عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 31-08-2001, 05:03 AM
عندي أمل عندي أمل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 54
Post

-4- تشكيل قوات التدخل السريع

في 20 يناير 1980م ورداً على العدوان السوفييتي على أفغانستان ألقى الرئيس كارتر خطاباً مهماً للشعب الأمريكي قال فيه:-

" إن أية محاولة من جانب أية قوة أجنبية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي سوف تعتبر بمثابة عدوان على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ولسوف يقابل مثل هذا العدوان بكافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوة العسكرية " (4*) .

هذا الإعلان الذي أطلق عليه المحللون "مبدأ كارتر" هو الترجمة العملية والواضحة للخطط الأمريكية السابقة، وعليه جرى تشكيل القوة من فيلق مستقل وقوات أخرى منتقاة من فروع القوات الأمريكية المختلفة.

ومع أنه لا يهمنا كثيراً تشكيلات هذه القوة فسوف أذكر بعضه لنتذكر جميعاً أنها هي التي سمعنا الأنباء عن وصولها في الأيام الأولى من الحملة الغربية على المنطقة:-

أ- الفرقة 82 المنقولة جواً وتُعدُّ 15.200 فرد. ويحتاج نقلها من "فورت براغ " إلى السعودية -كما قدروا- 11 يوماً لتصل الدفعة الأولى " 2000 جندي " من المظليين خلال 24ساعة.

ب- الفرقة 101 المنقولة جواً وتُعدُّ 17.900 فرد ومقرها فورت كامبل بولاية كنتاكي.

ج- فرقتان بحريتان يتألف كل منها من 000،20 فرد تقريباً.

د- الفرقة 24 مشاة "ميكانيكي" .

هـ- الفرقة 9 مشاة.

و- اللواء المدرع 194.

ز- اللواء 6 فرسان.

ح- كتيبتا كوماندوز.

ط- قوة مشاة برمائية.

ويبلغ مجموع التشكيلات حوالي 200,000فرد بالإضافة إلى 100,000فرد احتياطي، ونسبة النساء لا تقل عن 10% أي 30,000امرأة.

وقد خصص لهذه القوات عدد هائل من الطائرات يتراوح ما بين 600-1000 طائرة، هذا عدا القطع البحرية الكثيفة التي تتفاوت ما بين حاملات الطائرات الضخمة إلى الزوارق السريعة.(5*)
(وهنا نتوقف لنذكر أصحاب السماحة والفضيلة بأن هذه القوات بعينها هي التي جاءت إلى المملكة وبالعدد نفسه حيث المقرر اكتمال وصولها للمملكة في 15 أكتوبر الموافق 26 ربيع الأول وقد تستغرق حوالي شهراً تقريباً لتعزيزها، ولهذا أعلنوا أن المواجهة -إن كانت- ستكون في منتصف نوفمبر أي نهاية شهر ربيع الثاني تقريباً!!) .

وقد ظل الحديث عن قوة التدخل السريع هو الشغل الشاغل للصحافة الخليجية خاصة في أواخر عام 1979م- 1399هـ وشاركت في ذلك الصحف السعودية وبعض الصحف الإسلامية أيضاً، وعلى المستوى الرسمي عبرت بعض الدول عن رفضها للفكرة بصراحة في حين اكتفى بعضها بالتلميح.

- ولعل أكثر حكومة رفضت ذلك صراحة هي الكويت ثم العراق، وقد كان لشجب الكويت صداه في الصحافة السعودية، فقد علقت جريدة الندوة على ذلك قائلة: "إن الرفض الكويتي للتهديدات الأمريكية باستخدام القوة في منطقة الخليج ليس تعبيراً عن موقف الكويت فحسب بل عن موقف العرب كلهم" وقالت: إن الأمة العربية على استعداد لمواجهة هذه التهديدات واحتمالاتها المختلفة بكل ما أُوتيت من قوة وقالت: إن الحديث المكرر عن المصالح الحيوية في منطقة الخليج (وهو تعبير أمريكا) تذكير بقانون الغاب الذي كنا نظن أن العالم قد نسيه وطواه إلى الأبد. أما العراق فقد حذر صدام حسين (الذي كان نائباً للرئيس حينئذ) من أن أي شروع في محاولة للاعتداء على أي بلد عربي أو بترول من شأنها أن تشعل النار في بترول المنطقة وتحرق في المقام الأول المعتدين أنفسهم!! .

وقد أعقب ذلك فتور في العلاقة بين المملكة العربية وأمريكا خاصة وأنه جاء عقب تحفظ المملكة على اتفاقية كامب ديفيد وقطع علاقاتها مع مصر.

- وقد اهتمت أمريكا كثيراً بردود الفعل العربية الواقعة والمحتملة وأهم المخاوف كانت كما عبّر جون كولينن الذي أعد دراسة كاملة عن قوات التدخل هي أن "قوة عراقية مشكلة من عشر فرق ومدعومة بأسراب من المقاتلات يمكن أن تمثل تحدياً لهذه القوات الأمريكية في حال تدخلها " (السياسة الكويتية -العدد 3897 في 4/ 5/ 1979م ) .

- ولعل من دواعي السخرية المرة أن الصحافة الكويتية (القومية خاصة) عبّرت كثيراً عن اعتزازها بالقوة العراقية التي يخافها الأمريكان!!. (تماماً كما فعلت هي والصحافة السعودية عندما أعلن صدام أنه سيحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج) .

- أما الصحافة الأمريكية والغربية فقد أخذت القضية من جوانب عدة لعل أبرزها ما يتعلق بخطط التنفيذ وكيفيته فقد شرعت في نشر كثير مما يسمى "سيناريوهات" التدخل منذ بداية الفكرة وقبل إعلان كارتر لمبدئه أي عقب حظر النفط مباشرة من ذلك ما نشرته صحيفة صاندي تايمز في عددها الصادر في 9/2/1975م و فيه :

"أنجز مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة دراسة تفصيلية لخطة سرية للغاية وضعتها وزارة الدفاع لغزو حقول النفط السعودية في حال نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط ينجم عنها حظر نفطي عربي جديد، وقالت: إن هذه الخطة واسمها بالشيفرة "الظهران الخيار الرابع" قد وضعها البنتاغون لهجوم أمريكي على حقل الغوار النفطي الذي يحوي 40% من احتياطي العالم المعروف من النفط وتقود هذا الهجوم تسع كتائب مشاة محمولة جواً من قاعدتها في ولاية نورث كارولينا وبحماية جوية إلى الظهران في الخليج عن طريق القاعدة الجوية الإسرائيلية في "حتسريم" وتستولي كتائب المشاة على حقل النفط في الظهران حيث تعمد إلى إجلاء الرعايا الأمريكيين ومن ثم تتابع سيرها إلى الداخل حتى حقل الغوار بعد أن تستولي على أرصفة الموانئ ومستودعات التخزين في رأس تنورة وبعد ذلك بثلاثة أيام تتبعها فرقة مشاة بحرية قوامها 000،14 رجل يتم إرسالهم إلى الخليج بطريق البحر (النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل 1973- 1979م مروان بحيري ط 1980 ) .

