عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 06-03-2001, 04:11 PM
البازي البازي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 66
Post

المسلك الثامن :
التغالي في تعظيم الشيوخ والاحتجاج بهم : وغاية و منتهى حجة من يفعل ذلك أن يقول شيخنا الفلاني يقول كذا وكذا، ويفعل كذا وكذا، وهو ولي من أولياء الله المقربين فلا بد أن الحق معه. وأكثر ما يوجد ذلك عند المتصوفة وأمثالهم ممن لا باع لهم في العلم الشرعي.
والجواب على ذلك من وجهين :
أحدهما: بيان أن الحجة في الشرع ، لا في الأشخاص غير المعصومين مهما بلغت درجتهم.
والثاني : أن يقال له : وما أدراك أن فلاناً المذكور هو من أولياء الله ، فالولاية أمر بين العبد وربه ، بل كل مؤمن يؤدي الفرائض ويجتنب النواهي هو من أولياء الله الصالحين بحسب الظاهر لنا، ولا يسوغ ذلك اتباعه في أمر من الدين دون معرفة دليله.
المسالك التاسع :
الاستدلال بالرؤى والمنامات : وهو مسلك خطير يستخدمه الشيطان للتلبيس على الناس في دينهم وإيهامهم بشرعية بعض الأمور التي لا يوجد دليل شرعي على صحتها. والذي ينبغي معرفته في هذا الباب ، أن "الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا"(12)، "فلو رأى في النوم قائلاً يقول : إن فلاناً سرق فاقطعه ، أو عالم فاسأله. أو اعمل بما يقولون لك ، أو فلان زنى فحده ، وما اشبه ذلك ؛ لم يصح له العمل حتى يقوم له الشاهد في اليقظة وإلا كان عاملاً بغير شريعة، إذ ليس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحي "(13).
وقد يحتج المسلم بالمنامـــــات بقوله -صلى الله عليه وسلم- : "رؤيا المؤمن -جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة"(14) وقــد أجاب الشاطبي عن ذلك بقوله : "إن كانت الرؤية من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي بل جزء من أجزائه ، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه ، بل إنما يقوم مـقـامــه في بعض الوجوه ، وقد صرفت إلى جهة البشارة والنذارة [يعني أن البشارة والنذارة من مقاصد النبوة ومن أجزائها كما في قوله تعالى : ((أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللَّهَ إنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ))[ هود 2]. وأيـضـاً فــإن الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح كـمـا فـي الــروايـــة الأخـرى للحديث السابق: "الـرؤيـــا الحـسـنـة مــن الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة"(15) وحصول الشروط مما ينظر فيه فقد تتوفر وقد لا تتوفر. وأيضاً فهي منقسمة إلى الحلم وهو من الشيطان، وإلى حديث النفـس، وقد تكون سبب هيجان بعض أخلاط، فمتى تتعين الصالحة حتى يحـكـم بـهـــــا وتترك غير الصالحة؟ ويلزم أيضاً على ذلك أن يكون تجديد وحي بحكم بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو منهي عنه بالإجماع "(16).
وخلاصة القول في الرؤيا أنه يستفاد منها في جانب البشارة والنذارة، ولا يؤخذ منها حكم إلا بعد عرضها على الشرع فلينتبه إلى ذلك، فـهـــذا هو الاعتدال في الأخذ بالرؤيا والعمل بها. وفي الجملة فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة فقير الحجة.
وبعد فكما سبق أن بينا لم نقصد في هذا الموضوع إلـى الاستيعاب وإنما هي أوجه كلية لطرق أهل البدع في الاستدلال يقاس عليها غيرها، وندعـــو إخواننا المسلمين إلى الحذر دائماً من أصـحـــــاب البدع ومسالكهم في المحاجة والاستدلال، وقانا الله وإياهم شر البدع وأهلها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش :
* - عناصر هذا الموضوع مستقاة من الباب الرابع من كتاب الاعتصام للشاطبي بتصرف 1/ 220-285.
1- أي سماع الأغاني والتواشيح التي تزعم المتصوفة أنها من الذكر.
2- انظر في ذلك كتاب أخبار الآحاد في الحديث النبوي لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ، الباب الرابع ، ص 93-101، طبعة دار طيبة الرياض.
3- انظر الاعتصام ، 1 /237.
4- انظر الاتقان ، 2/ 231.
5- الحديث بهذا اللفظ اورده أحمد في مسنده 5/278، وأبو داود في الفتن وفي أوله قصة.
6- الحديث أخرجه أبو داود في سننه باب في الخوارج ، انظر عون المعبود 13/102 طبعة دار الفكر.
7- اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما. انظر مسلم شرح النووي 2/94.
8- اخرجه ابن ماجه في سنن كتاب الفتن 2/365 طبعة الأعظمي.
9- الحديث اخرجه البخاري في صحيحه بلفظه ، كتاب العلم ، باب كيف يقبض العلم (فتح الباري 1/94 ص 100).
10- الاعتصام ، 1 / 245.
11- الاعتصام ، 1 / 249.
12- الاعتصام 1/260.
13- الاعتصام ، 1 / 261.
14- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التعبير، انظر فتح الباري 12/373 6987.
15- اخرجه البخاري في صحيحه كتاب التعبير، انظر فتح الباري 12/373 6983.
16- الاعتصام 1/ 261.