عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-12-2004, 03:52 AM
عباس رحيم عباس رحيم غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: المملكة العربية السعودية - ينبع الصناعية ص ب : 30449
المشاركات: 113
إفتراضي

الجزء الثالث

إن نصوص القرآن الكريم المشتملة على الدعوة إلى إخلاص الدين لله وإفراده وحده بجميع أنواع العبادة وهي كثيرة جداً فيها أبلغ رد على الكاتب ( يقصد حسن السقاف ) .

فالعبادة بأنواعها حق خالص لله لا يجوز صرفها لغيره سواء اعتقد العابد في معبوده أنه رب أو لم يعتقد ، وهذا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة .

وأما القيد الذي وضعه الكاتب فلا أصل له ولا أساس. فإن المشركين زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعتقدون في آلهتهم أنها تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت أو تدبر الأمر ، بل كانوا يعتقدون أن ذلك من خصائص الله كما قال تعالى : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله ، قل أفلا تذكرون ، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون لله قل أفلا تتقون ، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) ( المؤمنون : 84 – 89 ) ، وإنما كان شركهم في دعوتها وعبادتها من دون الله بحجة أنها تقربهم إلى الله زلفى .

قال تعالى حاكياً عن المشركين : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها : " فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا ) ) انتهى كلامه بتصرف .

وقد جاء في صحيح مسلم أن المشركين كانوا يطوفون حول الكعبة ويقولون في تلبيتهم : ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) فالمسألة ليست مقصورة على اعتقاد الاستقلالية فقط .

بالنسبة لاستدلاله على أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون بحديث : " ولئن سألني لأعطينه " . هذا الحديث كما هو واضح يتحدث عن فضل الأولياء في حياتهم الدنيوية ولا يتحدث عن فضائلهم في البرزخ !! ولم يقل أحد بعدم جواز طلب الدعاء من الولي الحي الحاضر القادر على الدعاء . والكلام في طلب الدعاء من الولي الميت أو الاستغاثة بالولي الميت وهناك فرق بين الأمرين .

فالولي الحي يستطيع أن يدعوا وكذلك يستطيع تقديم المساعدة فيما يقدر عليه في حياته. كما أن هناك فرق بين أن يسأل الولي الله عز وجل ويجيب دعوته وبين الزعم بأن الله قد فوض الولي بالتصرف في الكون؛ بل أعطاه الإذن المسبق في ذلك كما يزعم الجفري .

راجع المقطع التالي والذي فيه زعم الجفري بأن الولي قد يُعطى الإذن مسبقاً في التصرف في الكون فلا يحتاج إلى أن يسأل الله في كل مرة :

http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5.ra

بالنسبة لاستدلاله بآية : ( لهم ما يشاءون ) . الجواب:

لقد رد الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه " الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية " ( 2/ 715-717 ) على من يستدل بهذا الآية على جواز الاستغاثة بالأموات ، جاء فيه :

( أولاً: إن الآية ليست في الأولياء فقط بل تشمل جميع المؤمنين كما يدل عليه أول الآية في سورة الشورى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ) الآية ، وفي سورة الزمر أيضاً في جميع المؤمنين كما رجحه ابن جرير الطبري مستدلاً مقابلة هذه الآية بالآية التي قبلها ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق ) ، وبقوله: ( أولئك المتقون ) .

فإذا ثبت أن قوله تعالى : ( لهم ما يشاءون عند ربهم ) في الموضعين عام لكل المؤمنين يلزم على قولهم أن كل المؤمنين لهم المشيئة في القبور ويتصرفون في الإجابة فيجوز دعاءهم لقضاء الحاجات وتفريج الكربات. والصوفية يخصون الدعاء بالأولياء فقط ولا يقولون بذلك في عامة المؤمنين.

ثانياً: سياق الآية يدل على أنها جزاء في الجنة وليس في القبور، ويدل على ذلك قوله تعالى: ( في روضات الجنات ) في آية الشورى، كما يدل على ذلك مقابلة هؤلاء الصنف المصدقين بالمكذبين الذين قال الله فيهم: ( أليس في جهنم مثوى للكافرين ) فكما أن هذا يقع في الآخرة فكذلك الآخر.

ثالثاً: إن التفسير الصحيح للآية هو ما تدل عليه آيات أخر مثل هذه الآية تماماً وهي واضحة أن هذه المشيئة هي في الجنة وأنهم ما يشاءون ويشتهون شيئاً إلا حصل لهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ) ( ق: 31 - 35 ) وقوله تعالى : ( قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعداً مسئول ) ( 15، 16) .

فهاتان الآيتان في الجنة بدون شك ولا ريب، فكذا الآية التي احتجوا بها، فكل هذه الآيات في الجنة لا في البرزخ، ومثل هذه الآيات قوله تعالى: ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) ( الزخرف: 71) . فتبين مما سبق أن المراد من الآية ليس مشيئة مطلقة وإنما هي مشيئة خاصة بما يشتهونه في الجنة، ودل على هذه الآيات الأخرى والسياق وأقوال المفسرين .