- وقد تحدثت هذه الخطط عن خلو المنطقة من السكان وخلوها من الأشجار (أي بعكس فيتنام) ونحو ذلك من العوامل المشجعة على التنفيذ الضامنة للبقاء، وفي الوقت نفسه تحدثت عن العوامل المضادة التي يمكن تلخيصها بأنها فنية وتقنية بالدرجة الأولى وقد تكون تخريباً للمنشآت تقوم به القوات السعودية.

- وفي شهر مارس 1976م أي قبل 15سنة إلا قليلاً نشرت جريدة الأنباء الكويتية ترجمة لمقال نشر في إحدى المجلات الأمريكية، عنوان الترجمة "خطة أمريكية لاحتلال السعودية وتسليم إيران للسوفييت".

ابتدأ المقال بتأكيد أنه: ليس أمام الحكومة الأمريكية إلا خياران:

إما الانهيار الإقتصادي، وإما الاستيلاء على المملكة العربية السعودية ثم قال:

"لا تضحكوا فلدى البنتاغون خطة جاهزة لتنفيذ هذه الفكرة التي كانت موضع بحث وتمحيص بين عدد من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في شؤون الشرق الأوسط داخل الحكومة وخارجها بصورة جدية ومفتوحة.
لكن لم لا؟ ليست هذه مجرد فكرة جيدة بل إنها ضرورة مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة ولباقي بلدان العالم غير العربية إذا أرادت استعادة التحكم بحياتها الخاصة.

ففي الشرق الأوسط يقطن 10% من مجموع سكان العالم بينما تحتوي أراضيه على 75% من الاحتياطي العالمي للنفط ولا بد من تصحيح هذا الخطأ. لن يتأتى هذا التصحيح إلا عن طريق استخدام القوة، فلم نسمع حتى الآن أن أي عربي تخلى عن بئر نفطية عن طيب خاطر، والولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك قوة تمكنها من تحقيق هذه الخطوة، وعليه فإن الاستيلاء على المملكة العربية السعودية لن يكون مشكلة، ويمضي المقال في الحديث عن إرضاء السوفييت بإعطائهم إيران، ويعدِّد المكاسب الكبرى للاحتلال الذي سيغيّر اسم البلاد إلى "الولايات المتحدة السعودية" كما قال، وأفاض في الحديث عن بذخ شيوخ النفط وإسرافهم مع الفقر المدقع لشعوبهم وشعوب العالم الثالث ويمضي المقال متهكماً:

"لو استولينا على السعودية وأعطينا كل واحد من سكانها -8 ملايين نسمة- مساحة قدرها 45 فداناً من الرمال وجملاً، وألفي دولار في العام أي ما مجموعه 16 مليار دولار في السنة لأحبنا بما فيه الكفاية"!! .

ثم يقول:

بعد الاستيلاء على السعودية ستبدأ محاكمات مجرمي الحرب وسنطبق قوانين العقوبات التقليدية في البلاد، إن السارق تقطع يده والقاتل يُقتل ولا شك أنه ما من شيخ سيفلت من هذه العقوبة أو تلك، وسيحاكم معهم مساعدوهم من مديري شركة النفط العربية السعودية !! ...
"إن إقتصادنا وسياستنا الخارجية ومستقبلنا أصبحت جميعها مرهونة -بجدة- وليس بواشنطن لكن الاستيلاء على السعودية سيغيّر هذا الوضع كلياً.
وأخيراً ستتاح لنا فرصة الذهاب إلى الحرب بأهداف ثابتة.
وإذا كنّا قد أزهقنا أرواح 50 ألف نسمة لضمان أمن "فان خيو" و "كاوكي" في فيتنام، فبوسعنا خوض حرب آمنة من أجل أنفسنا!!.

وصدق الله العظيم [ قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر] .

ولعل مما يجدر ذكره أن بعض هذه الخطط إقترح احتلال ليبيا بدلاً من السعودية ومما يدل على أنه هذه القضية وُضعت موضع الجد أن الولايات المتحدة عرضت الفكرة على دول أوروبية كثيرة وكذلك اليابان وبعض الدول التي يهمها شأن النفط، وذلك بغرض تكوين رأي عالمي موحد ومشاركة عالمية ولو رمزية لتكون غطاءاً للاحتلال الأمريكي، وقد صدرت بهذا الشأن وثيقة في غاية الأهمية هي عبارة عن تقرير شارك في إعداده أربعة من أكبر معاهد الدراسات. التي تتمتع بسمعة عالمية كبيرة وهي- المعهد الملكي للشؤون العالمية في لندن والمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ومعهد الأبحاث الألماني للسياسة الخارجية- وهذه المعاهد الأربعة معاهد جادة والدراسات التي تقوم بها تتحول عادة وتصبح الخط العام لسياسة دولها وفي بعض الأحيان تقوم بدراسات بتكليف من حكوماتها مباشرة، تتحدث المعاهد الأربعة في تقريرها عن قوة الانتشار السريع وأمن الخليج وضرورة حماية منابع النفط والتدخل في القلاقل الداخلية في دول العالم الثالث من خلال منظور العلاقات الأمريكية السوفيتية والأمريكية الأوروبية وتوصي بوجود قوة أمريكية في الخليج بدعم من أوروبا واليابان... (القبس العدد 3175 فى 16/3/1981م) .

والتقرير نشرته صحيفة القبس الكويتية في أعداد متوالية من تاريخ 16-26/3/1981م ونشره في السنة نفسها مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، وإذا ما تابعنا الخطوط الأمريكية فإننا سنجد أنه إضافةً إلى استمرار قوة التدخل السريع في تطوير قدراتها وإجرائها تدريبات عالية في مناطق مماثلة تقريباً لأجواء الخليج والاستعداد المستمر بما في ذلك تعليم اللغة العربية بلهجاتها المحلية، لم تغفل السياسة الأمريكية الجوانب الأخرى الموازية أو المكملة للخطة ومنها:-

إيجاد قوة إقليمية موالية تقوم بدور الوجود الأمريكي المباشر مع تلافي سلبيات هذا الوجود، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة العمودين المتساندين مع وضع بديل لإيران وهذا ما اقترحه الرئيس نيكسون بعد سقوط الشاه مباشرة حيث يقول: (السؤال الذي يدور في خلد كل إنسان الآن هو: ترى من سيحل محل إيران؟). ويجيب: (يُعتبر العراق –الراديكالي حالياً- أقوى قوة عسكرية في منطقة الخليج، فقوته العسكرية تعتبر كاسحة على الصعيد الإقليمي، فهو يمتلك أربعة فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكيتين بثلاثة الآف دبابة سوفيتية وفرنسية وعربات مصفحة، بالإضافة إلى أربعة فرق مشاة وهكذا وبدون دعم سوفيتي يمكن للعراقيين أن يتحركوا بقوة إلى أي مكان يقررون التحرك إليه سواء كان في الكويت أو في العربية السعودية أو إيران) .

