عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 19-09-2002, 01:58 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي المنهج المقاصدي عند القرضاوي في كتاب"الحلال والحرام في الإسلام"

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
يعد الدكتور يوسف القرضاوي واحداً من أبرز فقهاء عصرنا وأكثرهم تأثيراً بما يسره الله له من منابر علمية وجماهيرية يبث من خلالها العلم الشرعي الصحيح المدعم بخبرة عملية ونظرية طويلة في الفقه والسياسة- وهما لا ينفصلان إلا اصطلاحياً- واطلاع شامل على أحوال العالم من مسلمين وغير مسلمين ومتابعة لكل ما يجد في هذا العالم من علم وسياسة واجتماع، وهذا الاطلاع الشامل أكسبه سعة أفق نادرة في عصرنا خولته أن يفتي في النوازل الجديدة عن علم، فإذا كنا نرى في أقطار العالم الإسلامي فقهاء محليين يهتم كل منهم إما بنقل ما حفظه من العلم بلا تجديد ولا تطبيق على الظروف المستجدة وإما بالاجتهاد ضمن رؤية محدودة ضيقة الأفق لا تتجاوز حدود مجتمعهم الصغير فإننا مع القرضاوي إزاء عالم خرج من الحيز القطري الضيق إلى المجال الواسع للعالم الإسلامي بل للعالم بأسره، وله علاقات وتفاعل مع المسلمين في كل قارات الأرض.
وتتميز الرؤية الفقهية للقرضاوي بالابتعاد عن الانحصار في حروف النصوص الشرعية وألفاظها والقدرة على النفاذ إلى ما وراء هذه المعاني من مقاصد شرعية توضحها كليات الشريعة التي استنتجها فطاحل العلماء من استقراء مجمل النصوص وهذا المنهج الذي يفهم الشريعة ككل شامل يميز القرضاوي ويدفعنا إلى محاولة دراسة فقه القرضاوي في علاقته بهذا المنهج.
من هنا قررت أن أستعين بالله وأحاول دراسة المنهج المقاصدي عند القرضاوي من خلال كتاب من كتبه ركزت البحث عليه هو كتابه الذائع الصيت "الحلال والحرام في الإسلام" والذي طبع لحد الآن عشرات الطبعات في لغات المعمورة المختلفة وتناقلته أيادي المسلمين وكان له صدى كبير وتأثير هائل ولم يخل من مشاكل مع بعض الحكومات كالحكومة الفرنسية ومازال لحد الآن ومنذ صدوره للمرة الأولى عام 1380ه-1960م يقرأ على نطاق واسع بفضل حسن تبويبه ومنطقية أسلوبه وسهولة لغته التي تشرح المسائل الفقهية بلغة مألوفة يستسيغها العالم والجاهل.
الدافع إلى هذا البحث إذن مزدوج:من جهة اهتمامي البالغ بالمنهج المقاصدي واعتقادي أنه المنهج الأنسب لفهم أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها في الوقت نفسه إذ أن المنهج المقاصدي يسير على خطين متوازيين الأول فهم الأحكام الشرعية فهماً كلياً مترابطاً لا فهماً تجزيئياً لا يرى في كل حكم إلا واقعة فردية لا تشترك مع غيرها في شيء وتؤخذ في جزئيتها فلا يقاس عليها ولا تلتمس علتها (كما هو الحال في المنهج النصوصي الحرفي أو الظاهري) والثاني استعمال هذه المعرفة الشاملة التي حصلنا عليها حين سرنا على الخط الأول في استنباط أحكام الشريعة في وقائع مستجدة أو انتقاء أحكام معينة من اجتهادات متعددة أو إعادة النظر في الأحكام القديمة للوصول إلى حكم جديد،ومن جهة أخرى اهتمامي بدراسة تطبيق القرضاوي له،ودراسة "المنهج المقاصدي عند القرضاوي" تتطلب دراسة سيره على هذين الخطين المتوازيين في كل كتبه وأعماله وهذا يتطلب بلا شك مجلداً ضخماً هو على كل حال جدير بالكتابة ولكنني الآن سرت على المبدأ القائل "ما لا يدرك كله لا يترك جله" ولأحث نفسي وغيري على السير في اتجاه هذا البحث الضخم قررت البدء بهذه البداية الصغيرة وهي دراسة المنهج المقاصدي عند القرضاوي من خلال كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" ولم ألجأ إلى البحث في كتب أخرى له إلا قليلاً وحين يتطلب بحثنا في فقرة محددة من هذا الكتاب العودة إلى كتب أخرى وسع فيها الأستاذ القرضاوي الحديث في الموضوع المبحوث أو زاده وضوحاً، ولجأت أيضاً في بعض الأحيان إلى الاستشهاد بأحاديث صوتية مسجلة له علاوة على أحاديثه الأسبوعية في برنامجه في قناة الجزيرة الذي أتابعه في المهجر "الشريعة والحياة".
