عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 13-09-2004, 09:56 AM
القوس القوس غير متصل
وما رميت إذ رميت
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,350
إفتراضي بكائيات عادل امام

بكائيات عادل امام


بقلم:عبد الله بشارة





يقول الفنان المميز عادل امام بأنه بكى بسبب اللقطات التي شاهدها من التلفزيون عند القبض على الرئيس السابق صدام حسين، ويضيف هذا الفنان الموهوب بأنه بكى على حال الامة، وليس على حالة صدام.


وهذا الفنان المتوهج هو مبعوث الامم المتحدة وسفيرها للنوايا الحسنة، وهو صاحب مدرسة في النقد اللاذع الراقي، لم تعرفه الساحة الفنية المصرية منذ ايام عبقري اخر هو «نجيب الريحاني».


وصيحة الفنان حركت مشاعر كثيرين ممن قرأوا تصريحاته، لكن عادل امام، يبقى الفنان المتوهج ليس الدبلوماسي المحلل، وليس المفكر الناقد.


سقوط صدام في حفرة مظلمة وسحبه من ذلك المخبأ البائس على أيدي الجنود الاميركيين، هو موقف يجب التوقف عنده، لتحليل مسببات المأساة التي تشبه الاساطير التي قرأناها في الادب اليوناني.


هناك اسئلة خمسة طرحها اللامع «غسان التويني» ـ صاحب مدرسة النهار ـ الذي لم يتسلل اليه اليأس، والمتمترس بالامل، رغم شجون وآلام نصف قرن في السياسة اللبنانية الحارقة والمحرقة.


كان ذلك منذ اسبوعين في مدينة بيروت، وامام حشد من اصحاب الفكر والقلم والتوجهات المتناقضة، كانت مسئولية السياسي اللبناني العريق ان يستنهض همة المشاركين لكي يمارسوا لعبة المساءلة والتحقيقات.


وأعتقد ان الاسئلة الخمسة تؤرق الرأي العام العربي عبر الشعوب العربية في هذا العالم الممتد الى الساحل الاطلسي.


ـ هل عصر صدام حسين ـ بمآسيه وتراجيدياته ـ حصيلة التقصير من قبل هذه الشعوب، ام انه قدر محتوم على شعب العراق والشعوب الاخرى؟ ـ هل معقول ان تأتي الأقدار بشخص مثل صدام حسين، يقول عدد من الكتاب في تعليقهم على الحدث: بأن صدام افرازات الثقافة العربية المغايرة للمنطق منذ مقتل الامام علي بن ابي طالب، تمزقت الامة الى شيع وطوائف ومذاهب، ودخلت الامة في ممارسة تزوير التاريخ والتلاعب بالقيم وابتكار البدع.. وصدام حسين هو صناعة عربية حديثة تتغذى من تراث مملوء بالخرافات، فيها تمجيد للبلطجة، والاعجاب بالاستبداد والافاقين خرجت جماهير غفيرة تهتف بأعلى الحناجر باسمه، وتدعو للاستمرار في مسيرة القتل والاغتصاب، وتندد بالقلة الذين تعرفوا على محتويات النظام وسيكولوجية الزعيم.. فانتقدوه.


كلنا شاهدنا الرئيس صدام حسين واقفاً على ضفاف دجلة يستذكر قادسية سعد بن ابي وقاص، مقلداً عظماء التاريخ، يشتم شعب ايران وينعتهم بالمجوس، ويطلق على نفسه حارس البوابة الشرقية.


ويصرخ العوام اعجاباً وتمتليء الأجواء صراخاً مطالبين الزعيم بالمزيد من التحدي.


وشاهدنا صدام حسين يهدد الولايات المتحدة ويستخف بقوتها، ويغزو الكويت ويمارس الدبلوماسية البهلوانية في استذواق لاهانة كبار الزوار الذين جاءوا يطالبونه بالانسحاب من الكويت، من يقرأ مذكرات السكرتير العام للامم المتحدة (خافير ديكولار) يصل الى استمتاع صدام حسين بإهانة الكبار.