وبعد أن يشير إلى الخلافات الحدودية والمطالبة بالكويت يرجع فيقول: "إن الأغلبية العظمى من خزانات النفط الخام في الخليج العربي تقع على بعد بضع مئات الأميال عن الحدود العراقية -في المناطق القريبة من إيران والكويت والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والفائدة التي يحققها العراق لقاء أي تحرك ناجح إلى أيٍّ أو إلى جميع تلك المناطق سيكون تحويلاً هائلاً للموجودات. ويقوم العراق اليوم بصفقة عراقية مقررة تهدف إلى السيطرة السياسية في منطقة الخليج وعلى الرغم من أن نظام الحكم اليساري فيه كان مناوئاً لأمريكا فهو لا يريد رؤية الهيمنة السوفيتية على الخليج قائمة ولذا فقد يرغب في تعديل موقفه السابق نحو اتخاذ موقف أكثر إعتدالاً، ومن هنا يمكننا القول بأننا على صواب حين نسعى نحو تحسين العلاقات مع العراق". (المذكرات ص 117- 118 ) .

وهذا ما حدث فعلاً فقد اقتضت الخطة الأمريكية بعد سقوط الشاه تدمير قوة إيران العسكرية وبذلت أمريكا جهوداً ضخمة على جميع المستويات لكي لا تقع ترسانة الأسلحة الضخمة التي كدسها الشاه في أيدي أعداء حقيقيين لأمريكا، ومن ذلك العمل على تحديد الجيش الإيراني واستدعاء الخبراء العسكريين والفنيين الأمريكيين الذين تقول بعض التقديرات إنهم كانوا يزيدون على ثمانين ألفاً، ومنع قطع الغيار بل ومحاصرة إيران إقتصادياً وحمل دول الأطلسي على ذلك، وتجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأمريكية، وأخيراً وكما تدل وثائق كثيرة ومؤشرات واقعية لا مجال لعرضها الآن -دفعت بالعراق إلى الحرب معها أو على الأقل ساعدت في تهيئة ذلك.
وكان طبيعياً أن تقوم دول الخليج بمساندة العراق لأسباب كثيرة منها تحديات قادة الثورة الرافضية بتصدير الثورة، ومنها الدوافع القومية والوطنية، ومنها تشجيع الغرب والولايات المتحدة خاصة -لذلك- التخوف من قيام تحالف إيراني سوري يشمل رافضة لبنان ومنظمة التحرير!! مما قد يشكل خطراً -ولو جزئياً- على إسرائيل أيضاً.
وهناك أسباب أخرى لهذه الحرب لا ينبغي إغفالها منها: حرص شركات السلاح الغربية على استنزاف الثروة الهائلة لهذه المنطقة وحرص الغرب عموماً شرقه وغربه على تعويق التنمية فيها وبقائها منطقة اشتعال وميداناً للتنافس الضاري:

وفي كتابه المهم الذي أصدره نيكسون قُبيل توقف الحرب العراقية الإيرانية وهو: "1999 نصرٌ بلا حرب" (6*)

يقول:-
" إذا كانت هناك حرب يستحق كل من طرفيها أن يخسرها في الحرب العراقية الإيرانية وإذا كانت هناك حرب لا يمكن فيها أن تجازف الولايات المتحدة بأن يخسرها أي من الطرفين فهي الحرب العراقية الإيرانية" ص 133.
والواقع أن الغرب لم يضع العراق بديلاً لإيران في مهمته "شرطي الخليج" وملء الفراغ الأمني وإنما أراد استمرار توازن القوى في طريق الانحدار إلى أن تنهار الجبهتان كليهما (إيران من جهة والعراق ودول الخليج من جهة أخرى ) .

وبذلك يحدث "الفراغ الأمني الكبير" الذي هو ستار الغرب للسيطرة المباشرة على المنطقة بأي شكل كان (ومن ثمرات ذلك بالنسبة لإسرائيل إحلال تحالف سوري إسرائيلي بمباركة أمريكا محل التحالف الإيراني السوري وإمكانية قيام إسرائيل الكبرى وسورية الكبرى على أنقاض العراق والأردن ولبنان !! ) .

ومن هنا نرى بوضوح استمرار الحرب العراقية الإيرانية مدة الخلافات والمفاوضات بين روسيا وأمريكا ثم توقفها المفاجئ عند وصولهما إلى الخطة المبدئية للوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد الذي يريدان تعميمه على العالم كله وخاصة على منطقة الخليج.

إن أحداث المنطقة هي كما يعبرون "الانعكاس الواضح" للعلاقات بين العمالقة الدوليين وقد كان العالم منذ الحرب العالمية الثانية يتنازعه القطبان المتنافسان "أمريكا وروسيا" ولكن العقد الماضي شهد سباقاً عاجلاً بين فكرتين نقيضتين: الأولى -تعددية الأقطاب وهو ما تسعى إليه فرنسا واليابان وألمانيا والصين وكوريا والهند وأهم جبهاته بالطبع هي فرنسا التي تمردت على الحلف "الناتو" منذ أيام ديجول والتي ترفض الدخول تحت المظلة الأمريكية، وتريد أن تتزعم أوروبا من جهة وتسيطر على أكبر قدر ممكن من العالم الثالث من جهة أخرى. والأخرى
- هي فكرة المطب الواحد وهو ما تريده أمريكا الساعية دوماً إلى التفرد بزعامة العالم(7*) .

وهذا ما سنرجع إلى الحديث عنه قريباً إن شاء الله، والمقصود هنا هو أن فرنسا خاصة كان لها دور واضح في المنطقة مع الخميني أولاً ثم في تبني العراق ومساندته ثانياً وكانت روسيا تطمع في أن تجعل إيران "أفغانستان الثانية".
وخاصة أن حزب "توده" احتفظ بوضع ثابت خلال الثورة وبعدها وهو ما استعصى فهمه على كثيرين!!... والمهم الآن أن هذه العوامل وغيرها (ومنها فشل محاولة استنقاذ الرهائن عسكرياً) جعلت أمريكا تضع خطة بعيدة المدى تقوم أولاً على التفاهم بين المتنافسين على الفريسة ثم الهجوم عليها فيما بعد، وتوارت عن الأنظار -إلى حد ما- فكرة التدخل المباشر وظهر ذلك جلياً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1984م حيث تنافس الطرفان في التعهد بعدم إرسال قوة أمريكية للقتال في الخليج!! (انظر كتاب 1999 نصر بلا حرب ص 133 ) .