وقد سار البحث كالتالي: قسمت البحث إلى بابين: الباب الأول في مفهوم المقاصد والمنهج المقاصدي عموماً وقسمته إلى ثلاثة فصول في الفصل الأول استعرضت تعريفات مختلفة لمفهوم "مقاصد الشريعة" واخترنت منها أبسطها وأشملها وهو تعريف المقاصد الشرعية بأنها ما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد على شرط فهم مصطلحي "المصالح" و"المفاسد" فهماً شرعياً لا يقتصر على ما يدركه عقلنا ويشخصه بأنه "مصلحة" أو "مفسدة" بل يترك للشريعة في كليتها تحديد هذين المفهومين ويترك المجال بهذا للإيمان بالطبيعة المصلحية لأحكام لا يدرك عقلنا في وقت ومكان معين على الأقل كنهها وكذلك في حالة السلب نؤمن بأن ما حرَّمته الشريعة هو مفسدة حتى لو لم نفلح في وقت ومكان معين بتفسير وجه الفساد فيه.وفي الفصل الثاني بحثت في مفهومي "المصالح" و"المفاسد" واستعرضت فيه التقسيم الأصولي للمصالح إلى مصالح ضرورية وحاجية وتحسينية ثم بحثت في ضوابط المصلحة الشرعية ثم في الميزان الدقيق الذي تقيمه الشريعة بين المصالح والمفاسد. وفي الفصل الثالث استعرضت بعض المحطات الكبرى في تاريخ النظر المقاصدي في الفقه منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ثم عصر الأئمة والأصوليين الكبار ثم توقفت مع ما أسمينته "بالاعتراض الظاهري" وفيه توقفت عند اعتراض أبي محمد بن حزم على فكرة تعليل الشريعة وهي فكرة أساسية في المنهج المقاصدي واستعرضت بعض ما ورد في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" وأوضحت أن أبا محمد أخطأ في إنكار إمكانية تعليل معظم أحكام الشريعة ولكنه جاء بفكرة قيمة هي أن هذا التعليل محدود بخطوة واحدة لا يجوز أن يتجاوزها إلى الخطوة التي بعدها وإن كان، وهذا هو خطؤه، أنكر إمكانية قيام الفقيه بالخطوة الأولى، وهي الخطوة التي نعرف فيها حكمة الحكم ثم نقف فلا نسأل على ما وراء هذه الحكمة. وبعد هذا انتقلت إلى فقيه كبير هو ابن الجوزي جادل الحركة الصوفية التي كانت في عصره في غاية القوة ورأيت في الجدال صراعاً بين مفهومين متناقضين لما يريده الشارع للإنسان والمجتمع وكان ابن الجوزي مع المنهج الإسلامي الحنيف الوسط الذي يهتم بالدنيا والآخرة وكان الصوفية أصحاب منهج يظن أن الشارع يريد من الفرد أن يطرح الدنيا وراء ظهره ولا يهتم بتدبيرها وينصرف إلى تدبير أمور الآخرة وحدها. وانتقلت بعد ذلك إلى استعراض ما جاء به الإمام الفقيه المجدد أبو إسحق الشاطبي الذي كان أول من فتق القول في مقاصد الشريعة الإسلامية وحول العلم بالمقاصد إلى علم متكامل جاء من بعده ابن عاشور وسماه باسم "علم مقاصد الشريعة" واستعرضت "نظرية المقاصد" كما جاءت في كتاب "الموافقات" وبعدها انتقلت إلى الحديث عن كتابين هامين في المقاصد من العصر الحديث ألف أولهما الشيخ الطاهر بن عاشور وهو كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية" وألف ثانيهما الشيخ علال الفاسي وهو كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها"واستعرضت تعربف المقاصد في كل منهما وأجريت بعض المقارنة بين منظوريهما لهذه المقاصد وهما منظوران مختلفان ولكنهما متكاملان غير متناقضين، وأشرت إلى فكرة جديدة جاء بها الشيخ علال هي فكرته عن "أمر الإرشاد". وفي ختام هذا الاستعراض تحدثت عن الآراء النظرية في المقاصد التي جاء بها الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" وخصوصاً ما قاله عن المقاصد الاجتماعية العليا للشريعة.