فقد فسر ابن جرير وابن كثير والقرطبي وغيرهم الآية بالطلب في الجنة بعد قيام الساعة، ولم نطلع على أحد فسرها بما يدل على الطلب أيام البرزخ في القبر، فيكون تفسيرها بذلك من التفسير بالرأي المذموم الذي نهينا عنه كما يكون أيضاً مخالفاً لسياق الآية ) انتهى كلامه باختصار.

ثم على فرض أن هذه الآية تشمل الحياة البرزخية أيضاً فهذا لا يدل على أنه يجوز أن يستغاث بهم !!

بالنسبة لاستدلاله بحديث الشفاعة . الجواب :

قال الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه " الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية ( 2/ 848 ) : ( إن أحاديث الشفاعة يوم القيامة فيها سؤال الحي ما يقدر عليه ، فيوم القيامة يجمعهم الموقف بعد أن أحياهم الله فليس هو من سؤال الغائب ولا الميت ) انتهى باختصار .

ولقد رد الشيخ سمير المالكي في كتابه " كشف شبهات المخالفين / القسم الثاني من كتاب " جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر " " ( 308 – 339 ) على هذه الشبهة حيث قال : ( إن الله سبحانه هو الذي يأذن في الشفاعة يوم القيامة لمن يشاء من عباده ، كما وردت بذلك الأحاديث. منها حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا إلى ربك .. " ثم ساق حديث الشفاعة وفيه قال : " فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع . فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع . فأقول : يا رب أمتي أمتي فيقال : انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان ، فأنطلق فأفعل ، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال : انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار . فأنطلق فأفعل . ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله . فيقول : وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " متفق عليه . قلت ـ القائل سمير المالكي – فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة حتى يلهمه الله عز وجل محامد يحمده بها ثم يخر له ساجداً ثم يأذن الله له بالشفاعة فيقول : سل تعطه واشفع تشفع، ويعين له من يشفع فيه ، فيبدأ بالأفضل والأكمل ممن في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان ثم من في قلبه مثقال خردلة وهكذا ...

فرجع الأمر إلى الله وحده، فهو المتفضل على الخلق كلهم ، على الشافعين والمشفوعين . وفي لفظ من حديث أنس قال : " فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ... " إلى أن قال : " فيحد لي حداً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجداً ... " الحديث . فقوله : " فيدعني ما شاء الله " وقوله : " فيحد لي حداً " ظاهر في أن الأمر كله راجع إلى الله وإلى مشيئته وأمره .

ومن رحمته سبحانه بعباده المؤمنين إذنه لأكثر من شفيع في الشفاعة يوم القيامة ، فيأذن للملائكة والنبيين والصالحين .

فإن قيل : أوليس قد اعطي صلى الله عليه وسلم الشفاعة ؟ فنحن نسأله مما أعطاه الله . فالجواب : بلى قد أعطي الشفاعة ، كما ورد في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... " الحديث ، وفيه قال : " وأعطيت الشفاعة " رواه البخاري ومسلم . قال ابن دقيق العيد " الأقرب أن اللام فيها للعهد ، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف " ( أنظر " فتح الباري " ( 1/ 438 ) ) .

لكنها مشروطة بإذن الله تعالى ورضاه ، كما تقدم ذكره في حديث الشفاعة الطويل حيث جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم : " فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن ... " وقوله : " فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ... " وقوله : " فيحد لي حداً " .

كل ذلك يدل على أن الشفاعة أمرها إلى الله وحده لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا إلى غيره من الخلق.

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : " ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله . فيقول : وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " .

قال النووي في " شرح مسلم " ( 3/65 ) : ( معناه لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة ) . ويؤكد ذلك أن الله منع عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الشفاعة في أقرب الناس إليه . ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال : " أستأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي وأستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " .

ورد الله دعوة دعاها النبي صلى الله عليه وسلم ، كما صح عنه أنه قال : " سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " رواه مسلم .

وقد صح من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني ، فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " وفي لفظ : " فأقول : يا رب مني ومن أمتي " متفق عليه .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، قال : " لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . وعلى رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . وعلى رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني، فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك . أو على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك " . قال الحافظ في " الفتح " ( 6/186 ) : ( قوله : " لا أملك لك شيئاً " أي : من المغفرة ، لأن الشفاعة أمرها إلى الله ) اهـ .

ففي هذه النصوص أكبر دليل على أن الشفاعة ملك لله وحده يأذن فيها لمن يشاء ويمنع من يشاء ، وأنه لا يملك أحد لأحد نفعاً ولا ضراً ، لا شفاعة ولا هداية ولا غيرها ، إلا بإذن الله ، ولو كان الشفعاء مقربين ووجهاء ، ولو كان المشفوع فيهم أقرباء .
__________________


abbasraheem200@msn.com