ومع ذلك فإن أمريكا كانت تستغل كل حدث في المنطقة من شأنه أن يزيد وجودها العسكري أو يتيح لها نوعاً من التدخل المباشر مثل قضية الرهائن، وقضية الألغام، وطلب الكويت الحماية الأمريكية برفع العلم الأمريكي على ناقلاتها... والزيارات (كما يسميها الأمريكان) التي تقوم بها بوارجهم وطائراتهم للمنطقة بين حين وآخر!!...

والخطة البعيدة المدى يمكن إيجازها في "وضع نظام أمني للمنطقة يجعلها تابعة أو جزءاً من حلف الأطلسي" حيث يمكن الجمع بين وجود قوة إقليمية تشارك في الدفاع والنفقات وتخفف من وطأة ما يمكن أن يسمى الاحتلال من جهة وبين الدور القيادي المباشر والمتحكم للولايات المتحدة وهذا هو موضوع الفقرتين التاليتين:-
(4*) هذا النبأ ذكرته مصادر كثيرة جداً منها ما يأتي في الصفحة التالية .
(5*) انظر قوة الانتشار و التدخل السريع الأمريكي ، جيفري ويكورد / ترجمة عبدالهادي ناصف ، مصر 1403 هـ والوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط ، حسين آغا و زميلاه ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت 1982 .
(6*) إعداد و تقديم المشير عبدالحليم أبو غزالة – ط 1- 1409هـ مركز الأهرام للترجمة و النشر و قد كتبه أواخر سنة 1988).
(7*) أما المعسكر الشرقي فإنه منذ إحساسه بالتقهقر الواضح لجأ إلى فكرة أوروبا الموحدة شرقاً و غرباً ليكسر حدة الهيمنة الأمريكية و ليحقق مكاسب أخرى تحدثنا عنها في محاضرة " الشيوعية و إعادة البناء" التى أُلقيت في الرياض شهر رجب 1410هـ .

-5- النظام الأمني المؤقت
في الثمانينات الميلادية - العشريات الهجرية.

إن من أهم العقبات إن لم تكن أهمها للسيطرة الفعلية المباشرة على المنطقة أن الاحتلال العسكري المكشوف أصبح مرفوضاً على الصعيد العالمي كله، حتى داخل أمريكا نفسها له معارضة قوية. لكن أقوى معارضة له بالطبع من دول المنطقة وشعوبها التي ستثور على المحتل وإن طال الزمن، ومع أن الروابط القوية التي تربط حكومات المنطقة بأمريكا لا تخفى فإن رفض الوجود الأمريكي الصريح هو ما تعانيه هذه الحكومات دوماً بل لا تريده أصلاً.
ولهذا لم يَلقَ الإلحاح الأمريكي للسماح بقواعد عسكرية في المنطقة أذناً صاغية كما رفضت دول المنطقة الدخول في حلف مباشر مع أمريكا، بل رفض بعضها وخاصة العراق والمملكة فكرة الفراغ الأمني نفسها، وهذا الأمر بالإضافة إلى اتفاقية كامب ديفيد وذيولها أدى إلى وقوع خلاف واضح بين أمريكا والمملكة وصل إلى درجة أن كلاً منهما بدأ يفكر في بديل لعلاقاته مع الآخر.

فأما المملكة فقد لوحت مراراً بإقامة علاقات مع الاتحاد السوفيتي، ووطدت فعلاً علاقاتها بفرنسا، وشرعت في علاقات مع الصين، وأهم من ذلك أنها وجدت في العراق الجار القوي الذي يتفق معها في هذا الهدف فوطدت العلاقات بين البلدين بشكل لم يسبق له نظير من قبل، وغضت أمريكا الطرف عن ذلك لأسباب منها: أنه عمل قومي بحت لا تريد الإثارة حوله، ومنها أن ذلك يساعد على توازن القوى مع إيران كما سبق، ومنها أن العراق تخلى عن راديكاليته تجاه الغرب. بل ضرب الحزب الشيوعي العراقي بقوة.

أما أمريكا فقد استبدلت بالسعودية سلطنة عُمان (الدولة العربية التي وقفت مع مصر السادات حينئذ) ولها في ذلك مبرر استراتيجي واضح وهو أن مضيق هرمز تابع للسلطنة، وهو الممر المائي الوحيد للخليج الذي يمر منه (حينئذ) 95% من نفط الخليج كله والسيطرة عليه سيطرة على الخليج كله في الواقع وتجنباً للقول بأن أمريكا تتحكم في المنطقة ومضاعفات ذلك دولياً.

