلاف في أعداد تلك الأسلحة. أما الآن فنحن نتحدث عن أنواع وأنواع كثيرة من الأسلحة لا توجد لدى المسلمين، بل ما شمّوا لها رائحة!

ثم إنه كان لدى المسلمين من القوة الإيمانية الشيء الكثير والكثير جداً، وإذا نظرنا إلى حالنا في هذه الأزمان لوجدنا أننا قد ضيعنا الكثير من ديننا وعقيدتنا، حتى التوحيد الذي نختلف مع الكفار فيه؛ ضيعنا الكثير منه.

وانظر إلى صفوف المقاتلين من المسلمين؛ فكم ستجد من المبتدعة والواقعين في الشرك الأصغر، بل وربما الأكبر! فأنى للمسلمين النصر وفيهم: الصوفي، البعثي، الشيعي، الخرافي، والخارجي، وإن كان أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم قد هزموا في "أحد" بمعصية الرماة! وكادوا يهزمون في "حنين" لإعجاب بعضهم بالكثرة! فما بالنا نحن؟ أقول هذا وأنا أتذكر أن فيهم أبو بكر وعمر وعثمان! فكيف بالجيش الذي ليس فيهم من في مرتبة هؤلاء؟!

الإشكال الرابع

إنكم مصابون بداء تعظيم الكفار والتهويل من قدراتهم وقواتهم وإمكاناتهم!

ويكفي أن تعلم أننا على أشد العداء مع من خالفنا في الإسلام، ولكننا نتحدث انطلاقاً من الواقع الذي يجب عدم إغفاله لا مما في النفس تجاههم.

الإشكال الخامس

ماذا لو غزا الكفار دولتكم وبلدكم؟ هل ستبقى الفتوى على ما هي عليه؟

وهذا الكلام مبني على ثلاثة أخطاء عظيمة:

ـ الاعتراض على الفتوى الشرعية بالواقع! إذ الواقع يخضع لإفتاء العالم لا العكس.

ـ السؤال عما لم يقع! والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا ينهون عن هذا.

ـ الظن السيء بالعلماء! فالعالم لا تتغير فتواه بتغير المسؤول عنه مع بقاء الواقع والحال على ما هو عليه. وبالتالي: فالحكم الشرعي واحد، سواء كانت الفتوى للعراق أو فلسطين أو لغيرهما من بلاد المسلمين. و ـ بحمد الله ـ فليس علماؤنا من أصحاب التقلب والتلوّن والتملق.

الإشكال السادس

إذا لم نقاتل مع إخواننا في العراق وفلسطين، فما هو دورنا إذاً في إنهاء هذه الأزمات؟

وللجواب عن هذا التساؤل أقول: الواجب على المسلمين جميعاً الرجوع للكتاب والسنة، والتقوّي الإيماني والتزوّد من سلاح الدين، والواجب على حكام المسلمين العمل على إعداد الأمة عسكرياً.

والواجب على إخواننا في فلسطين والعراق أن يكفوا أيدهم، ويتركوا السلاح، وأن يحقنوا دماء أنفسهم وبقية إخوانهم، وأن يعتصموا برأي ولاة أمورهم، وأن يسمعوا ويطيعوا لمن ولاه الله أمرهم، وأن يستفيدوا من الـ 50 سنة الماضية ـ أو تزيد ـ التي قضتها المقاومة الفلسطينية بين تهييج وإثارة وتحريض؛ ولم نستفد منها إلا المزيد من الدمار والهلاك والدماء. فهل نحتاج لـ 50 سنة أخرى في العراق لنتوصل للحقيقة؟ و50 سنة في أفغانستان؟ و50 سنة في كل بلد إسلامي جريح؟

إن الحقيقة تقول:

إن المسلمين في بعد كبير عن الله تعالى وعن دينهم. وأنهم في عجز مادي عن مواجهة أصغر دول الكفر فضلاً عن أكبرها. وأن جهادهم لا يحقق مصلحة ولا ينكأ عدواً.

على المسلمين أن يعوا هذا، وأن يعترفوا به، وعلى الدعاة المحرّضين وغيرهم ـ أن يراجعوا أنفسهم، ويعترفوا بإساءتهم لشباب المسلمين، وخذلانهم لهم، حين حجبوا عنهم النصوص الشرعية التي يجب التزامها حال ضعف المسلمين من الصبر والمصابرة والكفّ عن حمل السلاح والتقوّي الإيماني والرجوع لدين الله.

هاهي الحقيقة قد لاحت لكل ناظر، وبانت لكل ذي عينين في رأسه، فإن عرفت الحق فالزم، وإن خفي عنك فاستغفر الله وامسح عن عينيك غبار الهوى وسترى الحقيقة ليس دونها ما يباريها.

أخي المسلم:

انظر إلى الذين يدعون الأمة الإسلامية للجهاد، ويزجّون بها في مصاف القتال، هل ترى منهم أحداً يشاركك القتال؟ أو يزجّ بحبيبه أو قريبه في أراضي الجهاد؟ هل تراهم أوّل الوافقين معك؟

فإن فهمت الدرس فالحمد لله، وإن لم تعرف المقصد فاسأل الله الهداية للحقيقة، فإنك عنها بعيد.