وبالطبع فان طلوع صدام حسين على المشهد السياسي العراقي لمدة ثلاثين سنة حصيلة تقصير العرب، وهم العرب العاجزون عن الوضوح، المعتادون على المجاملات، والفاقدون للصراحة وللارادة، والهاربون من تحديد المواقف.


شاهدنا مهزلة القمة العربية في العاشر من اغسطس 1990 عند مداولات القادة عن الغزو، وهي اهانة للشعب الكويتي، واعتداء على كرامته، وهروب من المسئولية.


يقول الكاتب غسان التويني: لماذا لم تتم المساءلة عن التقصير؟ ـ وهو سؤال مباشر وصحيح، اتخذت الامم المتحدة ـ عبر مجلس الامن ـ قرارات تأديبية ثم تحريرية في معالجتها للغزو، وعجز القادة العرب عن مواجهة الجريمة، بعضهم غاب، وبعضهم بحث عن وسيلة هروب عبر الحل العربي، وآخرون لم يظهروا الاهتمام بمصير شعب الكويت.


وماذا عن غير الزعماء، من اصحاب الاقلام وجمعيات النفع العام؟ وقع في قبضة السلطات الملايين من الوثائق الدامغة، فيها أسرار تفضح زعامات قبضت شيكات من خزينة شعب العراق، وفيها من رؤساء وزارات، ومن مسئولي منظمات واحزاب، وزعامات دينية وعشائرية، وصحافة، وفنانات ومستشارين. افسدهم صدام بخيرات العراق، لكن قبل ذلك افسدتهم الحالة العربية، وأفسدتهم حالة التحلل من الخلق والقيم، وطارت الذمم وسادت المساويء.


من يجرؤ على نبش الملفات السوداء، كثير من الذين تحدثوا عن الحل العربي ـ والذين هادنوا صدام حسين، مسكونة ذمتهم بعفاريت الرشوة من صدام حسين، نحن في الكويت نعرف أسماء كثيرة، ستخرج من أسرار الماضي الى فضيحة المستقبل.


يسألني غسان في سؤال ثالث عن مسئوليات المثقفين في تسطيح الشعوب؟ ـ ونضحك كثيرا على دور المثقفين، ماذا نقول عن حالة الندم والحزن التي سادت بعض العواصم العربية عندما اعلنت قوات التحالف القبض على صدام حسين، وماذا نقول عن البيانات الباردة الصادرة من هذه العواصم؟ وماذا عن نزعة الشفقة على صدام حسين، والمطالبة بنقله الى الخارج ليمثل امام محكمة دولية، لان المحاكم العراقية غير مؤهلة للبت في موضوعه؟ يقول الدكتور احمد الربعي في تعليقه عن الفضائيات الخليجية ـ كتبه يوم 20 من الشهر الجاري ـ بأنها تشن حملة تحريض واثارة في العراق، تحرض الناس على العنف، وتتحدث بلغة طائفية خطيرة تثير الناس ضد بعضهم البعض، وتتغنى بما تسميه المقاومة العراقية البطلة التي قتلت شرطة العراق أكثر من قوات التحالف.


هذه القنوات لا تخفي تعاطفها مع الرئيس المخلوع سواء باختيار ضيوفها او باللغة التحريضية التي يمارسها بعض المذيعين ومقدمي البرامج.


في تعليق السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان، فقد اعتبر اعتقال صدام حسين يعطي دفعة جديدة للبحث عن السلام والاستقرار في العراق، على أسس كاملة الشفافية. بينما يقول الرئيس الفرنسي شيراك بأنه مسرور لاعتقال صدام، لانه حدث يسهم في توجه العراق نحو الديمقراطية والاستقرار، ويسمح للعراقيين باستعادة قدرتهم في تقرير مصيرهم في سيادة العراق.


والفرق واسع بين المثقفين العرب الذين ساهموا في تسطيح شعوبهم، وبين مشاعر قادة العالم حول القبض على صدام.
__________________
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة:83)