أشركت أمريكا معها حليفتيها الطائعتين بريطانيا وألمانيا الغربية، وسعت إلى إقناع دول الخليج أيضاً لتكوين حلف عالمي (يضم الدول الثلاث ودول الخليج ومصر وإسرائيل!!) لحماية أمن المضيق من السوفييت والإرهابيين(8*)..!! وتبنَّى السلطان قابوس المشروع الذي سُمي (المشروع العُماني) وعرضه على دول المنطقة فرفضته كلها، وحسب ما نشرته مجلة إقرأ السعودية رفضه العراق بعد وصول مبعوث قابوس بساعات ثم رفضته الكويت والسعودية والإمارات. وكان العنوان الذي وضعته المجلة هو (تحاول أمريكا دخول الخليج العربي، لماذا رفضت الدول الخليجية المشروع العُماني؟)(9*). على أن فشل المشروع أدى –فيما أدى- إلى التفكير في إقامة تعاون إقليمي بين دول المنطقة وخاصة بين العراق والسعودية من جهة وبين السعودية ودول الخليج الأخرى من جهة أخرى.
هذا الحلف الذي سُمي "مشروع براون" نسبة إلى -هارولد براون- وزير دفاع أمريكا حينئذ. كان له صدى واسع في الصحافة العربية والغربية، يهمنا منها موقف المملكة الذي أشرنا إليه ونكتفي بإيراد مثالين عليه:-
1- المقابلة الصحفية لوزير الدفاع السعودي الأمير سلطان في النمسا، وننقل عنها ما جاء في مجلة إقرأ بقلم عامر الجابري بعنوان: "الخليج ولعبة الفراغ الأمني" وهو:
أ- إذا تركنا جانباً الحديث عن قوة التدخل السريع التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الماضية وأجمعت كل الأوساط والمصادر السياسية في العالم على أن منطقة الخليج هي محور الغاية من وراء تشكيل هذه القوة الأمريكية، أو قل إذا تركنا هذا الحديث جانباً مع التسليم بخطواته وضرورة التصدي له، خاصة بعد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون عن تأييده القوي لتشكيل قوة التدخل الأمريكي السريع فإنه ثمة أحاديث أخرى تجاوز رواجها وانتشارها حدود الظن ودوائر الحدس والتخمين وأصبح تداولها من واقع الفعل والتخطيط والتدبير... (يعني الأحلاف).
(وقبل أسابيع كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في زيارة للنمسا وعقد أثناء الزيارة لقاء سريعاً مع رجال الصحافة، وفي ذلك اللقاء أجاب سموه بمنتهى القوة والإيجاز على أخطر سؤال يتعلق بمنطقة الخليج، إذ أثار السؤال مسألة الفراغ الأمني في المنطقة بعد الأحداث الإيرانية وزوال ما يوصف بمظلة الشاه الأمنية، لقد قال سمو الأمير سلطان حول هذه النقطة القديمة -الجديدة: إن الأحداث الإيرانية لم تترك أي فراغ وإنه لا يوجد فراغ إلا في أذهان وضمائر الذين يتحدثون عنه فهم لا يعرفون أوضاع المنطقة، وقال إن مسألة الأمن في منطقة الخليج من شأن دولها لا غير) (10*).
وفي عدد آخر من المجلة نفسها كتب بشير العوف بعنوان رئيسي "خطوط واضحة وصريحة للعلاقات العربية الإيرانية" وكان العنوان الجانبي "صيانة أمن الخليج وحمايته وحماية منابع النفط تتحقق بتعاون عربي إيراني سليم وإلا فإن الأخطار ستكون كبيرة والخسائر شاملة خصوصاً وإن المتنطعين كثير والمتلهفين كبار!!".
والمقصود بهذه العبارة واضح.
ب- وفي مقابلة مهمة أجراها سليم اللوزي مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية دار الحديث فيها عن الموضوع نفسه وكانت المقابلة بعنوان "سعود الفيصل لسليم اللوزي" (لم يكن هناك شرطي للخليج والسعودية لا تدخل في أحلاف) .(11*)
يقول اللوزي في مقدمتها:-
"روى لي سفير دولة غربية أن هارولد براون وزير الدفاع فوجيء بهدوء أعصاب المسؤولين السعوديين عندما زار المملكة قبل عشرة أيام... كانت التقديرات الأمريكية أن أحداث إيران لا بد أن تكون قد أثارت مخاوف السعوديين وجعلتهم أكثر استعداداً لقبول ترتيبات أمنية تعوض ما خسره الأمريكيون من قواعد وتسهيلات (يعني في إيران) فإذا بوزير الدفاع يجد نفسه مركوناً لمدة ساعتين وهو ينتظر موعد اجتماعه مع الأمير فهد ولي عهد المملكة".
وأول المقابلة:-
(قلت: عشية زيارة هارولد براون -وزير الدفاع الأمريكي لكم- قال: إنه يحمل أفكاراً لاستراتيجية أمريكية عريضة لمواجهة الأخطار التي تهدد منطقة الخليج فهل صحيح أنه درس معكم إمكانية إنشاء اتفاق دفاعي إقليمي تشترك فيه السعودية ومصر وأمريكا كما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وجريدة لوماند الفرنسية؟
قال:-
ج- نحن لا ندخل في أحلاف خارج الإطارين العربى والإسلامي فهما الوحيدان اللذان يحكمان السياسة الخارجية للمملكة).
( يلاحظ أصحاب الفضيلة أن أمريكا أرادت تخويف المملكة بالثورة الإيرانية واحتمالات غزو سوفييتي لتدفعها إلى النظام الأمني المقترح وأنه لم ينف الأمير في جوابه العرض الأمريكي).
ومنها:
س: إذاً لم يجر الحديث في أية ترتيبات دفاعية مشتركة كالمعلومات التي تقول: "إن هناك خطة أمريكية لإرسال ثلاثة الآف خبير عسكري أمريكي برئاسة الجنرال -سيمون- لحماية المنطقة الشرقية من احتمال قيام عمليات تخريب في حقول النفط" (يقصد من الشيعة الموالين للخميني).
ج- الخطط الأمريكية والسوفيتية موجودة في واشنطن وموسكو أما نحن فليست لدينا خطة من هذا النوع. أمن المملكة واستقرارها يعتمدان على سواعد أبنائها.
"يلاحظ أيضاً أن الأمير لم ينف ذلك ".
س: هناك فراغ عسكري أوجده سقوط نظام الشاه فما هي الترتيبات الأمنية التي ستتخذ في المنطقة؟
ج: "عندنا قناعة كاملة في أن أمن المنطقة يعتمد على عنصرين:-
الأول: عدم التدخل الأجنبي في شؤوننا.
الثاني: الحرص على علاقات التفاهم بين دول المنطقة وتعاونها فيما بينها ونحن لا نرى تهديداً على أمن الخليج من دوله، وليس هناك أي خطر من التغيرات الداخلية طالما ليس هناك تدخل خارجي فيها"(12*).

(يلاحظ التلميح بأن الخطر هو من أمريكا نفسها وليس من دول الخليج كما يزعم الأمريكان) .

ولعل من المفيد هنا أن نسجل موقف الاتحاد السوفييتي من الموضوع وارتياحه للموقف السعودي فقد كتب أحد الكتاب الشيوعيين قائلاً: "أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في آذار- 1981- تصريحاً أدانت فيه بشدة خطط الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى في حلف الناتو لتدخلها في شؤون أقطار الخليج العربي. وفي نفس الوقت ضمنت الملاحة الحرة في مضيق هرمز باسم- جمهورية إيران الإسلامية، وقد صرحت أيضاً القيادة السياسية العراقية أنها ضد جر أقطار الخليج العربي المباشر في نظام القواعد العسكرية الأمريكية ومنذ سنة بُوشِر ضغط أمريكا على الدوائر الحاكمة في السعودية لأجل أن توافق على الدخول في حلف خليجي بالاشتراك المباشر لأمريكا ودول إمبريالية أخرى وأعلن مراراً ممثلون رئيسيون في حكومة السعودية أن بلدهم سيشارك فقط في إطار عربي أو إسلامي ونظراً للرفض الحاسم لأحلاف عسكرية إمبريالية من قبل بلدان عربية وإسلامية وحيادية، فقد خافت السعودية أن تفقد تأثيرها الخاص إذا دخلت مباشرة تحت أغراض الهيمنة الأمريكية.
وقد زادت هذه الأحداث والتصريحات من ضرورة التعاون الإقليمي خاصة بين السعودية والعراق وتحمس العراق لذلك كثيراً ونددت بالقوتين العظميين، وطالبت دول المنطقة بالتعاون معها ومع السعودية في هذا الشأن، ومن الأمثلة على ذلك مقال طويل نشرته مجلة الوطن العربي اشتمل على سخرية لاذعة من الرئيس بريجنيف والمشروعات السوفيتية لتطويق الخليج عن طريق عدن وأثيوييا... الخ. وكذلك من المشروع الأمريكي وقالت:
يبدو أن مسرح الأحداث في الخليج يتهيأ لمواجهة ثلاث تنظيمات تتعلق بإجراءات الحفاظ على سلامة وتأمين سلامة مواصلاته ومرافقه البترولية وهي:
1- التنظيم الأمريكي عبر سلطنة عُمان.
2- التنظيم السوفيتي عبر عدن.
3- التنظيم الخليج -السعودي- العربي.
وكان مما قالت:
( كانت الحملات الإعلامية المستوردة والمكشوفة من جانب إيران والولايات المتحدة وعديد من المصادر تعمل على إذكاء نيران المخاوف في آن واحد من السعودية والعراق) - يعني لدى دول الخليج الصغيرة: الكويت، البحرين، والإمارات..-

قالت: "وبصبرٍ عالج كل من الطرفين العراقي والسعودي هذه المخاوف مقيماً الدليل على أنها وهمية ولا تستند إلى أساس موضوعي، وبينما لجأ العراق إلى مبادرات الانفتاح نحو دول الخليج عبر وفود رسمية أرسلها تحمل عروض ومشاريع التعاون في جميع المجالات والانطلاق من المفهوم القائل:
إن المهمة القومية الاستراتيجية للعراق تستوجب منه أن يتجه جنوباً لصد محاولات السيطرة الإيرانية والأجنبية على الخليج، وفي وقت واحد مع اتجاهه غرباً لتأكيد استمرار دوره الأساسي في أي مواجهة مع إسرائيل(13*). وبينما بدأت تتجلى ثمرات هذه السياسة في تسوية المشكلات العالقة مع الكويت وتسوية قضية اقتسام المنطقة المحايدة مع السعودية مما ساعد على إيجاد بداية انفراج حقيقي كانت السعودية تعالج نتائج مؤتمر مسقط... الخ.
وذكرت المجلة "أن الفراغ الإستراتيجي الذي حصل بدأ يغري على إحياء المحاولات الأمريكية والسوفيتية للتحكم في الخليج في سباق للسيطرة على منابع النفط ومصبَّاته ".
وبعد أن فخرت المجلة وأشادت بالعرض العسكري السعودي الذي أُقيم في خميس مشيط حينئذ قالت "وكتطور طبيعي منطقي تجددت الاتصالات من أجل تفاهم دفاعي إقليمي وشددت هذه الاتصالات بشكل خاص على العراق بالنظر لأن القوى المتوافرة لديه تجعله الديدبان الفعلي للخليج، وهكذا فإن الأبحاث المتعلقة بإيجاد تنظيم عربي مشترك تؤلف مؤشراً على زوال عهد الشكوك والمنافسات العقيمة لمصلحة عهد التعاون والتضامن على جميع الأصعدة(14*).
ولا يخفى عليكم أن هذا التنظيم قد تم فعلاً ونعني به (مجلس التعاون الخليجي) وأن العراق وإن لم ينضم إليه فإن الموقف العراقي والخليجي كان موحداً خلال السنوات العشر في أكثر القضايا وخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ونذكِّر هنا ببعض الأمثلة:
1- كانت إذاعات دول مجلس التعاون تذيع أخبار الانتصارات العراقية بحماس زائد وتقول كل ليلة تقريباً (وقد تكبدت القوات الإيرانية كذا قتيلاً بينما فقدت القوات العراقية كذا شهيداً) هذا غير التأييد الدائم في الأمم المتحدة والمحافل الدولية وإصرار دول الخليج على أن إيران هي البادئة بالحرب!! وإشاداتها المتكررة بمبادرة صدام لإنهاء الحرب وتعنت إيران في ذلك.
2- كانت الصحافة العراقية والسعودية كأنهما نسخة واحدة خلال العشر سنوات جميعاً والفرق بينها أن مجلة "المجلة" السعودية تبدأ بالحديث أو الأخبار عن المملكة مقرونة بصور الملك فهد ثم تعقبه بحديث مماثل أو أخبار عن العراق مقرونة بصور صدام.. في حين أن المجلات العراقية -مثل الوطن العربي والتضامن- تبدأ بالعراق وصدام. حتى إننا كنا نستغرب أن المجلات العراقية تبدو وكأنها ملتزمة بنفس التعليمات الصحفية السعودية مثل -عدم نشر الصور الفاضحة ومثل عدم نشر أي مقالة إلحادية واضحة. (كما هو الشأن في صحافة الخيلج!!) وفي الوقت نفسه نجد أن الصحف السعودية تكاد تكون ملتزمة بالخط القومي في تحليلاتها وآرائها، أما المهرجانات الثقافية والأندية الأدبية وأشباهها فإنها كانت متماثلة النهج والفكر إلا قليلاً (التعاون الحداثي خير مثال على ذلك).
في هذا الوقت كان الدعاة الذين يعرفون حقيقة البعث وصدام- ولأعبر عن نفسي شخصياً- أقول كنت أشعر بالغرابة وأحياناً بالإحراج عندما أسأل عن عقيدة البعث أو عن رأيي في دعاوى صدام حسين الإسلامية لأنني أعلم علم اليقين كفره وكفر عقيدته وحزبه مهما ادَّعى وستر أو صرح بذلك، وكثيراً ما يجهدني اللوم من جهتين: من جهة أنني مخالف لما عليه ظاهر الحال من سياسة الحكومة بشأنه، ومن جهة أن احتمال أن يكون الرجل تاب أو استتاب أمر وارد!! كما يقول بعض المشايخ!! وأذكِّر المشايخ الأفاضل وخاصة الشيخين- محمد بن عثيمين وصالح الفوزان- بما قلته عقب كلمتيهما القيمتين في إجتماع دعاة القطاعات العسكرية وغيرها في موسم الحج الماضي ليلة الخامس عشر من ذي الحجة بالعزيزية الجنوبية عن خطر البعثيين والأخطار الأخرى المحدقة بهذا البلد عامة.
وهكذا استمر ذلك التحالف الوثيق إلى وقوع الحادث الأخير باجتياح الكويت، ولا يعني هذا أنه لم توجد خلافات مطلقاً، لكن ما وجد بين بعض دول مجلس التعاون كان أكبر مما وجد بين السعودية والعراق وأبرز فتور حدث في العلاقات هو عند إعلان المجلس الرباعي (العراق- مصر- اليمن- الأردن) ومع ذلك قيل إنه خطوة أخرى نحو الوحدة العربية الشاملة ثم كان مؤتمر بغداد الأخير في ذي القعدة 1410هـ الذي أشعر الناس لأول مرة بأن العالم العربي يمكن أن يتفق ويتوحد ( ماعدا سوريا) والمقصود أنه خلال هذه السنوات العشر لم يكن يدور في إعلامنا أي كلمة عن كفر البعثيين وانحرافهم وغدرهم بل سكت إعلامنا عن مجازر "حلبجة" المأساوية، وعن الإعدامات التي تعرض لها الاتجاه السلفي في العراق، والحق أنه لم يكتف بالسكوت بل شن مع الإعلام العراقي حملة مضادة على الصحافة الغربية التي كانت تهاجم صدام، ولا أريد أن أذكر أمثلة على ذلك لأنها أكبر وأظهر من أن أمثل لها بآحاد أو عشرات من المقالات والتحليلات.
وبصراحة أقول إن إعلامنا -بل إن حبنا وبغضنا عامة- لم يكن ملتزماً بما أمر الله، وأن المليارات التي اُعطيت لصدام لم تكن مشروطة بأي شرط من شأنه التخفيف من الحرب الشعواء التي يشنها الحزب وزبانيته على الدعاة وخاصة السلفيين منهم، حيث أن حيازة كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية تعد تهمة في العراق، والذي يحصل عليها من السفارة السعودية يأخذها كالسارق اللائذ بالفرار، وكذلك يعاني الدعاة الآخرون كالإخوان العراقيين (وللعلم نقول إن العقيدة السلفية منتشرة بين الإخوان العراقيين أكثر من غيرهم كالسوريين مثلاً)
ومع ذلك سكتنا – والله - يغفر لنا - متأولين أن قيام صدام في وجه الطاغوت الرافضي "الخميني" يجعل هذه المساعدات الهائلة داخلة ضمن مصلحة الإسلام العامة.
ولقد استطرد بنا القلم فلنعد إلى موضوع النظام الأمني ولنرجع إلىأوائل الثمانينات فنقول:
عندما رفضت دول المنطقة الوجود الأمريكي المباشر والأحلاف العسكرية مع أمريكا وأعلنت مراراً وتكراراً وعقب كل اجتماع تقريباً أن أمن الخليج مسؤولية أبنائه، جاءتها أمريكا من الباب الآخر من الثغرة التي لم نسدها بعد وأعني بها التخلف التقني ومخالفة أمر الله بالإعداد الذاتي مع التوكل عليه وحده، وذلك حين لجأت دول المنطقة إلى شراء صفقات هائلة من الأسلحة المتطورة جداً والأنظمة الحديثة للقيادة والسيطرة والاتصالات بغرض الدفاع عن نفسها طبعاً ولكن أيضاً بغرض إقناع أمريكا بأنها قادرة على حماية نفسها، واسترضاء لها من ناحية أخرى، هذا مع رفع إنتاج النفط بما يناسب مصلحة الغرب وإن كان مضراً بإقتصاد هذه الدول وثروات أجيالها... وغير ذلك مما لا مجال لذكره.
ومن هنا خططت أمريكا والغرب لاستنزاف ثروات المنطقة من جهة واستخدام هذه الأسلحة المتطورة لتكون مجرد مقدمة للوجود العسكري الأمريكي من جهة أخرى.
ولعل الغريب حقأ أن الصحافة الأمريكية نشرت هذا المخطط الخطير البعيد المدى ومما نشر سنة 1981 أن عام 1990- الذي هو عامنا هذا- سوف يكون عام الربط المتكامل بين القوات المحلية المتسلحة بهذه الأسلحة وبين القوات الأمريكية في المنطقة وفق تلك الأنظمة المتقدمة للسيطرة والقيادة والاتصال!! وإليكم بعض ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 1/11/1981م وترجمته بعض المجلات العربية في حينه مع التوطئة له، وموضوعه -طائرات الأواكس والنظام المتطور للاتصالات-.
على أساس الفرضية القائلة أن الولايات المتحدة تتهيأ لمزيد من التورط وأن إمكانية استخدام قوات التدخل السريع تصبح يوماً بعد يوم إمكانية حقيقية يصبح من الممكن البحث في معنى صفقة "الأواكس" إلى السعودية جاء كمحاولة لسد الثغرات في إمكانيات قوات التدخل السريع وخاصة بسبب عدم وجود إمدادات كافية من المياه العذبة للقوات والمعدات وعدم وجود نفط مكرر وعدم وجود تسهيلات مناسبة للمواصلات والنقل في القواعد التي حصلت عليها إدارة كارتر، إذ أن "دييغو غارسي" مصر والصومال وكينيا وعمان (باستثناء البحرين) كلها تبعد بين 500 و 2300 ميل عن النقاط الحساسة لتواجد القوات الأمريكية. أما الثغرة الأساسية الثانية فقد تمثلت في النقص في طائرات النقل للقوات والمعدات، وعلى هذا الأساس خططت الإدارة الأمريكية منذ عهد كارتر لسد الثغرات من خلال تطوير نظام أمني إقليمي جديد بقيادة السعودية التي تشكل النقطة المركزية فيه. وكان روبرت كومر. (الذي كان مساعداً لوزير الدفاع في إدارة كارتر والمخطط الأساسي لتطوير قوات التدخل السريع) قد لعب دوراً هاماً في تطوير الاستراتيجية السعودية - الأمريكية المشتركة والتي بدأ البحث فيها بين وزير الدفاع في إدارة كارتر هرولد براون والأمير سلطان وزير الدفاع السعودي في خريف عام 1985م والتي بموجبها كان على الطرف السعودي إعطاء تسهيلات ومنشآت للتخزين لصيانة المعدات العسكرية المتمركزة في المنطقة والخاصة بقوات التدخل السريع مقابل حصول السعودية على نظام قيادة وسيطرة واتصالات متطورة (سي 3) بالإضافة إلى عتاد آخر مثل طائرات الأواكس وعلاقات القنابل للطائرات "إف- 15" وقد صرَّح كومر (أن بعض الناس يدَّعون بأن قوات التدخل السريع مبنية على أسس واهية) وكان ممكناً اعتبارها كذلك حسب رأيه في حال عدم تطوير النظام الدفاعي المشرك مع السعودية.
( وتكمن الخطة الأولية لتطوير هذا النظام الدفاعي في برمجة أحدث الأساليب في مجال تكنولوجيا العقول الإلكترونية للتنسيق بين إمكانيات الدفاع الجوي السعودي وإمكانيات الدفاع الأمريكي في المنطقة. كما قدمت دراستان أخريان حول إمكانيات التنسيق بين القوات الأرضية والبحرية السعودية وإمكانية دمج القوات الثلاث في نظام قيادة واتصالات وسيطرة موحد) .
ويبدو أن هناك اقتراحات أخرى لدمج نظام القيادة والسيطرة والاتصالات (سي-3) فيما بعد مع نظام إلكتروني لرصد المعلومات مما سيشكل نظام قيادة وسيطرة واتصالات استخبارت (سي-31) وسيرتكز العمود الفقري لنظام (سي- 31) على أكثر الأساليب تطوراً في مجال تنظيم المعلومات وعرضها، ويأمل القادة السعوديون والأمريكيون بأن يتمكن نظام (سي- 31) من الربط بين الأجزاء الأخرى من البرنامج المشترك في عام 1990 في إطار شبكة قتال موحدة. وتشير المعلومات أن البنتاغون قد قام بدراسات لعملية تركيب نظام (سي 31) القادر على الربط بين القوات السعودية والقوات الأمريكية وقوات محلية أخرى. وقد قدرت تكاليف تطويره بنحو مليار دولار... ومن المهم هنا أن نذكر أن هدف الصفقة النهائي كان سراً حتى عن الكونجرس. تقول المقالة: (وقد عبَّر أحد المحرّضين من أجل الحصول على تأييد الكونجرس للصفقة عن صحة عملية إخفاء المعلومات الأساسية عن الكونجرس قائلاً "نحن مجبرون لاطلاعهم على المعدات التي نبيعها ولكننا لسنا مجبرين على شرح معنى هذه المعدات "!! .
( ومن مهمات نظام القيادة والسيطرة والاتصالات التي ستحصل عليها السعودية تنسيق عملية دخول القوات الأمريكية بشكل موسَّع إلى المنطقة عند الحاجة وسيشمل النظام عدداً من الاعتدة الأخرى المتطورة ستبيع الولايات المتحدة البعض منها على شكل صفقات جزئية والبعض الآخر ستدخلها مع النظام نفسه. هذا بالإضافة إلى بعض الأسلحة التي ستشتريها بعض الدول الخليجية الأخرى بإسمها وبتمويل سعودي بهدف دمجها في هذا النظام وقد بينت "ورقة عمل" محدودة التوزيع وخاصة بالبنتاغون وُزِّعت على أعضاء الإدارة لتحضيرهم لمناقشة قضية الأواكس في الكونجرس أن الصفقة " تهيئ الأوضاع لتطوير نظام إقليمي للدفاع الجوي لكل منطقة الخليج بدعم أمريكي" كما بينت هذه الدراسة "أن السعوديين قد أبدوا رغبتهم للعمل باتجاه نظام دفاعي إقليمي موحد" وأن الولايات المتحدة وافقت على دعم هذا النظام الإقليمي.

وقد جاء في هذه الورقة: "أن المملكة السعودية قد اتخذت المبادرة في تكوين مجلس التعاون الخليجي مع البحرين وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت وأن إحدى الأهداف الأساسية لهذا المجلس هي تطوير الدفاع المشترك في منطقة الخليج" وبينت أن الأواكس والنظام الدفاعي الأرضي المرتبط بها "سيسمح بربط شبكات الدفاع الجوي لهذه الدول في نظام موحد".

ويبدو واضحاً أن البنتاغون يأمل أنه في حال استطاعة السعودية تنظيم هذا النظام الدفاعي الموحد لدول الخليج فالخطوة التالية هي المطالبة بتواجد عسكري أمريكي دائم مما سيؤدي إلى خلق تحالف محلي عسكري جديد ضد الإتحاد السوفيتي، وعلى حدوده الجنوبية مكمل لدفاعات حلف الأطلسي في الغرب.
وبينما لا يبدو واضحاً بالنسبة للمخططين في الولايات المتحدة عدد دول الخليج التي ستوافق على الدخول في هذا النظام الإقليمي الذي ستسيطر عليه السعودية إلا أن السعودية سائرة في خططها على أساس دخول عدد من هذه الدول. وهذا واضح من خلال بناء السعودية لمنشآت عسكرية معقدة وأكبر بكثير من حاجاتها الذاتية، ومن المنتظر أن تصل قيمة هذه المشاريع خلال العقد الحالي إلى ما بين 35 و 60 مليار دولار.

ويطمح بعض أوساط المخططين العسكريين في الولايات المتحدة أن يضم هذا التحالف مصر في المستقبل وينسق لدورها العسكري في المنطقة، وبالفعل تمت عملية إرسال طائرات الأواكس إلى مصر بعد مقتل السادات، وصرَّح أحد العسكريين الأمريكيين بأن (هدف البعثة الموجودة في مصر هو القيام بتدريبات بهدف تعريف عناصر المراقبة الأرضية المصرية والذين يعملون على أجهزة الرادار عادة على طائرات الأواكس ويتابع قائلاً ونأخذهم (العناصر) على طائرات الأواكس ونطلعهم على أنواع أجهزتها ثم يقومون بتطبيق نفس الأساليب التي يستخدمونها على الأرض- اهـ.

وهكذا نجد أن سياسة "العمودين" وكذلك صفقات الأسلحة الضخمة المتطورة لم تكن حلاً نهائياً بل وسيلة مؤقتة ومموهة لما تحقق في سنة 1990 عقب الغزو العراقي!! وسوف تكشف الأيام المزيد.

(8*) المقصود هم جبهة ظفار الشيوعية و بعض المنظمات الفلسطينية التى كانت تهديدتها الجوفاء بنسف الناقلات فيه بحيث يؤدي ذلك إلى تعذر الملاحة فيه مبرراً لأمريكا بالتحكم فيه .
(9*) مجلة إقرأ العدد 242 في 11/10/1979 م – ص من 20إلى 21 .
(10*) المصدر السابق .
(11*) من المهم هنا نذكر أن الحلف المقترح هنا يسمى حلف [ ميتو ] اختصاراً من ميدل إيست تربتي أورقانزيشن . و هو الذي يمكن يُعاد الآن بعد الأزمة .
(12*) الحوادث العدد – 1165 – 2 / مارس / 1979م .
(13*) مزاعم البعثيين في مواجهة اسرائيل كلها لا أساس لها من الصحة و نذكر هنا ما قله حسن العلوي رئيس تحرير أهم مجلة عراقية سابقاً في مقابلته مع مجلة المجلة عدد56 الماضي حيث قال : " لم أقرأ و قد أمضيت في الحزب ربع قرن كتاباً لمؤلف عراقي و لم اسمع محاضرة لمحاضر عراقي عن فلسطين " .
(14*) العدد – 143 في 1/11/1979م .